< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

38/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أداء المضمون عنه للضامن قبل أداء الاخير/كتاب الضمان

 

"إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه‌ فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عما له عليه فلا إشكال و يكون في يده أمانة لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط و إن كان بعنوان وفاء ما عليه"

 

مسائل في الضمان

من المسائل في الضمان أن الضامن إنما يرجع إلى المضمون عنه في حال وجود إذنٍ منه أو تعارف ذلك، بعدما يؤدي إلى المضمون إليه وبقدر ما يؤدي.

فلو أبرءه المضمون له بكل الدين أو نصفه أو صالحه بنسبة معينة فلا يرجع الضامن على المضمون عنه إلا بالمقدار الذي دفعه ولا يحق له الحصول على الزيادة كما مرّ بيانه مفصلاً في البحوث السابقة.

اداء المضمون عنه للضامن

ومن فروع المسألة ما لو أعطى المضومن عنه المال الذي كان بذمته ــ قبل دفع الضامن الى المضمون له ـــ إلى الضامن، لكن لا على نحو الحوالة بل ليؤدي منه أو يأخذه بعد الأداء، فماذا يكون عنوان هذا المال؟

وجوه بل أقوال:

الوجه الأول: أن الضامن لا يستحق على المضمون عنه إلا بعد أن يؤدي المال المضمون لا قبله، وبالتالي المال يكون بيده أمانةً، فلو أفترض تلف المال قبل الأداء من دون تفريطٍ من الضامن كان من مال المضمون عنه، وبالتالي يستطيع الضامن أن يرجع عليه مجدداً بعد الأداء، وليس على الأمين في حال التلف سوى اليمين.

الوجه الثاني: المال المدفوع إنما هو مالٌ للضامن، لأنه مالٌ استحقه ومادامه كذلك فيكون كالمأخوذ بالعقد الفاسد، وما أخذ بعقد فاسدٍ نرجع إلى القاعدة فيه، فإن قلنا بالضمان في صحيحع فيضمن بالعقد الفاسد أيضاً.

وبعبارةٍ أخرى لم يعطِ المضمون عنه المال بعنوان الأمانة للضامن، وإنما أعطاه المال ليفرغ ذمته، ظناً منه بإشتغالها، فحتى لو لم يكن الضامن مستحقاً للمال فسيكون بمثابة العقد الفاسد.

الوجه الثالث: أساساً بمجرد الضمان يتم الإستحقاق ولكن فعلية الإستحقاق لا تكون إلا بعد الاداء، فهو عقدٌ بينهما معلق على الأداء كأنه قال للضامن (ادفع وادفع لك) وهذا نوعٌ من العقد، فمجرد أن تم ذلك، على المضمون عنه أن يدفع، ولكن حين الدفع يكون مثل النسيئة مؤجلاً بأجل، وبناءً عليه فلو تلف هذا المال يكون من مال الضامن لا المضمون عنه.

ولدينا نظرة أخرى، وهي مبنية على مبنانا الذي ذكرناه بأن الضمان عقدٌ والعقود تابعةٌ للقصود، وهي أننا نرجع إلى قصد المضمون عنه ونيته حينما دفع المال، فهل دفعه على نحو الأمانة، بأن نفترض معرفة المضمون عنه خلو ذمته بالضمان وانتقالها للضامن ثم دفع له المال على نحو الأمانة، فيكون التالف من ماله هو.

أم أعطاه المال وهو يقصد إبراء ذمته من الدين، فاليد في هذه الحالة ليست أمانية بل يد ضامنة، لأنه يكون دفعٌ بعقدٍ فاسد وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، والنية ــ في العادة ــ في هكذا حالات لا تكون نية أمانة، وإنما يعطيه المال ليقوم الضامن بأداء الدين للمضمون له، كما هو الحال في الحوالة، وعليه إذا تلف فيكون من مال الضامن لا المضمون عنه.

وبكلمة: في كثير من المسائل المرتبطة بالضمان علينا أن نرجع إما إلى العرف أو إلى نية المتعاقدين، فنبحث عن نية المضمون عنه فيما أعطاه بأي عنوانٍ كان، سواء كان ذلك قبل التلف أو بعده ، وبعد تحديد الهدف والعنوان نصدر الحكم الشرعي.

وفيما يلي نورد كلام صاحب العروة قدس سره، الذي مزجه بشيء من الإستدلال بالأدلة العقلية رغم أنه كتابٌ فتوائي لا استدلالي، يقول قد سره: "إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه‌ فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عما له عليه فلا إشكال (إذا كان قد أعطاه بنية الأمانة منذ البدء لإحتمالية عدم الظفر بي بعد اداءك للضمان، فخذ من هذه الأمانة)[1] ويكون في يده أمانة لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط و إن كان بعنوان وفاء ما عليه (كأن قال له: الست تعطي بمقدار هذا المال للمضمون له، فأنا اعطيك إياه من الآن) فإن قلنا باشتغال ذمته حين الضمان و إن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن و إن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن (هنا احتمالات: فإذا قلنا بمجرد الضمان يشغل ذمة المضمون عنه ولكن الأداء يتأخر بعد أداء الضامن، لأن العقد الآن قد تم بين المضمون عنه والضامن، ومادامه تم إنشغلت ذمة المضمون عنه للضامن، والإحتمال الثاني بأن نقول إشتغلت ذمة المضمون عنه الآن لكن بشرط أداء الضامن للمضمون له، فإما يكون بشرط أو بوقت وهو الفرق بين الإحتمالين) على وجه الكشف فهو صحيح ويحتسب وفاءاً لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني (أي بشرط أن يدفع الضامن للمضمون له ما كان عليه)" [2] .

ثم قال السيد قدس سره: "و إن قلنا إنه لا تشتغل ذمته إلا بالأداء وحينه كما هو ظاهر المشهور فيشكل صحته وفاء لأن المفروض عدم اشتغال ذمته بعد فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد و بعد الأداء ليس له الاحتساب إلا بإذن جديد أو العلم ببقاء الرضا به"[3] .

وبعبارة أوضح: المضمون عنه تفرغ ذمته بالضمان وتنتقل إلى الضامن، وإنما تشغل مجدداً بدفع الضامن كما هو ظاهر المشهور، فيشكل إعتبار ما يعطيه المضمون عنه للضامن وفاءاً، لأن المفروض عدم إنشغال ذمته بعد.

فلا معنى للوفاء السابق عن الإنشغال، فيكون بمثابة المأخوذ بالعقد الفاسد، وحتى لو أدّى الضامن وأراد الرجوع على هذا المال احتاج إلى إذن جديد من المضمون عنه لأخذ هذا المال.

وفيه نظر، فالحق لا يعدو المضمون عنه والضامن والمضمون له، وهذا عقدٌ من العقود، ولنفترض أن المشهور قال أن ذمته لا تنشغل إلا بعد أن يؤدي الضامن، ولكن لو أراد المضمون عنه تأسيس عقدٍ يكون فيه مشتغل الذمة قبل أداء الضامن للمضمون له، فلا إشكال، أو نعتبره شرطاً جديداً والمؤمنون عند شروطهم، وإن كان نادراً، واليوم نجد أن هناك عقود ضمان على هذا النحو في البنوك، بأن يدفع المضمون عنه المال للبنك ليقوم الأخير بضمانه عند المشتري لعدم ثقته به.

فإذا كان الطرفان (المضمون عنه والضامن) قد رضيا بهذا النوع من العقد وعلى هذا النحو فنعتبره عقداً صحيحاً، لعدم ورود نهي عليه، وقد تراضى الطرفان واعتمدا قوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض[4] .

وأساساً فمثل هذه الأمور لا تحتاج إلى بحثٍ كثير، فالمضمون عنه يعطي للضامن مالاً لعدم ثقة الضامن به، لا بعنوان الأمانة بل بعنوان مالٍ يستوفي منه الضامن دينه، ولا إشكال في ذلك.

 

أمر الضامن المضمون عنه بالأداء

ويذكر السيد الطباطبائي مسألة فرعية أخرى مفادها ما لو أمر الضامن المضمون عنه بدفع المال للمضمون له، فهل ستبرء ذمة الضامن أم لا؟

قال السيد قدس سره: "لو قال الضامن للمضمون عنه ادفع عني إلى المضمون له‌ ما على من مال الضمان فدفع برئت ذمتهما معا أما الضامن فلأنه قد أدى دينه و أما المضمون عنه فلأن المفروض أن الضامن لم يخسر"[5] .

وهذا على قولنا نحن الإمامية، حيث اعتبرنا أن ذمة المضمون عنه تنتقل إلى ذمة الضامن، ولكن على قول العامة القائلين بإنضمام ذمة الضامن إلى المضمون عنه فواضح. فعلى القول بالإنتقال (قول الإمامية) تبرء ذمتهما معاً، لأن أمر الضامن بالدفع وقبول المضمون عنه يكون مؤدياً لإفراغ ذمتهما.

ثم أورد السيد وجهاً آخر لبراءة ذمتهما قائلاً: "كذا قد يقال والأوجه أن يقال إن الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمته بالأداء و المفروض أن ذمة المضمون عنه أيضا مشغولة له حيث إنه أذن له في الضمان فالأداء‌ المفروض موجب لاشتغال ذمة الضامن من حيث كونه بأمره و لاشتغال ذمة المضمون عنه حيث إن الضمان بإذنه و قد وفى الضامن فيتهاتران أو يتقاصان"[6] .

ويبدو أن التفصيل في هذه المسألة كثيراً لا محل له، لأنه من الأمور العرفية الواضحة، فتهاتر الديون من الأمور الجارية بين الناس بكثرة.

ونعود لما أكدنا عليه في البحث السابق هو أن علينا الإهتمام بجوهر العقود ولا نعتمد فقط على الحدود والأطر والظواهر والكلمات، وإنما نعتمد على واقع الأمر، فواقع الأمر أن المضمون له يطلب الضامن ألف دينار والضامن يطلب المضمون عنه، وكلٌ بسبب، فيكون هذا الألف في مقابل ذلك الألف.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] توضيح السيد الاستاذ دام ظله.
[4] سورة النساء: الآية 29.
[6] العروة الوثقى: ج5، 416.، لا يخفى أن كلمة المقاصة لا مورد لها في المسألة وقد ذكر الفقهاء لذلك وجوه أجودها أنها من النسّاخ او من سهو قلمه الشريف أعلى الله مقامه فتدبر. [المقرر]

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo