< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة 15 الى 20/ كتاب الضمان

 

لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقل من الدين أو وفاة الضامن بما يسوى أقل منه‌ فقد صرح بعضهم بأنه لا يرجع على المضمون عنه إلا‌ بمقدار ما يساوى و هو مشكل[1]

 

المسألة الخامسة عشر: بيع الدين والمصالحة عليه

لا زال الحديث عن المسائل الفرعية في كتاب الضمان المتعلقة بالعلاقة بين الضامن والمضمون عنه وكيفية استئداء الضامن حقه من المضمون عنه.

وذكرنا فيما سبق أن الضامن لو صالح المضمون له بأقل من مقدار الدين الأصلي فليس له أن يأخذ من المضمون عنه إلا ما أعطاه للمضمون له، والسبب في ذلك ــ مضافاً إلى الرواية ــ أن الضمان عقدٌ مترتب على الدين وليس عقداً مستقلاً.

وقد ذكرنا الروايات بشأن التصالح، ولكن السؤال عما لو باع الضامن الدين للمضمون له بما هو أقل من حقه، كأن يبيعه محلّه بثمانمائة دينار بدل الألف دينار، فهل يعود الضامن في هذه الحالة على المضمون عنه بالألف أم بالأقل؟

اختلف العلماء في ذلك، فقال صاحب العروة بأن للضامن أن يأخذ مقدار الدين الأصلي أي الألف، لأن الرواية الواردة إنما هي في المصالحة خاصة ولا تشمل مثل البيع، وبإعتبار أن الرواية وردت خلافاً للقاعدة ــ حسب رأيه ــ خصوصاً لو كان البيع فيه جوانب خاصة كرغبة المضمون له بالمحل.

لكن خالف أغلب الفقهاء السيد صاحب العروة في هذه المسألة، معتبرين النصوص الواردة في المصالحة غير خاصة بها، فلسان الروايات في الباب لسانٌ عام، وإن كانت في مقام الإجابة عن موضوع المصالحة، ونحن إنما نهتم بإجابة الإمام وطريقة تعبيره، فإذا كان الجواب عاماً فلا ننظر إلى خصوص السؤال، فنأخذ بالجواب العام فالمورد لا يخصص كما هو معروف.

قال السيد قدس سره: لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقل من الدين أو وفاة الضامن بما يسوى أقل منه‌ فقد صرح بعضهم بأنه لا يرجع على المضمون عنه إلا‌ بمقدار ما يساوى و هو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة و كون القدر المسلم غير هذه الصور[2] .

ومفاد كلامه أن الأخذ بمقدار الأداء مقتصرٌ على المصالحة مستشكلاً على تعميمه على البيع، لكن المرجع الحكيم قدس الله روحه قال في الرد على هذا القول بقوله: ظهور الخبر فيما يشمل هذا الفرض الذي ذكروه لا يقبل الإنكار لوضوحه. نعم الخبر بلفظه لا يشمل البيع. لكن الظاهر منه عرفاً الأعم من البيع[3] .

وبذلك فلا فرق بين المصالحة وغيره، فما خرج من كيس الضامن يدخل إليه من المضمون عنه لا أزيد.

أما الروايتان ــ وقد ذكرناهما سابقاً ـ فهما موثقة عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ ضَمَّنَ عَلَى رَجُلٍ ضَمَاناً ثُمَّ صَالَحَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: )لَيْسَ‌ لَهُ‌ إِلَّا الَّذِي‌ صَالَحَ‌ عَلَيْهِ([4] ، والرواية الأخرى هي قول الإمام عليه السلام: )لَيْسَ عَلَى الضَّامِنِ غُرْمٌ الْغُرْمُ عَلَى مَنْ أَكَلَ الْمَال([5] .

ولسان الرواية الأولى يوحي بعدم الخصوصية في الصلح، بل هذا عن أصل ما أعطاه.

 

الدفع بأكثر من مقدار الدين

ولو عكس الأمر، بأن فرض مصالحة الضامن للمضمون له بأكثر من مبلغ الدين، فلا خلاف في أن الضامن لا يرجع على المضمون عنه الا بمقدار الدين، قال المحقق الطباطبائي قدس سره: و أما لو باعه أو صالحه أو وفاة الضامن بما يسوى أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة [6] .

وتبقى هناك مجموعة من المسائل الفرعية الأخرى، التي لا نحتاج إلى مزيد بحثٍ فيها بعد أن توضحت الأصول، ولكنا نوردها كما أوردها السيد اليزدي قدس سره:

 

مسألة: اداء المضمون عنه دون إذن الضامن

قال السيد اليزدي قدس سره في المسألة الثامنة عشر: إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معا كما لو دفعه أجنبي عنه[7] .

بأن تجاوز المضمون عنه الضامن ودفع مال الدين للمضمون له دون علم الضامن، فذمته برئت بالأداء، وذمة الضامن كذلك لإنتهاء محل الإنشغال، ومثله ما لو دفع عن الضامن شخصٌ أجنبي عن المعاملة.

 

مسألة: تسلسل الضامنين

لو ضمن الضامن المضمون عنه، ثم ولعدم ثقة المضمون له ــ مثلاً ــ قام ضامنٌ آخر بضمانة الضامن، وهذا ما نجده متداولاً في البنوك من خلال بيع الدين أو الحوالة، والذي سنفصل الكلام فيه في مقامه أكثر.

فهنا ضمانات متسلسلة، وقرار الضمان الأصلي على المضمون عنه، وبالتالي هو المديون الذي عليه أن يدفع الدين، والضامن النهائي أيضاً هو الذي اشتغلت ذمته للمضمون له، أما الضامن الوسط فلا يرجع إليه المضمون له، بل يرجع عليه الضامن النهائي.

والمهم في المسألة، هو من عليه أن يؤدي المال، فأما للمضمون له فالأداء على الضامن الأخير، وكلٌ يرجع إلى المضمون عنه حتى يصل إلى المضمون عنه الأول.

نعم لابد من التفريق بين ما لو كان ضمان الضامن الأول بإذن المضمون عنه فيرجع إليه، أو لا فيكون متبرعاً، ومن هنا قال السيد اليزدي قدس سره في المسألة التاسعة عشر: إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن بإذنه و أدى ليس له الرجوع على المضمون عنه بل على الضامن بل و كذا لو ضمن بالإذن يضمن عنه ضامن بإذنه فإنه بالأداء يرجع على الضامن و يرجع هو على المضمون عنه الأول[8] .

فكل واحدٍ يرجع على من تعاقد معه دون أن يتجاوزه إلى من بعده.

 

مسألة: ضمان أقل من الدين أو أزيد

يجوز للضامن أن يضمن الدين بأقل منه شريطة قبول المضمون له، كأن يكون ضامناً لجزء الدين للمضمون له لا كله، وبالتالي لو دفع ما عليه لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلا بمقدار ما دفع كما مرّ.

أما لو أتفق مع المضمون له بأزيد من الدين، كما لو كان الدين ألف دينار وتعاقدا على ضمان ألف ومائتين، فهل يجوز ذلك؟

قال السيد اليزدي قدس سره في المسألة العشرين: يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضا المضمون له و كذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه و في الصورة الأولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلا بذلك الأقل كما أن في الثانية لا يرجع عليه إلا بمقدار الدين إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة[9] .

أجاز السيد الطباطبائي قدس سره التعاقد على جانب الزيادة، لكن دون رجوع الضامن على المضمون عنه بالزيادة، إلا اللهم لو كان المضمون عنه هو الذي أذن للضامن بالضمان بالزيادة.

هذا ما ذهب إليه السيد الطباطبائي، وأشكل عليه بعض الفقهاء مثل صاحب الجواهر قدس سره لأمرين: أولهما أنا لم نعهد ضماناً بهذه الكيفية، فلا يمكن أن نسمي هذا التعاقد ضمانا، وثانيهما لوجود شبهة الربا في المقام، فأي قرض جرّ منفعةً دون مقابل كان ربوياً.

وأجاب السيد الحكيم قدس سره عن الإشكال الأول بإمكان إعتبار هذا العقد عقداً جديداً صحيحاً داخلاً في عمومات العقود، قال قدس سره: اللهم إلا أن يكون المراد من الضمان في المقام مفهوماً آخر، و هو إثبات بدل ما في الذمة في ذمة أخرى أقل منه أو أكثر. و لا بأس بالبناء على صحته، عملا بعمومات الصحة، و لا يكون من الضمان الاصطلاحي، و لا تجري عليه أحكامه إلا ما تقتضيه العمومات[10] .

وأجيب عن الإشكال الثاني أن العقد يكون ربوياً إذا كان بناء الدين على إشتراط الأكثر، فإن لم يكن كذلك كما لو دفع الزيادة دون إشتراط فلا إشكال فيه، وهذا عقدٌ خارجٌ عن عقد الدين، بل قد يعد هكذا عقد فرارٌ من الربا.

ويرد على هذا الرد: صحيحٌ أن الدين انتهى بعقدٍ جديد هو عقد الضمان، ولكنه عقدٌ وإلتزام مبني على الدين ومرتبط به، ولا يخلو التعاقد على الإضافة من إشكال.

وبأي حال، فلا تطمئن النفس إلى التعاقد على الإضافة لوجود شبهة الربا بقوة.

وفيما لو أجزنا العقد ــ بناءً على مذهب السيد قدس سره في العروة ــ فلا يرجع الضامن على المضمون عنه بالزيادة إلا لو أذن المضمون عنه بذلك أو طلب هو بضمان الزيادة، واعتبره السيد قدس سره عقداً جديداً.

هذا كله بناءً على القول بجواز التعاقد على الزائد على الدين، أما إذا قلنا بعدم الجواز، فلا حاجة للحديث عن حكم رجوع الضامن، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص414.
[2] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص414.
[3] مستمسك العروة الوثقى ط-بیروت، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج13، ص300.
[4] الكافي-ط دارالحديث، ج10، ص368.
[5] الكافي-ط دارالحديث، ج9، ص615.
[6] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص414.
[7] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص416.
[8] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص416.
[9] العروة الوثقى-جماعة المدرسين، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص416.
[10] مستمسك العروة الوثقى ط-بیروت، السيد محسن الطباطبائي الحكيم ئ، ج13، ص304.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo