< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة 24 و25 و 26 /كتاب الضمان

 

يجوز اشتراط الضمان في مال معين‌ على وجه التقييد أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في الالتزام و حينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه فيه و على الأول إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان و يرجع المضمون له على المضمون عنه[1] .

 

في أبواب العقود في الفقه، تكون المسائل الأولية فيها عادةً واضحة، بإعتبار تشابه العقود ببعضها البعض، فما يجري على سائر العقود يجري عليه أيضاً، ولكن في الفروع تكثر مناقشات الفقهاء إذ تتداخل فيها مجموعة من الأحكام الشرعية المتشابكة، ومنها المسألة التالية:

إشتراط الأداء من مال معين

هل يجوز للمضمون عنه أن يشترط شرطاً على الضامن بأن يضمنه في مال معين؟ كأن يضمن له البيت أو المال الموروث من أبيه أو..؟

قالوا بجواز ذلك، لأنه شرطٌ والمؤمنون عند شروطهم، وكل شرط في عقدٍ لازم لازمٌ أيضاً.

لكن هل له أن يشترط بالنتيجة؟ أي يشترط أن يتحول بيت الضامن ــ مثلاً ــ الذي تحت تصرفه إلى ملكه إن لم يؤد المضمون عنه بصورة آلية دون حاجة إلى تعاقدٍ بإيجابٍ وقبول.

وفي هذه الصورة قال بعض الفقهاء بعدم الجواز، إذ لم يُعهد ضمانٌ بهذه الصورة من قبل، بأن يتحول الملك إلى المضمون له دون إيجابٍ وقبول.

وفي المقابل قال بعضٌ بالجواز لوجود عقدٍ مشابهٍ له وهو الرهن بشرط تحول الرهينة إلى المرتهن إن لم يؤد الراهن دينه، وقد أجاز الفقهاء شرط النتيجة عموماً ما عدى عقد النكاح والطلاق.

ومع فرض عدم إعتبار الضمان المشروط بشرط النتيجة ضماناً، يمكن إعتباره عقداً بإسم آخر، فما دمنا نعتبره عقدٌ عند العرف ولم يرد النهي من الشارع عليه يدخل في عموم قوله سبحانه: ﴿أوفوا بالعقود[2] .

قال السيد قدس سره في المسألة الرابعة والعشرين: "يجوز اشتراط الضمان في مال معين‌ على وجه التقييد أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في الالتزام و حينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه فيه و على الأول إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان و يرجع المضمون له على المضمون عنه "[3] .

يرى السيد قدس سره بطلان الضمان بتلف المال المشترط اداء الضمان منه، وقد علّقنا سابقاً على ذلك بأن الشرط لو كان ركناً فالحكم ما قاله قدس سره أي بطلان العقد بإنتفاءه، وإن لم يكن كذلك أي لم يكن الشرط جوهرياً، كان للطرف المتضرر الخيار.

 

جبران النقص

أما لو لم يفِ المال المشروط بالدين على الضامن أن يتم النقصان، قال السيد قدس سره: "و مع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم الفسخ".[4]

 

شرط النتيجة

ثم قال السيد عن إشتراط النتيجة: "و أما جعل الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمة الضامن بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال فلا يصح‌"[5] .

وهذه هي المسألة المبحوثة عندنا، هل يمكن للمضمون له أن يشترط تحول مالٍ إليه من الضامن إن لم يؤد المضمون عنه؟

قال السيد اليزدي قدس سره بعدم الصحة، ولكن المرجع الحكيم قدس سره في المستمسك ذهب إلى خلاف ذلك، وقد نقل أيضاً عن الشهيد الثاني في المسالك كلاماً يدل على الصحة، ويذهب السيد الحكيم قدس سره إلى الصحة وإن لم نسمه ضماناً، بل ليكن عقداً جديداً ما دام عموم الوفاء بالعقد يشمله، قال المرجع الحكيم قدس سره في تعليقه على المسالك: "ولا يخفي أن مفاد الوجه الثاني إلى الضمان من مال معين الى تخصيص حق المضمون له بالمال المعين، فالبناء على صحته حينئذ يقتضي البناء على صحة هذه الصورة، بل ظاهر بعض عبارات المسالك الأخرى ذلك. و هو كذلك، عملا بعمومات الصحة، و ان لم تكن من الضمان المصطلح الذي هو اشتغال الذمة، فلا تجري عليها أحكامه"[6] .

وهذا الرأي (أي اعتباره عقداً جديداً) يتكرر من الفقهاء وخصوصاً من المرجع الحكيم قدس سره، حيث يذهب إلى إعتبار ما لا يعده الفقيه ضماناً عقداً جديداً.

ولنا أن نضيف هنا: أن عناوين البيع والإيجار والضمان وغيرها ــ بإستثناء عناوين معينة كالنكاح والطلاق ــ لو كانت عناوين محددة من قبل الشرع لكان علينا الإلتزام بها دون أن يجوز لنا تجاوزه، أما إذا كانت عناوين عرفية وعقود متعارفة بين الناس ــ كما هو الأمر في أغلبها ــ فالأعراف تتبدل وتتغير في أمر العقود، كما أنها قد تضيف عقوداً جديدة، كما نجد اليوم مثلاً عقد بيع حق البيع، أو بيع حق الإيجار، بأن يبيع الدلال الموكّل ببيع الدال حقّه في البيع، أو تقوم شركة مقاولات ببيع صفقة المقاولة إلى شركة أخرى في مقابل مالٍ أو نسبةٍ من الأرباح أو.. فهل نسمي هذه البيوع الحديثة بيعاً أم لا؟

إن كان العقد يسميها فلم لا نسميها نحن؟

نعم؛ في حال ورود نهي من قبل الشارع لا يجوز لنا أن نتعدى الشرع.

وبعبارة أخرى، هل نحن مقيدون بما جرى في التاريخ من عقود، أم يجوز لنا أن نطور العقود كالبيع والضمان والوديعة وما أشبه؟

فالضمان اليوم قد تطور تطوراً هائلاً عما كان عليه في السابق، فهناك بنوك كبرى تعتمد أنواعاً حديثة من الضمان، حتى أن البنوك تبيع على بعضها البعض الضمان.

هل نسمي ذلك ضماناً أم لا؟

الجواب: بلى نسميها ضماناً، إلا في حالات وجود تحديدٍ أو نهي شرعي، أما الإلتزام على عرف زمان المحقق الحلي أو الشيخ الطوسي فليس صحيحاً.

 

تعدد الضامنين

هل يجوز أن يضمن إثنان أو ثلاثة مضمون عنه واحد؟ قال الفقهاء بجواز ذلك، وهو يتصور بصور متعددة:

الصورة الأولى: أن يكونوا جميعاً ضامنين، كضمان ثلاث إخوة أباهم مع بعضهم البعض، بأن يضمن كلٌ منهم ثلث الحق، فيكون ضماناً بالشراكة.

الصورة الثانية: الضمان على نحو كفاية كلٍ عن الآخرين، كالواجب الكفائي، فلو أدى أحدهم يسقط عن الباقين وإلا فللمضمون له الرجوع على أيهم شاء[7] .

الصورة الثالثة: الضمان على نحو التعاقب، فالأول هو الأصل وإن لم يؤد يرجع المضمون له إلى الثاني وهكذا..

وكلها جائزة، ولكن الكلام في تحديد نوع الضمان، فلو ضمن إثنان أو أكثر شخصاً، كيف لنا أن نشخص نوع ضمانهما أو ضمانهم له؟

الجواب على ذلك: لأن العقود تابعة للقصود نرجع إلى قصد أطراف العقد، فما كانت نية الضامنين؟ هل كانت بنحو الشراكة أو كفاية بعضهم عن البعض أو التعاقب؟

وإن لم يكونوا قصدوا نوعاً معيناً يكون المرجع حينئذ العرف، فما تعارف عليه العرف في هكذا ضمان هو المعتمد.

ومع إجمال العرف يرجع إلى الضامنين ليحددوا ذلك.

ومن هنا، فإن الأنواع كلها صحيحة والمرجع الأساس في تعيينها هو نية الطرفين، ويفصّل صاحب العروة قدس سره القول في هذه المسألة، والذي أعتقده أنا لسنا بحاجة إلى التفصيل في ذلك لأنه ليس من شأننا كعلماء أن نفتي في هذه الأمور، بل ذلك موكل إلى العرف.

يقول السيد اليزدي قدس سره في المسألة السادسة والعشرين: "إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد‌ فإما أن يكون على التعاقب أو دفعة فعلى الأول الضامن من رضي المضمون له بضمانه"[8] . بأن يقوم المضمون له بقبول أيهم شاء، أوليست العقود تابعة للقصود؟

ثم قال السيد: "ولو أطلق الرضا بها كان الضامن هو السابق" فلو لم يحدد المضمون له رضاه، الأول والأسبق زماناً هو الضامن دون الثاني، لإهتمام الشرع المقدس بالزمان كما لو دخل على القاضي شخصان ولكلٍ منهما دعوى فيقدم المتقدم زماناً، وإن دخلا معاً يقرع بينهما، ولكن السيد الطباطبائي لا يرى أهمية للأسبق إنما الأهم هو رضا المضمون له، فالعقد مبنيٌ على إيجاب الموجوب وقبول القابل.

قال السيد قدس سره: "ويحتمل قويا كونه كما إذا ضمنا دفعة خصوصا بناء على اعتبار القبول من المضمون له فإن الأثر حاصل بالقبول نقلا لا كشفا و على الثاني [أي إذا جاءا دفعةً] إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن و إن رضي بهما معا ففي بطلانه كما عن المختلف وجامع المقاصد وإختاره صاحب الجواهر"[9] .

لماذ القول بالبطلان؟

لأن الضمان يجب أن يكون بحيث ينتقل الحق من ذمة إلى ذمة، وفيما نحن فيه لم تتبين الذمة المشغولة.

وهذا أول الأراء في المسألة، أما الرأي الثاني هو تقسيط الضمان عليهم بعددهم، فإن كانا اثنين فبالتناصف والثلث للثلاثة وهكذا.

والرأي الثالث يذهب إلى ضمانهم معاً على نحو كفاية بعضهم عن بعض، كالواجب الكفائي، وقد قوى السيد الأخير.

وخالفه بعض المحشّين على العروة، كما ذهب الشيخ النائيني إلى أن الوجه الأخير أضعف الوجوه بل لا وجه له [10] ، والسيد جمال الدين الكلبايكاني قال بالأول.

أما السيد البروجردي فخالف ذلك بإعتباره مبني على ما يراه العامة من إمكان تعهدات كثيرة لما في ذمة واحدة، قال السيد البروجردي في تحشيته: "على ما يراه العامّة إذ عليه يمكن تعهّدات كثيرة لما في ذمّة واحدة مع بقائه على ما كان عليه بل عليه يصحّ الجميع من التعاقب أيضاً و أمّا على مذهب أصحابنا فالأقوى هو الأوّل".

ولكن رغم ذلك ذهب البعض إلى ما ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره[11] .

ومحصل كلامه قدس سره إذاً أن يكون الضمان على نحو تعاقب الأيدي في الغصب، فإذا تعاقبت أيدي الغاصبين على المغصوب، فللمالك أن يرجع إلى أيهم شاء ويطالبه به، لضمان جميعهم.

وفي ما نحن فيه الكل ضامنون أيضاً إما بنحو التردد أو بنحو الشراكة، ونعرف نوعه من خلال نية الضامنين، وإن لم نقبل بكون ذلك ضماناً إعتبرناه عقداً عرفياً جديداً، وأمضيناه لأن العرف لا يرى بأساً به ولم يرد نهيٌ من قبل الشارع فيه، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[2] سورة المائدة: الآية 1.
[7] ويكن أن نطلق عليه: الضمان على البدل [ المقرر].
[11] انظر: العروة الوثقى مع التعليقات: ج2، ص712.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo