< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة 27: التضامن /كتاب الضمان /الدرس السابع عشر

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى أهل بيه الطيبين الطاهرين.

التضامن

من البحوث الفرعية والجانبية في كتاب الضمان ورد البحث حول التضامن، أي تبادل الضمان بين إثنين بأن يضمن أحدهما الآخر لمضمون له واحد، وقبل بيان الفرع لا بأس بضرب مثالٍ لحالة التقابل في أمرٍ ما من باب الإرث، بأن مات الأب والإبن ولم ندرِ السابق ليكون اللاحق وريثاً له، ففي مثل هذه الحالة تنتقل تركة الأب للإبن وتركة الإبن للأب.

ومثل ذلك يجري في باب الضمان، بأن كان لشخص على شخصين دينين مستقلين، فضمن أحدهما الآخر وقبل المضمون له بالضمان، فيتحصل في المقام قيام ضمانين مستقلين لدينين مستقلين في آنٍ واحد.

وتفصيله: إن كان مقدار الدين وجنسه وأجله واحداً في الدينين فيكون بينهما تبادل الذمم، فلو كان يطلب عليٌ زيداً وعمراً مائة دينارٍ من كل منهما، تفرغ بالتاضمن ذمة أحدهما منتقلةً للآخر.

ودعوى أن هذا العقد عبثي لا يجر منفعة فيكون العقد باطلاً مردودة بأنا نتصور إختلافات من بعض الجهات فلو فلّس أحدهما أو أعسر كان على الضامن بذل الدين، أو إذا مات أحدهما فيعجل دينه، أو إذا فرض إبراء المضمون له أحدهما من الدين، أو في حال وجود رهنٍ متعلقٍ بالدين وقلنا بإنفكاكه بالضمان وغيرها من الحالات المتصورة.

هذا مضافاً إلى عدم وجود دليل على بطلان جميع العقود المتصور عبثيتها، لإحتمال إقامة العقد لا لشيء إلا للمحبة المتبادلة، أو لوجود سبب نفسي أو لتثبيت علاقة إجتماعية أو شبهها[1] .

 

إختلاف الدينين

هذا كله مبنيٌ على كون الدينان متساويين من كل الجهات، كالجنس والمقدار والأجل وبتعبير المحقق "من كل الوجوه"، أما مع الأختلاف فالأمر أهون والمسألة أبين.

ففيها يضمن كلٌ منهما ذمة صاحبه ويتحمل دينه، فلو كان زيدٌ مديوناً بمائة و عامر بألف، فستنتقل ذمة زيد إلى عامر وذمة عامر إلى زيد.

والعجيب أن الأصحاب أوردوا جميعاً هذه المسألة وأجازوا التضامن رغم ندرة حدوث هذا الأمر في الخارج، إلا إذا قلنا بإشتهار هذا العقد في زمانهم، قال السيد اليزدي قدس سره في المسألة السابعة والعشرين: "إذا كان على رجلين مال فضمن كل منهما ما على الآخر بإذنه‌ فإن رضي المضمون له بهما صح و حينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنسا و قدرا"[2] وحتى من حيث الأجل، "تحول ما على كل منهما إلى ذمة الآخر و يظهر الثمر في الإعسار و اليسار و في كون أحدهما عليه رهن دون الآخر بناء على افتكاك الرهن بالضمان"[3] .

أما إذا كان الدينان غير متساويين فالثمرة فيه أوضح، كما لو أراد أحدهما السفر ــ مثلاً ــ ودينه معجّل فيضمنه الآخر صاحب الدين المؤجل، فيضامنان ليؤدي كل منهما دين الأخر.

 

التفريق بين الضامنَين

لو لم يقبل المضمون له بضامنية أحدهما، فبديهيٌ أن الدينين سيكونان بذمة الضامن، دين صاحبه للضمان ودينه الشخصي لعدم قبول المضمون له ضمان الآخر، قال قدس سره: "و إن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه و حينئذ فإن أدى الجميع رجع على الآخر بما أدى حيث إن المفروض كونه مأذونا منه"[4] .

لا ريب أنه لو دفع هذا الضامن بعض المال فعليه تعيينه بأنه بدل دينه أو دين الضامن، لكن السؤال فيما لو لم يعين فما هو الحكم؟

يختلف الأمر بحسب نوع القضية، فبعض الأمور هي معينة في الواقع ولكنها مجهولة عند الإنسان، فلو عقد على إحدى الأختين ولا يدري عقده كان على الصغرى أم الكبرى، فالعقد معيّنٌ في الواقع ولكنه جاهلٌ به، وفي هذا الصدد قال الفقهاء يتم التعيين بالقرعة.

وقال بعضٌ[5] لا يمكن الأخذ بالقرعة مطلقاً، بل في ما اتفقت كلمة الفقهاء بالأخذ بها لضعف سند رواية القرعة.

ويبدو أن ما نحن فيه هو من هذا النوع، حيث لم يعين المؤدي أصلاً نوع المال المبذول وفيه أحتمالات ثلاثة وبها أقوال:

الأول: أن يبقى له حق الإختيار، فصلاحية القرار بيد الباذل، كمن يدفع مالاً لأمر خياري فيبقى له حل الإختيار، وإن كانت هناك دعوى مخالفة لقوله إحتاج إلى اليمين.

الثاني: ما ذكر من العمل بالقرعة.

الثالث: يحال الأمر إلى تقسيط الدين، بأعتباره أقرب للعدل المأمور به في قوله سبحانه: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى[6] .

وعموماً يمكن الإعتماد على التقسيط في المسائل المالية التي لم نتمكن من تعيين الحق المدفوع، رغم عدم وجود دليل عليه سوى درهمي الودعي.

قال قدس سره: "وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط ويحتمل القرعة ويحتمل كونه مخيرا في التعيين بعد ذلك والأظهر الأول"[7] .

فالقضية بناءً على ما مرّ سيالة في أكثر من باب، كالرهن والدين ومن كانت بذمته حقوق شرعية، ففي كل ذلك لو كان عليه أكثر من حق وقام بجزءٍ منه دون تعيين فإما نقول بالقرعة أو التقسيط أو بقاء أختيار التعيين.

والأقرب عندنا الأخير إذ لا دليل على بقاء حق التعيين وإستمراره، فالتعيين يستمر إلى وقت صلاحيته وليس إلى الأبد، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] شريطة أن يكون العقد عرفياً [المقرر].
[5] هذا هو المشهور في تطبيق القرعة في الأبواب المختلفة [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo