< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع في الضمان/ كتاب الضمان

 

"لو اختلف المضمون له و المضمون عنه في أصل الضمان‌ فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له فالقول قوله و كذا لو ادعى أنه ضمن تمام ديونه و أنكره المضمون له لأصالة بقاء ما كان عليه"

 

ذكرنا سابقاً أنه عند الإختلاف في مسائل الضمان ونزاع أطرافه فلابد من الرجوع إلى أمرين أساسيين، هما أصالة العدم وأصالة الصحة.

وبينّا أن المراد من أصالة العدم أن الأصل هو لمن يقول (لا) ويكون منكراً، فيكون الحق معه وعلى من يدعي خلافه أن يقيم البينة، فـ(لا) تعني النفي وقد يكون النفي في كلية الشيء (لا ضمان) وقد يكون في جزء الشيء كمن يقول (لا ضمان بهذا الشرط) فينفي الجزء.

وسواء نفى المنكر الكل أو الجزء فالحق معه، بمعنى أنه لا يتحمل سوى اليمين بينما على المدعي البينة، وهذا أصل المطلب.

وفيما يلي نقرأ بعض عبارات صاحب العروة قدس سره، قال: "لو اختلف المضمون له و المضمون عنه في أصل الضمان‌ فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له فالقول قوله"[1] .

كان زيد مديوناً لعمرو بمبلغ من المال، وحين المطالبة إدعى زيد بأن بكراً قد ضمنه، وأنكر عمرو (وهو المضمون له) وجود ضامن، فالقول قوله لأنه ينفي الضمان وينكره، ووجود الضمان أمرٌ أضافية إثباته يحتاج إلى البينة لكونه خلاف أصالة العدم.

"و كذا لو ادعى أنه ضمن تمام ديونه و أنكره المضمون له لأصالة بقاء ما كان عليه"[2] .

في الفرع السابق كان الإنكار كلياً (أي في أصل الضمان) بينما في هذه المسألة يكون الإنكار جزئياً، فلو كان على زيد مبلغ مليون دينار عوض السيارة وعشرة ملايين عوض البيت، ولما جاء عمرو مطالباً بالمبلغ أحاله زيد (المضمون عنه) على الضامن في الدين لكونه ضامناً، إلا أن المضمون له أنكر ضمان الضامن في الزائد عن المليون بعد إقراره بالمليون.

وهنا يكون القول قول المضمون له أيضاً لأنه ينفي الزيادة، وقول السيد اليزدي قدس سره: "لأصالة بقاء ما كان عليه" هو معنى أصالة العدم الذي أشرنا إليه سلفاً، وبتعبير قضائي فإن المضمون له هو المنكر فالقول قوله.

وفرعٌ ثالث يورده المحقق اليزدي قدس سره بقوله :"و لو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره فادعى المضمون له إعساره فالقول قول المضمون عنه"[3] .

في هذا الفرع يدعي عمرو (وهو المضمون له) إعسار الضامن الموجب لفساد الضمان من أصله، وينكر زيد (المضمون عنه) ذلك، فالقول في هذه الحالة هو قول من يقول بصحة الضمان وهو المضمون عنه، لإنه منكرٌ إعسار الضامن وبالتالي ينكر فساد الضمان، ويعضده أصالة الصحة ـ ومفادها قيام الضامن بالضمان في حال اليسر ـ أيضاً.

قال قدس سره: "و كذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه فإن القول قول المضمون عنه وكذا لو اختلفا في صحة الضمان و عدمها"[4] .

وفي هذا الفرع لم ينكر المضمون له (عمرو) الضمان، كما لم يدعي اعسار الضامن، ولكنه ادعّى بكونه مختاراً في الضمان بالرجوع إلى أيٍ منهما (الضامن والمضومن عنه)، والأصل هنا – كما في غيره – أصالة عدم الخيار.

وللضمان – كما ذكرنا – معنيان، أحدهما بمعنى نقل ذمة إلى أخرى وهو المختار عندنا (الإمامية)، وثانيهما بمعنى ضم ذمة إلى أخرى (وهو مذهب العامة) وفيه يكون المضمون له بالخيار في الرجوع إلى أيٍ من الضامن والمضمون عنه.

نعم بعض الفقهاء لم يصحح الضمان بالمعنى الثاني أساساً، بينما يصححه آخرون إذا كان ذلك بشرطٍ تضمنه العقد، بأن يكون المضمون له بالخيار في العود إلى أيٍ من الضامن والمضمون عنه، وممن يصحح ذلك من فقهائنا هو صاحب العروة قدس سره، ويذهب إلى صحة هذا العقد وإن لم نسمه ضماناً.

 

تعارض أصلا الصحة والعدم (الإستصحاب)

أشرنا في البحث السابق إلى مسألة: ما لو علمنا بإعسار شخص، وقام بضمان مديونٍ في وقت لاحق، فشككنا في إنتهاء إعساره حين الضمان أم لا، وبإعتبار أن الأصل في عمل المسلم الصحة والأصل في الضمان الصحة لابد من القول بزوال الإعسار حين الضمان، ولكن في المقابل هناك أصل الاستصحاب يحكم ببقاء الإعسار.

قال بعضٌ من الفقهاء بأن أصل الإستصحاب واردٌ على أصل الصحة، فيما قال بعضٌ بالعكس، أي أن أصالة الصحة هي الواردة على الإستصحاب، بمعنى لو صلى المكلف ولكنه لا يدري هل كان وضوءه صحيحاً أم لا، أو هل كان الماء المتوضأ به طاهراً أم نجساً، أو هل كانت الأرض التي وقف عليها حين الوضوء مباحة أم لا، فهنا نقدم أصالة الصحة فنصحح العمل أم أصالة الإستصحاب الذي يقتضي بقاء الحدث وبالتالي بطلان الصلاة.

وقد ذكرنا أن الموارد تختلف فقد يحكّم الاستصحاب في هكذا أمور، ولكن باعتبار أصالة الصحة والتي تقول بأنه هو عند العمل أذكر، كما في المثال السابق يعلم بعدم جواز الوضوء في الأرض المغصوبة، ويعلم ببطلان الوضوء بالماء النجس، فهنا أصالة الصحة بإعتبارها واردة على سائر الأصول فهي التي تقدم.

وهناك مثال آخر يورده الفقهاء في المقام: ما لو عقد رجلٌ على امرأةٍ عقداً مؤقتاً إلى شهر، ثم تزوج اختها بعد حين، وشك لاحقاً في وقوع العقد الثاني بعد انقضاء مدة العقد الأول فيقع صحيحاً، أو لم تنقضِ المدة بعدُ فيقع باطلاً، فبناءً على الإستصحاب لابد أن يقول ببقاء العقد السابق، بينما أصالة الصحة تحكم بأنه لا يقوم بعقدٍ على أمرأة وأخته على ذمته، فهنا نحكم بصحة العقد لكون أصالة الصحة أقوى.

واختلف فقهاؤنا المتأخرين في تقديم أي الأصلين، فقدم بعضٌ هذا الأصل وقدم الآخر ذلك، وبعد التأمل نقول: إن القول بتقديم أصالة الصحة أقوى، ولكن ليس ذلك في كل الأمور، فقد يكون الإستصحاب في بعض الموارد أقوى وهو الذي يقدم.

 

الضامن منكراً

وفيما يرتبط بالنزاع بين المضمون له والضامن يقول السيد اليزدي قدس سره: "لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان أو في ثبوت الدين و عدمه. أو في مقدار ما ضمن أو في اشتراط تعجيله أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلا أو في اشتراط شي‌ء عليه زائدا على أصل الدين فالقول قول الضامن"[5] .

فالدائن يريد أمواله ويرجع إلى الضامن لإستيفاء ماله، إلا أن الضامن ينكر الضمان من رأس أو يقر بالضمان ولكنه ينكر بإستقرار دين بذمة المضمون عنه أو يقر بمقدارٍ منه وينكر الإضافي، فالقول قول الضامن الذي ينكر ما يخالف الأصل.

وكذا يقدم قول الضامن إذا ادعى المضمون له بتعجيل الدين أو تنقيص أجله، أو وجود شرط إضافي، لأنه يتوافق مع أصالة العدم أيضاً.

فالأصل في كل ذلك هو عدم الضمان أو عدم ثبوت الدين أو عدم ضمان الزائد عن المقدار المتفق او ما أشبه.

وفي المقابل لو أدعّى الضامن إبراء صاحب الدين له وأنكر صاحب المال وهو المضمون له، فالأصل هو عدم الإبراء لأن الإبراء أمرٌ جديدٌ حادث على العقد والأصل عند الشك عدمه، وكذا لو ادعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له، فكلما شككنا في وجود تغييرٍ وإضافة فالأصل عدمه. ومن هنا قال السيد اليزدي قدس سره في بيان مصاديق إدعاء الزيادة حال النزاع بقوله: "و لو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالا أو زيادة أجله مع كونه مؤجلا أو وفائه أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه أو تقييده بكونه من مال معين و المفروض تلفه أو اشتراط خيار الفسخ للضامن أو اشتراط شي‌ء على المضمون له أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقل من الدين قدم قول المضمون له‌"[6] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo