< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع في الضمان/كتاب الضمان

 

سبق وأن بينا أن الخلافات التي قد تنشأ في عقد الضمان بين الضامن والمضمون عنه أو بين الضامن والمضمون له نعتمد في حلها على ثلاثة أمور:

الأول: أصالة العدم.

الثاني: أصالة الصحة.

الثالث: الظاهر، وهو ما نعتمد عليه في بعض الأحيان إذا كان معتَمَداً لدى العرف.

وبناءاً على ذلك جائت المسائل تباعاً، ونقرأ منها ما أورده العلامة الطباطبائي قدس سره في العروة حيث قال: "إذا ادعى الضامن الوفاء و أنكر المضمون له وحلف‌ ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك"[1] .

فلو ادعى الضامن أنه قد أوفى بدين المضمون عنه ولكن المضمون له أنكر ذلك ولما كان الحق مع المنكر مع يمينه أثبت عدم الوفاء، ولكن الضامن رجع إلى الضمون عنه وطالبه بدفع ما ادعى وفاءه، ولكن المضمون عنه هو الآخر أنكر وفاءه، فليس للضامن في هذه الحالة شيئاً، لأنه إنما يحق له الرجوع على المضمون عنه إذا ثبت وفاءه ومع عدم الإثبات لا رجوع.

ثم قال السيد قدس سره: "وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه و تقبل شهادته له بالأداء إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها مما يمنع من قبول الشهادة‌"[2] .

ففيما لو اعترف المضمون عنه بوفاء الضامن، فللضامن أن يطالبه بما أدّاه.

نعم؛ ذلك فيما لو كان المضمون عنه قد أذن للضامن بأن يؤدي عنه لأنا قلنا بأن الضمان نوعان، أحدهما يرجع فيه الضامن على المضمون عنه فيما إذا كان بإذنه، ونوع لا يرجع عليه بل يعدّ تبرعاً إن ضمن دون إذنه.

وهنا تساؤل يطرحه السيد قدس سره، هو عما لو صدّق المضمون عنه الضامن بوفاءه للمال، هل يجوز للضامن أن يجعله شاهد صدقٍ له لإثبات وفائه؟ وهل تقبل شهادته، إذ أن الشهادة ترد إن كان تعود بمصلحة للشاهد ذاته، فهل هذه الشهادة منها؟

ويجيب السيد الطباطبائي قدس سره، بقبول شهادته إن لم يكن متهماً، إذ ليس المضمون عنه طرفاً في العقد.

ولكن قد يحدث في بعض الأحيان نوعٌ من التواطئ بين الضامن والمضمون عنه فلا تقبل حينذاك الشهادة، إلا أن التواطؤ قد يحدث في كل شهادة، الأمر الذي قد يوهن كل الشهادات إذا أردنا اتهام الناس وعدم حمل عمل المؤمنين على الصحة.

فلو قام المضمون عنه بالشهادة لمصلحة الضامن قبلت شهادته بالإضافة إلى شهادة شاهدٍ آخر.

 

الإذن في الوفاء

قال السيد الطباطبائي قدس سره: "لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه‌ بلا‌ ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه"[3] .

إذا أذن المديون لشخصٍ بأن يوفي دينه ولكن دون أن يجعله ضماناً، فعليه أن يدفع له ما أداه بإعتباره آمراً له بالدفع، إذ لابد أن يكون المرجع النهائي للمال من الآمر.

وهذه المسألة تشبه مسألة ضمان المتاع – التي مرت- حين يأمر الشخص من معه في السفينة بإلقاء متاعهم في البحر ويكون هو الضامن لها، فكما كان يجوز ذلك هناك، وعليه دركه يجوز هنا أيضاً.

وللسيد في هذا المقام عبارة لابد من التوقف عندها، وهي قوله (بلا ضمان) والمراد منها أن يدفع عنه لكن دون أن يدل ذلك ضمن عقد الضمان.

ولنا أن نتسائل: عقد الضمان هل هو بحقيقته أم بلفظه وإسمه؟ تارة نقول أن العقد تابعٌ للفظ الضمان كما يقول: ضمنت لك دينك ويقبل الآخر، وهذا ضمانٌ بالكلام والألفاظ.

أما إذا أمره بالدفع وقام الآخر بالدفع دون جعله ضماناً، فهل نعتبره من الضمان أيضاً أم لا؟

والحقيقة أن هذا من الضمان أيضاً، وما يقوله بعض الفقهاء من تعريف العقد بأنه لفظٌ ليس بتام، إذ إن جوهر العقد هو الإلتزام بين الطرفين والنية الباعثة، سواء كانت بلفظ محدد أم لا، ولذلك قال أغلب الفقهاء في أكثر من مورد أن البيع لا يحتاج إلى لفظٍ خاص، فكل لفظ وبأي لغة يكفي، بل وإن ورد ملحوناً على بعض الآراء.

 

بين الضمان والحوالة

وهناك مسألة ستأتي لاحقاً في الفرق بين الحوالة والضمان، فهناك بحث مفصل بين فقهاء القانون كما عند فقهائنا في التفريق بين الضمان والحوالة، بعد وضوح الفرق بين الضمان والكفالة لكون الكفالة تدور حول محور الإنسان، بينما يشترك المحور في الضمان والحوالة وهو المال.

وفي التفريق بينهما هل نبحث عن الفروق الشكلية – كما هو حال بعض النظريات في القانون الحديث التي تعتمد الفروق الشكلية والصورية – أم نبحث عن الفرق في روح العقد دون أشكالها؟

صحيح أن الشكليات مفيدة، ولكنها مفيدة للقضاء، فتوضع الحدود درءاً للنزاع وحلاً لها إن حدثت، ولكن في أصل أمر النقل والانتقال وترتب الأثر فلا إعتماد على اللفظ، والله سبحانه لا يحاسبنا على الألفاظ بل يحاسبنا على ما عقدت عليه نوايانا.

ولذلك ففي كلام المحقق اليزدي قدس سره بعض النظر، من جعله الأمر بالأداء بعيداً عن الضمان.

والجعالة تفيد الأمر ذاته، فلو قام أحدهم بالإعلان عن احتياجه لمن يدفع عنه دينه ومن قام بذلك سأدفع له ما بذله بعد مدة معينة، فهذا ليس عقداً بين شخصين محددين، ولكن قيام أحدهم بوفاء دينه يكفي في صدق الجعالة ولكنه تفيد فائدة الضمان.

ثم قال السيد قدس سره: "و لو ادعى الوفاء (بعد إذنه للغير بالوفاء، جاء الآخر وادعى بوفاء الدين)[4] و أنكر الإذن قبل قول المأذون لأنه أمين من قبله (وليس على الأمين سوى اليمين فلما قال له ادفع وانا ادفع لك، فكأنه استأمنه على الدفع فصار أميناً على ذلك، وهذا لا يكون الا في الشخص المحدد، كما لو دفع لآخر أمانة وأمره بإيصاله ثم ادعى أنها تلفت بيده، فلابد من قبول كلامه لأنه أمين، نعم يكون ذلك بعد يمينه) ولو قيّد (الآذِن) الأداء بالإشهاد (كما لو قال أشهد عادلين يشهدان بوفائك للدين) وادعى (المأذون له) الإشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضاً (مع يمينه طبعاً، وهذا إذا لم يجعل إحضار الشاهدين قيداً آخراً)"[5] .

ثم قال السيد الطباطبائي قدس سره: "ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع"[6] ، أي لو علم الآذن عدم إشهاد المأذون له بشاهدين، لم يكن للمأذون له الرجوع على الآذن، ولكن نتسائل، لو علم الآذن بقيام المأذون له بدفع المال، كما لو أخبره الدائن بذلك، فهل يجوز له الرجوع أم لا؟ قال السيد الطباطبائي: "نعم لو علم أنه وفاه ولكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع عليه لأن الغرض من الإشهاد العلم بحصول الوفاء والمفروض تحققه"[7] .

فمطالبة الآذن بالإشهاد كانت من أجل التبين بالدفع والتثبت منه، فالعلم هنا طريقي وليس موضوعياً، فيكفي لرجوعه على الآذن.

وقال بعض المعلقين على العروة[8] بأن مطالبة الآذن بالإشهاد قد تكون لحاجة في نفسه، إذ يهمه شهادة الشهود من أجل قضية أخرى[9] ، وبعدم إشهاده ينقض الغرض المطلوب لدى الآذن، وبذلك لا يحق له الرجوع عليه.

ومن هنا نرى الفرق بين الصورتين، إذ عدم الإشهاد قد لا يكون ضاراً بالآذن وقد يكون كذلك، وفي حالة الإضرار لا يجوز.

ولكن يبقى في نهاية المطاف كونه مأذوناً وقد دفع للدائن المال ولكن نقض غرض الآذن، فهل يستحق شيئاً أم لا؟ إن قلنا بعدم إستحقاقه بإعتبار عدم تحقيقه للشرط، قيل يرجع في ما دفع إلى بيت المال، وهذا القول لا يخص المقام، بل يعم كل ضررٍ لم يوجد له جابر، ففيما إذا كان هناك ضرر ولم نجد جابراً له، نجبره عبر الرجوع إلى بيت المال. والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[4] التوضيحات من السيد المرجع الأستاذ.
[8] كما قال المرجع الكلبايكاني في تعليقته على العروة: (العروة الوثقى (المحشى)، ج5، ص447، والمرجع الحكيم في مستمسكه (مستمسك العروة الوثقى، ج13، ص373). [ المقرر]
[9] كما لو كانت من أجل التخلص من دعوى الدائن. [ المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo