< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف الحوالة/ كتاب الحوالة

 

سبق وأن بينا أن الخلاف القائم في كتاب الحوالة، بين فقائنها فيما بينهم أنفسهم وبينهم وبين علماء العامة أو القانون، عائد إلى كون الحوالة من العقود الشائعة والتي تختلف الظروف والحاجات والرغبات فيها، ولذلك أسسنا باباً في هذا المجال بأن الإختلاف القائم ربما يكون ناشئاً من إختلاف المصاديق (وأنواع الحوالة) أما أصل الحوالة فمتفق عليها، أما مصاديقها مثل التوكيل أو تبديل التعهد من ذمة إلى ذمة، أو كونه عقداً برأسه بين طرفين أو ثلاثة او أكثر – مع فرض تسلسل الحوالة بين مجموعة من المصارف - حتى يصير عقداً مترامي الأطراف فكل ذلك يرجع إلى نوعها لا إلى أصلها.

 

تعريف الحوالة

ويبتدء السيد صاحب العروة قدس سره في تعريف الحوالة بقوله: "كتاب الحوالة‌ وهي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة[1] "[2] وبقوله عندهم لوّح السيد بعدم إرتضاءه التعريف، وفي الحقيقة فتحويل المال من ذمة إلى أخرى قد يكون بالحوالة كما قد يحدث بالبيع أو في عقدٍ تبعي او.. فليست ثمة خصوصية للحوالة في ذلك، ولفقهاء القانون الوضعي تعبيرٌ خاص عن التحويل هو "دلاغسيون"[3] .

فما قاله الفقهاء في تعريف الحوالة رغم صحته إلا أنه عامٌ ولم يرتضه السيد قدس سره ولذلك استبدله بتعريفٍ آخر حيث قال: "و الأولى أن يقال إنها إحالة المديون دائنه إلى غيره أو إحالة المديون دينه من ذمته إلى ذمة غيره" وذلك بأن يحيل المديون الدائن على غيره كما يحيل زيدٌ عمراً على عليٍ ليؤدي عنه دينه، فحصلت إحالة من المديون على ثالث، وبالرغم من أن هذا التعريف أخص من الأول، إلا أنه يعرف المعرّف بذاته، حيث عرف الحوالة بالإحالة وهذا معنى التحويل أساساً، ولكن ما هو الأثر المترتب عليه؟

الأثر هو إحالة ذمة بذمة، فحين أحيل دائني إلى من أطلبه مالاً فقد أفرغت ذمتي بإشغال ذمة المحال عليه، فالفائدة التي بينها الفقهاء من تبديل ذمة بذمة أو نقل ذمة إلى ذمة هذه هي فائدة الإحالة.

فالتعريف الأول قد شمل عقد الضمان أيضاً، لأن الضامن يقوم بتحويل ذمة المضمون عنه إلى ذمته، ولكن تعريف السيد لا يتداخل مع الضمان لأنه عرّفه بالإحالة، أي تكون البداية من المحيل (المديون).

والفرق بينهما أن الضامن هو المحور في الضمان، حين يتحمل الضمان وهو ركنٌ في العقد، بينما المحيل الذي يقوم بإفراغ ذمته بإشغال أخرى هو المحور، مع اشتراك العقدين في أصل تحول الذمة إلى ذمة أخرى.

فتبين أن تعريف الفقهاء (الأول) يشمل الضمان والحوالة معاً لعدم التمييز بين من يقوم بتحمل الذمة ومن يقوم بتحويلها، وبالرغم من أن تعريف السيد قدس سره يمتاز عن تعريفهم في هذه الزاوية إلا أنه لا يفترق عن تعريفهم بفارق جوهري، فقد يكون المحور في الضمان هو المضمون عنه لا الضامن ولذلك استدرك السيد في نهاية قوله بتخصيص ما لو لم يكن الضمان بسؤال المضمون عنه.

شروط عقد الحوالة

الشروط العامة: الأهلية وعدم الباطل.

كما قلنا سابقاً أن شروط العقود واحدة، وأهمها الأهلية، وهي تعني كون كل من المتعاقدين عاقلاً بالغاً مريداً مختاراً و..

وبالإضافة إلى شروط الأهلية نحن نؤكد على شرط أساس وهو أن لا يكون العقد عقداً باطلاً، لقوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ[4] ، والآية في كلمة واحدة بينت كل العقود الغير ممضاة، وهي كلمة (باطل) وذلك لأن الباطل على اقسام – كما مرّ- فقد يكون العقد باطلاً لحرمته وقد يكون لكونه عقدٌ عبثي، وقد يكون لكونه سفهي او..

وبعدئذٍ يقول الله سبحانه: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌﴾[5] ، ويخرّج بذلك المكره لعدم رضاه وكذلك المجنون لأنه هو الآخر لا يعتد برضاه وكذا الطفل لتساوي عمده وخطأه و..

ومن هنا قال السيد قدس سره في بيان شروط الحوالة "و يشترط فيها مضافا إلى البلوغ و العقل و الاختيار و عدم السفه في الثلاثة من المحيل و المحتال و المحال عليه و عدم الحجر بالسفه في المحتال [6] و المحال عليه بل و المحيل إلا إذا كانت الحوالة على البري‌ء فإنه لا‌ بأس به فإنه نظير الاقتراض منه‌"[7] .

فالمحال (وهو الدائن) يشترط فيه عدم الحجر بالسفه، لكونه ممنوعاً من التصرف في ماله وقبول الحوالة نوع تصرفٍ في المال، لإحتمال تضييعها بقبول الحوالة على محالٍ عليه مجهول أو معدم او..

 

سفه المحيل!

هل يشترط في المحيل أن لا يكون سفهياً؟

لا يهمنا ذلك، لأنا نمنع السفيه من تعاملاته المالية فيما يرتبط بصرف المال، ولا نمنعه من إكتساب المال – كما لو عمل للحصول على المال -، فنمنعه من التصرف السفهي في ماله لكيلا يتضرر، أما في مثل الحوالة فهو يقوم بإفراغ ذمته وكأنه كسب له.

نعم؛ هناك بحوث مفصلة حول درجات السفه في السفيه، وحول الولاية على السفيه، التي قد تشمل حتى حالة اكتسابه للمال، فيما لو كان ما يقوم به من عمل لا يتناسب والأجرة التي يأخذها.

فالسيد قدس سره لا يريد الإطالة في موضوع الأهلية – لكونها مطروقة سابقاً-، بل يريد البحث عما تختص به الحوالة من شروط.

 

الشروط الخاصة: أولاً: الإيجاب والقبول

قالوا بإشتراط الإيجاب والقبول في الحوالة، ولا ريب في ضرورة إشتراط الإيجاب، أما إشتراط القبول فبحاجة إلى دليل، ومن هنا نجد السيد قدس سره يذكر ما اعتبره الفقهاء في الإيجاب والقبول، حيث قال: "أحدها الإيجاب و القبول‌ على ما هو المشهور بينهم حيث عدوها من العقود اللازمة فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال وأما المحال عليه فليس من أركان العقد و إن اعتبرنا رضاه مطلقا أو إذا كان بريئا فإن مجرد اشتراط الرضا منه لا يدل على كونه طرفا و ركنا للمعاملة و يحتمل أن يقال يعتبر قبوله أيضا فيكون العقد مركبا من الإيجاب و القبولين"[8] .

 

عن إشتراط رضا المحال عليه

نعود ونكرر ما ذكرناه سابقاً بأن الحوالة في الأصل تجري بين أطرافٍ ثلاث: المحيل الذي يروم التخلص من دينه، والمحال وهو الدائن الذي يريد استيفاء ماله، والمحال عليه، وهو من عليه أن يدفع المال.

 

فلابد ان يخرج المال من كيس المحال عليه، ولا معنى لإلغاء دوره، ومن هنا يذهب السيد اليزدي قدس سره إلى اشتراط رضاه في بعض الأحيان، ولكن في أحيان أخرى عليه أن يؤدي المال سواء رضي أم لم يرضَ.

ونتوقف هنا لنقول: إن كان أداء الحق واجباً على المحال عليه فعليه أن يؤدي ذلك وإن لم يرتضي ذلك، مثلما لو أحال صاحب الولاية (الفقيه) فقيراً على تاجرٍ بذمته حقوق شرعية، فلا يشترط في ذلك رضا التاجر، فالشرط في مثل هذه الأمور نظر الفقيه، بأن رأى الفقيه أن الفقير يحتاج إلى المال وعلى التاجر أن يدفع، إلا إذا تعذّر التاجر بعدم وجود المال عنده أو ما أشبه، أما مع عدم التعذر فلا خيار له.

ومثل ذلك فيما لو قام السلطان – عادلاً كان أو جائراً- بجباية الضرائب من الناس، فليس رضاهم شرطاً، ففي كثير من الأحيان على من عليه الحق أن يؤدي، شاء أم أبى، وفي هذه الحالة لا يشترط رضاه.

ولكن بعض الأحيان يشترط رضاه، كما لو كان شريفاً ويريد المحيل أن يحيل عليه شخصاً وضيعاً، فمن حقه أن يرفض التعامل مع المحال وإن كان مديوناً للمحيل، ففي مثل هذه الحالات يشترط رضاه، وبتعبير آخر يشترط رضا المحال عليه إن لم يكن وجوب الحق عليه مطلقاً، فإن كان عليه أن يدفع المال بأي حالٍ من الأحوال فليس رضاه شرطاً.

هذا كله فيما لو كان المحال عليه مديوناً للمحيل، أما إذا كان بريئاً أساساً، لكن يطلب منه المحيل أن يتبرع له بالوفاء بدينه للمحال.

 

رضا المحال شرطٌ أم ركن؟

إذا كان رضا المحال عليه شرطاً فهل هو ركنٌ في العقد أم لا؟

يقول السيد قدس سره: إن كان رضاه شرطاً كما لو كان بريئاً أو لم يكن عليه أن يدفع المال للمحيل الآن او.. فليس هذا معناه أن يكون المحال عليه جزءاً من العقد، لأن العقد هو بين المحيل والمحال، ولم يختص السيد قدس سره بهذا الكلام بل هو رأي كثيرٍ من الفقهاء.

وهنا نتسائل: إن كان رضا أحدهم شرطٌ في صحة العقد، كيف لا يكون جزءاً من العقد؟

أليس العقد أساساً تراضي جماعة فيما بينهم على تبادل المصالح؟ فلما يكون هناك تبادل المصالح فكيف نخرج أحدهم عن العقد ونقر بإفتقار صحة العقد إلى رضاه؟

وقد يقال: ذلك كما في النكاح حيث نشترط رضا ولي الفتاة ولكن لا مدخلية له في أصل العقد المبرم بين الرجل والمرأة.

نقول: صحيح ولكن مثال رضا ولي الفتاة يختلف عن ما نحن فيه، فرضا المحال عليه يجعله داخلاً ضمن المعاملة وطرفاً فيها، بينما رضا الأب هو من باب الولاية ليس إلا.

ونحن نجد اليوم أمثال ذلك كثيراً حيث تشترط الدول في بعض تعاملاتها رضا بعض الجهات والوزارات دون أن تكون داخلة في المعاملة، ودخولها من باب الولاية، وكذلك هو رضا الأب.

ولكن هنا العقد هو إحالة وتبادل مصالح، والمحال عليه جزءٌ من القضية، فكيف لا يكون رضاه ركنا؟

نحن نقول: إذا قلنا ان رضا المحال عليه شرطٌ في مسألة العقد فلابد أن يكون هذا الشرط ضمن العقد.

طبعاً هناك بحوث طويلة في هذا المجال سنبينها لاحقاً والتي كانت سبباً وراء إخراج الفقهاء المحال عليه من المعاملة، وسنبينها بصورة مفصلة إذا أذن الله سبحانه. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] قال المحقق الحلي قدس سره في الشرائع: «فالحوالة عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله» [المقرر].
[3] (elegatrin ): وهو عملٌ بموجبه يأمر الشخص الآخر بالتعهد بنفع ثالث . انظر: عقد حوالة (فارسي)، ص147. [ المقرر].
[6] وحسب تعبير السيد المرجع (المحال) وهو الدائن . [ المقرر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo