< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شرط التنجيز والرضا /شرائط الحوالة/كتاب الحوالة

 

"الثاني التنجيز‌ فلا تصح مع التعليق على شرط أو وصف كما هو ظاهر المشهور لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين"[1] .

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

تحدثنا سابقاً عن الحوالة وقلنا بأن الحوالة ليست على حالة واحدة وإنما تنقسم حسب حاجات الناس وحسب العصور، وكلما لم تكن الحوالة – أو أي عقد – مخالفة لثوابت الشريعة فهي صحيحة.

ومن هنا فإن الحديث عن شروط الحوالة يندرج تحت اطار البحث عن ذلك أيضاً ومن تكل الشروط هو شرط التنجيز.

 

الشرط الثاني: التنجيز

شرط التنجيز لم يذكره جميع الفقهاء في باب الحوالة، وذلك إما لعدم اعتبارهم الشرط أو تعويلاً على ما ذكروه من إعتباره في أصل العقود، ومن ثم أهملوا قسماً من الشروط في كل باب، ويبدو أن السبب الثاني هو الأقرب إلى الصواب.

والسيد اليزدي قدس سره أورد اشتراط الفقهاء للتنجيز دون أن يتبنى ذلك شخصياً حيث قال: "لا تصح مع التعليق على شرط أو وصف كما هو ظاهر المشهور لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين"[2] .

والسؤال هنا، لماذا اشترطها من اشترط؟ وما الدليل في عدم اشتراطها عند البعض؟

أما من اشترط التنجيز فلإعتبار الحوالة عقد، ولا يصح العقد المعلق، وذلك لأن حقيقة العقد هي التزام بالتزام، وتراضي متقابل، والتعليق ينافي ذلك.

وفي المقابل قال النافون لاعتبارها: أن حقيقة العقد ليست قائمة على أساس الشيء المنجز، فللناس عقودٌ غير منجزة مع شروط معينة، كما يعقد أحدهم على اشتراط الزمن كما في عقد النسيئة أو بيع السلم او..، فهذا العقد قائمٌ في حقيقته والتعليق إنما يكون في المصداق.

نحن نعتقد أننا بحاجة إلى بعض الدقة في هذه المسألة، ونقول: إذا تحقق العقد عند العرف فهو عقدٌ يشمله قوله سبحانه: ﴿أوفوا بالعقود[3] ، ولكن تحقق العقد قد لا يكون إلا مع التنجيز، إذ قد يكون قول الموجب (إذا جاء ابني بعتك) مجرد وعد لا عقد، وقد يكون التعليق مجرد بيان ظرف العقد كقوله (بعتك هذا إن جاء ابني) فهو ظرفٌ للمبيع أو ما يعقد عليه، فالشرط والوصف إن لم يخالفا العقد بمعنى وجود الإلتزام المتقابل مع اعتقاد كلٍ من الطرفين به، لكن مع شرط مع الشروط، فهنا لا نشترط التنجيز، إذ من دون التشكيك في حقيقة العقد ليس هناك دليل على اشتراط التنجيز في النصوص. أما الإجماع فهو إن شمل بعض العقود فإنه لا يشملها جميعاً، خصوصاً في عقد الحوالة.

ومثال ذلك ما لو قال المديون لدائنه (احلتك على فلان إن قبل) فهو صحيح، فكثير من الحوالات فيها شرط طبيعي وهو رضا المحال عليه، خصوصاً إذا قلنا بعدم كونه ركناً في الحوالة ونكتفي باشتراط رضاه، كما لو قال المحيل للمحال: (خذ الصك وخذ المال إن كان في حسابي رصيد) فهنا ليس المحيل متردداً في العقد، وإنما نتيجة العقد مترددة، يعني ما تعاقدا عليه قد يكون وقد لا يكون، ولكنهما ثبتا على العقد، فالعقد قد ثبت من ناحيتهما دون تردد، ومثاله قول الموجب (بعتك الكتاب إن شاء الله) فهي وإن أمكن وقوعها معلقة للعقد أي تعليق على المشيئة، إلا أنها إن كانت بمعنى التبرك أو الاستعانة بالله مع قصد الإيجاب فلا تجعل العقد معلقاً.

فكلما كان العقد ثابتاً عند الطرفين والإلتزام بينهما قائم، فالعقد صحيح ولا إشكال في صحته، فالتنجيز إذاً شرطٌ لتحقيق حقيقة العقد أما بعد تحققها لا دليل على إعتباره.

والفقهاء الذين علقوا على العروة اختلفوا بين من خالف السيد قدس سره وبين من وافقه، ونحن نفصل القول في أن التنجيز الذي يؤثر على جوهر العقد هو الشرط، أما ما لا يؤثر فليس كذلك، وهذا لا يخص عقد الحوالة، بل سائر العقود أيضاً.

 

الشرط الثالث: رضا المحيل والمحال

الرضا شرطٌ بالنسبة إلى الموجب والقابل وهما المحيل (المديون) والمحال، لأن الأول هو الأصل في المعاملة ولا ريب في وجوب رضاه لإنشاء الإيجاب، ولكن يبقى السؤال عن اشتراط رضا المحال مضافاً إلى المحال عليه.

قال بعضٌ بعدم إعتبار رضا المحال ولم يعد رضاه ركناً في الحوالة.

ولدينا في هذا المجال بحثٌ يعود إلى المباني والتي تتفرع منها مسائل مختلفة:

ذكرنا في باب الضمان أنا لا نلتزم بالكلمات والمسميات بقدر إهتمامنا بجوهر العقد، فالكلمات كـ(الحوالة والضمان والوفاء و..) إنما هي ترد للتعبير عن الواقع، فالأصل هو الواقع وهو ما يهمنا في الأساس.

ومن هنا لابد من تشخيص جوهر كل عقد بذاته، فمن الحوالة ما يكون مجرد وفاء – كما ذكرنا ذلك- وحينها لا يهمنا رضا المحال، فلو أعطى المحيل للمحال صكاً بمبلغ الدين فالصك هو وفاءه بالدين، وفيها لا يعتبر رضا المحال – إن لم يشترطا ذلك -.

ولكن الأمر يختلف في غالب الأحيان فقد تكون الحوالة – بحد ذاتها – سبباً لتأخر وفاء الدين أو وقوع مشقة على المحال أو.. ففي مثل هذه الحالات يشترط رضا المحال.

فرضا المحال شرطٌ حينما لا يكون الأمر وفاءاً إنما يكون حوالةً بالمعنى الدقيق للكلمة.

وأما المحال عليه، فهل يشترط رضاه أم لا؟

الأمر بالنسبة إليه يختلف أيضاً، فتارةً يكون المحال عليه صاحب بنك وللمحيل حسابٌ عنده، ويتعهد لصاحب الحساب (المحيل) أن يسدد لكل من أرسله أليه بصكٍ منه[4] ، ولا يشترط حينها رضا المحال عليه لأنه موظفٌ بالوفاء، وكذلك قد يكون المحال عليه مديوناً للمحيل، فيرسل المحيل المحال لأخذ المال منه فيكون المحال أشبه بالوكيل، وفي هذه الحالة أيضاً لا يشترط رضا المحال عليه – إلا إذا كانت هناك أسباب تدعوه للرفض-.

ولكن تارةً قد يكون المحال عليه مديوناً للمحيل، ولكن المحيل يحيل عليه بغير جنس الدين كما لو طالبه المحال بالدولار وهو يدين للمحيل بالدينار، أو يحيل المديون دائنه على من لا دين عليه، أو كونه شخصاً محترماً لا يرتضي بكل شخص يأتيه ويطالبه بالوفاء بإعتبار أن استيفاء الحق من واجب من عليه الحق والناس يختلفون باختلاف الأمزجة والمستويات و.. ففي هذه الحالة يشترط رضا المحال عليه.

وفيما يلي نورد كلام السيد اليزدي قدس سره الذي فيه نوع من التردد والاختلاف، ومبنانا في مثل هذه الأمور إرجاعها إلى اختلاف الموضوعات، قال السيد قدس سره: "الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال‌ و ما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرع المحال عليه بالوفاء بأن قال للمحتال أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي وحينئذ فيشترط رضا المحتال و المحال عليه دون المحيل لا وجه له"[5] ، وعدم الوجه في هذا القول هو تحول العقد من عقد الحوالة إلى عقد الضمان، كما ضمن أمير المؤمنين عليه السلام دين الميت بعد إمتناع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الصلاة عليه، وقد مرت الرواية في باب الضمان، وما سميناه محال عليه هو ضامنٌ وعليه يكون مدار العقد بخلاف الحوالة التي تكون مرتكزة على المحيل، ومن هنا قال السيد قدس سره في بيان عدم وجه هذا القول: "إذ المفروض لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان".

وأما عن اشتراط رضا المحال عليه، فقال قدس سره: "وكذا من المحال عليه إذا كان بريئا أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه و أما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف و لا يبعد التفصيل بين أن يحوله عليه بما له عليه بأن يقول أعطه من الحق الذي لي عليك فلا يعتبر رضاه فإنه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه و إن كان بنحو اشتغال ذمته للمحتال و براءة ذمة المحيل بمجرد الحوالة بخلاف ما إذا وكله فإن ذمة المحيل مشغولة إلى حين الأداء"[6] .

وقد ذكرنا أن رضا المحال عليه شرطٌ في حالاتٍ دون أخرى، والله العام.


[4] كما كان يحيل العلماء سابقاً طلبة العلوم الدينية إلى المصارف او التجار أو.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo