< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لزوم الحوالة/كتاب الحوالة

"الحوالة لازمة‌ فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كل من الثلاثة نعم لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ و الرجوع على المحيل"[1]

 

اللزوم والجواز في العقود

هل العقود تابعةٌ للقصود أم أن كل عقد لازم حتى يثبت العكس؟ بإعتبار أننا نعلم أن العقود على نمطين، منها ماهو لازم ومنها ما هو جائز كالهبة لغير المحارم، ومنها البيوع اللازمة.

فهل الأصل اللزوم في المعاملات كما ذهب اليه البعض لعموم الوفاء بالعقد في الآية المباركة؟ أم أن التراضي هو المحور في التجارة ـ كما ذهب آخرون ـ وعليه يكون اللزوم والجواز من توابع القصد وأبعاد التراضي فإن كان غلى لزوم العقد فبها، أما إن كان التوافق على أساس الجواز كان العقد على ما تراضيا عليه؟

والحق أن العقد يتمحور حول الرضا وهذا هو المفهوم المستنبط من قبل الفقهاء والمعبّر عنه بقولهم: "العقود تابعة للقصود" أو ما يعبّر عنه في القانون المدني: "العقد شريعة المتعاقدين"، أما عن كون العقد لازماً أو جائزاً فلا مدخلية لقوله تعالى ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُود﴾ فيه، لأن الآية غاية ما تثبته وجوب الوفاء بحسب العقد – كما مرّ في كتاب الضمان - ففي إطار العقد الجائز يكون الوفاء جائزاً وبالنسبة للعقد اللازم يجب الوفاء، فعقد الهبة مثلاً عقد جائز والوفاء به جائز، وعقد البيع لازمٌ والوفاء به واجب، فلابد من الوفاء بكلا العقدين ولكن في حدود طبيعتهما.

وما دام الرضا هو محور صحة العقد ولوازمه وواجباته، فنحن في غنى ًعن أي أمر آخر، وبالتالي نحن نرى أن العقد تابعٌ للقصد حتى في جانب كونه لازماً أو لا.

 

الحوالة بين اللزوم والجواز

الحوالة عقد لازم لا لوجوب الوفاء بالعقود بل من جهة إلزام الناس أنفسهم – في باب الحوالة – وذلك بجعلها عقداً لازماً، وإذا فرضنا تحول العرف أو اعتبار عرفٍ من الأعراف عقد الحوالة من العقود الجائزة نعتمد قول العرف، كما لو قال المحيل للمحال أحلتك على فلان ولك الخيار أن تأخذ منه أو ترجع علي، فهذه في حقيقتها حوالة، وإن أراد المحيل الأخذ من المحال عليه أو المحيل كان له ذلك، وقد دلت بعض الروايات على أن الحوالة ضم ذمة إلى أخرى لا تحويلها، نحن قبلناها وقلنا في حينها أنها نوعٌ من الحوالة، والحوالة التي تنتقل الذمة فيه مغايرة عن الحوالة التي يجوز للفرد فيها أن يأخذ من المحال عليه أو من المحيل.

فالحوالة – كما مرَ سابقاً وسيأتي تفصيله لاحقاً – تنوعت وتعددت مصاديقها بسبب حاجة الناس الى التعامل فيما بينهم ونقل الحق من شخصٍ إلى آخر وتزداد يوماً بعد يوم، فإن هناك أنواعاً من الحوالة مستحدثة، ولا يجوز لنا أن نرفضها لأن اسمها حوالة، وإن لم تكن حوالة فهي عقودٌ عرفية بين الناس لا تخالف الشرع، ويشملها قوله سبحانه ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُود﴾، وكذلك قوله سبحانه: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌[2] .

 

شروط لزوم الحوالة

إن كانت الحوالة لازمة – كما هي أغلب الحوالات العرفية اليوم مثل من يصدّر صكاً للبنك – فلابد من توفر بعض الشروط فيها لتلزم، ومنها إعتبار يسار المحال عليه، بأن لا يحيل المحيل دائنه على مفلس، وإلّا كانت الحوالة غير صحيحة، لماذا؟

لأن أساس الحوالة إسيتفاء الحق، وإحالته على مفلّس نقضٌ لغرض الحوالة التي كان تسهيل وصول الدائن إلى حقه عبر إحالته على المحال عليه.

 

جوهر الحوالة

وأساساً فإن للعقود جوهر ومظهر، ولابد من الإلتزام بجوهر كل عقد، أما إذا فرض عدم تحقيق العقد للهدف المبتغى منه، بطل، فالهدف من الإجارة – مثلاً – هو تمليك المنفعة، ولا يجوز الإجارة بشرط عدم إنتفاع المستأجر من منافعه، وكذا لا يمكن البيع بشرط عدم نقل الملكية، لأنها شروطٌ تتنافى مع جوهر العقد وهدفه.

كذلك فإن الإفتراش هو الهدف الأساس من عقد النكاح الدائم، فما هي فائدة عقد النكاح دون الفراش والولد ودون بناء أسرة فلا يحقق ذلك هدف النكاح.

والحوالة حقيقتها أن الدائن يحصل على أمواله، فكيف يمكن إستحصاله لماله من المحال عليه المفلّس، ولذلك قال الفقهاء ببطلان الحوالة إن كانت الإحالة في وقت إعسار المحال عليه، فالحق ينتقل في حال يمكن إستيفاءه وإلا لا ينتقل.

أما إذا أحاله على صيرفيّ فبان إنكساره قبلئذ وقبل المحال بحال الصيرفيّ ووعده الصيرفي بالوفاء، فهل تصح الحوالة والحال هذه؟

قال بعضٌ بعدم صحتها لإعسار المحال عليه والمفروض إشتراط كونه موسراً حين الحوالة، بينما قال آخرون بصحتها بالرغم من كونه معسراً لإمكان حصوله على ماله بطريقةٍ أو بأخرى وهذا جوهر الحوالة، وأجيب على أصحاب القول الأول بأن اليسار شرطٌ للوصول إلى الحق والآن سيصل المحال إلى حقه.

ويرد عليه أنه لم نتثبت أن هذه العلة هي علة تامة فهو كما تقولون وإلا فلا.

والذي نراه أن الإستيفاء هي العلة، بل هي من الأمور التي قياساتها معها، فمن الواضح أن اشتراط كون المحال عليه موسراً كان من أجل وصول المحال إلى حقه، فإن تمكن من الوصول مع إعسار المحال عليه جاز ذلك، والعكس يصح أيضاً، كما لو كان المحال عليه موسراً حال الحوالة ولكنه مماطلٌ في الوفاء بالحق، فله أن يرجع على المحيل، فيمكن للمحال الفسخ حتى وإن كانت الحوالة لازمة واستدلوا على ذلك بأن عدم الفسخ يؤدي إلى تضرر المحال والضرر منهيٌ عنه.

فنحن حيث قلنا بلزوم الحوالة كان بسبب ذهاب العرف إلى لزومها بطبيعتها، فإذا كان العرف القائل باللزوم قال بالجواز في بعض الموارد إلتزمنا به، ومثله كمثل ما يراه العرف من إشتراط كون البيع بنقد البلد للتباني العرفي والتراضي بين الناس على إعتبار الأساس في النقد هو نقد البلد حتى صار كالشرط الضمني، أما إذا فرض فقدان هذا التباني كما لو لم يكن للبلد نقدٌ واحد أو نقد مستقر، ومن هنا؛ إذا كان هذا الشرط الذي نعتبره من باب التباني لم يكن مراداً من قبل الطرفين فيمكن فسخ العقد، كذلك في الحوالة لما يريد المحال حقه، ومن أجل ذلك تبانى وتراضى مع المحيل أن يحيله على شخص ليأخذ ماله، فإذا تبين كون الرجل المحال عليه مماطل جاز له الرجوع، لحديث لا ضرر أولاً، وثانياً لأن هذا النوع من الحوالة ليس بنوعٍ لازم عرفاً، من باب الشرط الضمني.

قال السيد اليزدي قدس سره في هذا المجال: "الحوالة لازمة‌ فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كل من الثلاثة نعم لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ و الرجوع على المحيل" [3] بإعتبار كونه معسراً فيجوز له ذلك، ولكن هل يقتصر الحكم على ظهوره معسراً، أم يعم ما لو تبين كونه مماطلاً أو مانعاً من إعطاء الحق بسبب أو بآخر فيكون مخالفاً لجوهر العقد.

حدود الإعسار

ما هو الإعسار المؤدي إلى بطلان العقد إن بان في المحال عليه؟ قال السيد اليزدي قدس سره: "أن لا يكون له ما يوفي دينه زائدا على مستثنيات الدين وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم"[4] .

ولوجود الإختلاف بين الفقهاء لابد من بيان المعيار في هذه المسألة، عندنا: لابد أن يكون المحال عليه بحيث يتمكن من الوفاء بالدين (وهي الغاية من العقد) ويمكن أن تجبره الدولة على ذلك – كما في حال الشكوى -، وإن رفع الدعوى ضده وبان فقيراً لا تجبره الدولة على الأداء لقوله سبحانه: ﴿وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‌ مَيْسَرَة[5] ، وهذا هو المحور، بمعنى تحول المحال عليه كالمحيل قبل الحوالة، لاشتراكهما في وجوب الوفاء بالدين، ولذلك قالوا أنها الزائدة عن مستثنيات الدين، فالمديون لا يخرج من بيته ولا تؤخذ منه دابته التي يحتاج إليها وهي من شؤونه، سواء كان محيلاً أو محالاً عليه.

فإن قلنا أن المعيار هو إمتلاكه أكثر من مستثنيات الدين فيؤخذ من الفقير إن امتلك بعض المال، وإن قلنا المعيار هو عدم الفقر فلا يؤخذ من الفقير وإن امتلك مالاً مالم يبلغ قوت السنة.

وصاحب العروة مال إلى الأول، حتى لو كان فقيراً، بينما قال آخرون بعدم الأخذ من الفقير وإن كان يملك مالاً في حسابه، ولا أعتقد أن صاحب العروة يخالف اعتبار عدم الفقر، بل عبّر عنه بتعبيرٍ مغاير.

 

عدم اعتبار الإعسار

قال السيد اليزدي قدس سره: "ولا يعتبر فيه كونه محجورا (فقد يكون الشخص معسراً ولكن غير محجور عليه ) و المناط الإعسار و اليسار حال الحوالة و تماميتها".

فنستصحب الحوالة بعد تمامها،إن لم يكن هناك شرطٌ ضمني بين الطرفين – وهو الموجود عادة - ببقاء يسار المحال عليه حتى الوفاء، فيجوز الفسخ.

ولكن إن لم يكن هناك شرطٌ صريحٌ أو ضمني فلا يجوز للمحال أن يرجع على المحيل لرواية عقبة بن جعفر عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُحِيلُ‌ الرَّجُلَ بِمَالٍ عَلَى‌ الصَّيْرَفِيِ‌ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ حَالُ الصَّيْرَفِيِّ أَ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ إِذَا احْتَالَ وَ رَضِيَ قَالَ: "لَا"[6] .

فمعنى هذا أن اليسار شرطٌ في حال الحوالة، أما إذا تمت فيكون حال المحال كسائر الغرماء.

 

إعتبار فورية الفسخ

هل يلزم على المحال الفسخ فوراً إن علم بإعسار المحال عليه أثناء العقد؟ ذهب السيد اليزدي الى العدم فله أن يتأخر في الفسخ إن تبين كون المحال عليه معسراً، أما إذا كان المحال عليه متمكناً من الوفاء بالإقتراض. مثلاً ـ فليس للمحال أن يفسخ لأنه سيحصل على حقه وهو مراده، وهذا متين إذ أن الهدف هو الحصول على المال وقد تحقق.

فتحصل أن الحوالة عقدٌ لازم إلا اذا كان العرف يرى خلاف ذلك، واللزوم والجواز إنما بوجود تباني، فإن كان هناك شرطٌ ضمني يتعارض مع التباني فنرجع إلى الشرط والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo