< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحوالة من البريء (المسألة 15 و 16) / كتاب الحوالة

 

هناك مسائل فرعية تتصل بكتاب الحوالة ويبين العلامة الطباطبائي قدس سره في عروته بعضاً منها في إطارٍ واحد ينبغي أن نفكك تلكم المسائل ونبين في كلٍ منها أصولها وقواعدها ومرجعيتها الشرعية، وسنبدأ ببيان الأصل في المسائل والتي هي بمثابة تمهيدات للمسألة ومن ثم ننتهي إلى بيان الفروع إن شاء الله كما ذكرها السيد الطباطبائي.

 

الحوالة من البريء

من البحوث التي أشار إليها الفقهاء وطورها فقهاء القانون هو ما يرتبط بشرعية الحوالة من البريء، كما يحيل الأب إبنه إلى غيره إذا طلب منه المال، ولم تشتغل ذمته تجاهه، فهل تجوز هذه الحوالة؟

قال أكثر الفقهاء بعدم الجواز، فمادامت الحوالة هي نقل ذمة إلى أخرى، كيف يمكن إحالة من لم تشتغل ذمة المحيل تجاهه إلى آخر؟

وفقهاء القانون مختلفون أيضاً، فقال بعضهم أنها ليست حوالة وقال آخرون أنها نوعٌ من أنواع الحوالة.

ولو عدنا إلى القواعد الشرعية لتحرير المسألة لابد أن نتسائل عن حقيقة الحوالة، فلما كان لكل عقدٍ وإيقاع جوهر وحقيقة في مقابل المظهر الخارجي فلابد للحوالة من جوهر، فما هو جوهر الحوالة وحقيقته؟

إن قلنا أن الحوالة تعني تحويل ذمة إلى أخرى أو ربط ذمة بذمة، فهذا لا يشمل إحالة من لم تشتغل ذمته للمحال، وإن لم تشمله فما هو هذا العمل؟

قيل: يدخل في إطار القرض، بأن يكون المحال وكيلاً في أخذ المال من المحال عليه واعتباره قرضاً، وفيه [1] أن الوكالة في القرض هل هي إقتراضٌ عن الوكيل أم عن نفس المحال؟ فإن قيل أنها عن نفسه فلا يمكن أن يكون وكالة إذ المفروض أن يكون الإقتراض لمصلحة المحيل والواقع أنه اقتراض لمصلحة المحال.

وقيل: أنه يعتبر وكالةً في الإستيفاء، وفيه ما في السابق إذ المفروض أن يقوم المستوفي بالاستيفاء لمصلحة المحيل لا لنفسه.

نحن نقول: لا بأس بأن تكون الحوالة دون إشتغال ذمة المحيل، فلا دليل على إعتبار كون الحوالة من مشتغل الذمة، وأما تعريف الحوالة فهو تعريفٌ تعارف عليه العلماء دون أن يكون النص الشرعي دالاً على حقيقة الحوالة، وما دام الأمر كذلك قلنا بإمكان إحالة البريء إلى مشغول الذمة لمصلحة المحال، وحتى لو لم نسمي هذه المعاملة حوالةً فلا خدش في صحتها، بل لنسمها بما نشاء ونصححها، خصوصاً أن هذا العقد متداول في العرف وصححته القوانين الحديثة دون أن يكون هناك ردعٌ شرعي عنه.

وبكلمة: لا بأس بأن يكون عقدٌ من العقود شرعي دون أن يكون له إسم معيّن.

 

الشروط في العقود

وثاني التمهيدات هو أن الشروط في العقد قسمان، منها ما هو مذكور ومنها ما هو ضمني، وأي شرطٍ - سواء كان مذكوراً بلفظ أو متبانياً عليه بين الطرفين – يجب الوفاء به إن لم يخالف الشريعة، وهما – القسمان – على نوعين، فشرطٌ أساسي وركني في العقد وشرطٌ غير أساسي، مثاله: ما لو أشترى أحدٌ كتاباً على أن يكون طبعة مصر فبان أنه طباعة بيروت، فهل يصح هذا العقد أم لا؟

نقول: تارة يكون مصب العقد مبنياً على هذا الشرط كأن يكون المشتري مهتماً بطبعات مصر دون الكتاب ذاته، فلا يمكن تصحيح العقد، وتارة لا يهم المشتري الطباعة كثيراً فنصحح العقد[2] .

 

الحوالة في ثمن البيع

لو اشترى شخصٌ بيتاً وبدل أن يدفع الثمن للبائع أحال البائع عليه ثالثاً، فلا إشكال في هذه الحوالة لتوفر أركان الحوالة، ولو تبين بطلان البيع من أصله (لا بالخيار) كما لو كان البيع قد صدر من فضولي ولم يأذن المال، فهل تصح الحوالة أم لا؟

قالوا: إن كان البيع باطلاً فالحوالة باطلةٌ أيضاً، لماذا؟ ذلك لأن المحال عليه (المشتري) سيكون بريئاً ببطلان البيع فلا تشتغل ذمته للمحيل بشيء.

هذا القول متجهٌ على القول بإشتراط إشتغال ذمة المحال عليه للمحيل، أما إذا قلنا بجواز الحوالة على البريء صحت الحوالة.

ولكن السيد اليزدي قدس سره حيث ذهب الى صحة الحوالة على البريء علل بطلان الحوالة من جهة أخرى، هي أن المحيل إنما أحال على المشتري على نحو كونه مديوناً له بثمن البيع، وحين بطل البيع فقد هذا الأمر، فالحوالة كانت على أساس البيع وببطلانه تبطل.

أما إذا كان المشتري هو المحيل، بأن أحال البائع في ثمن البيع على ثالث (محال عليه) ثم تبين بطلان البيع، قالوا ببطلان الحوالة، لأن ذمة المحيل (المشتري) غير مشتغلة بتبين بطلان البيع، ولا تصح الحوالة من البريء.

وهنا يرد ما ذكرناه سابقاً من إمكان تصحيح حوالة البريء، سواء أسمينا ذلك حوالةً أو لم نسمه بذلك.

وفرعٌ قريب من هذين المسألتين، ما لو كان البيع صحيحاً ولكن فسخ أحد المتبايعين البيع بالأخذ بالخيار، فهل تصح الحوالة في هذا البيع؟

قال الفقهاء بصحة الحوالة، لأن ذمة المحال عليه – في الصورة الأولى – والمحيل – في الصورة الثانية – اشتغلت ببيع صحيح، فمادامت كذلك فالحوالة صحيحة، غاية الأمر أن كلٌ يعود على صاحبه بما دفع لاحقاً.

ولكن أورد آخرون على المسألة إشكالاً، وهو أن الحوالة في المقام مشروطة ببقاء البيع لا دونه، فهي كالشروط الركنية في العقد، والتي تبطل ببطلان العقد عرفاً، ومثله مثل من قدم الهدايا لمن تقدم لخطبتها بغية العقد، وبإنفساخ الخطبة – قبل العقد – يرى العرف بإرجاع الهدايا المعطاة، لأنها كانت مشروطة بإتمام العقد لا دونه، ولو بشرطٍ ضمني – وهو ما تبانا عليه العرف-.

فالحوالة قد بنيت فيما نحن فيه على البيع، وببطلان البيع تبطل الحوالة أيضاً.

نحن نقول:

أولاً: قد تبين سابقاً صحة الحوالة على البريء.

ثانياً: يمكن أن نصحح الحوالة من البريء بطريقةٍ أو بأخرى ولو بالعمومات، وإن صححناها فأصل الحوالة حتى مع بطلان البيع صحيحة.

ثالثاً: إن كانت الحوالة قائمة على أساس البيع بأن تكون على نحو الشرط المذكور أو الضمني المبتنى على صحة البيع، فببطلان البيع تبطل الحوالة، ولا فرق حينئذ بين أن يكون البيع باطلاً من أصله أو بالخيار.

فبطلان الحوالة سيتجه لا من جهة برائة المحال عليه والمحيل، بل من جهة فقدان الشرط الركني فيها.

قال السيد اليزدي قدس سره في العروة: "إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن أو أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي برئ أو مديون للمشتري ثمَّ بان بطلان البيع (كما لو صدر من مكره أو فضولي لحقه ردّ المالك) بطلت الحوالة في الصورتين لظهور عدم اشتغال ذمة المشتري للبائع و اللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال هذا في الصورة الثانية[3] (وهي إحالة المشتري البائع على غيره) و في الصورة الأولى (وهي إحالة البائع المحال على المشتري) و إن كان المشتري محالا عليه ويجوز الحوالة على البري‌ء (كما مرّ) إلا أن المفروض إرادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمته فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمته لا عليه و لا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده (بإعتبار أن القبض المعتمد على أمرٍ باطل كلا قبض، ففي أي مكان صار قبضاً ولكن لا يعتمد على أساس شرعي فنحن لا نعتبر قبضه قبضاً.) فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقياً على ملك المشتري فله الرجوع به ومع‌ تلفه يرجع على المحتال في الصورة الأولى وعلى البائع في الثانية‌"[4] .

ثم قال السيد قدس سره في المسألة التالية: "إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثمَّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة‌ لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن".

بلى؛ الحوالة صحيحة من هذه الجهة، ولكن إذا كانت الحوالة قائمة على شرط تمامية العقد واستمراره، فالحوالة تكون باطلة هي الأخرى والله العالم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[1] هذا مضافاً إلى أن الوكالة بحاجة إلى عقدٍ خاصٍ مستقل. [المقرر].
[2] مع ثبوت الخيار للمشتري [المقرر].
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج5، ص467" كما في الشرائع و القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها".[المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo