< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بين الكفالة والضمان/ كتاب الحوالة

 

بين الكفالة والضمان

الحديث عن مقدمات الكفالة يقتضي الحديث عن كفالة الصبي والمجنون أو كفالة أي حيٍّ آخر غير الإنسان، أو حتى كفالة المال، فهل تعدّ كفالة أم ضماناً؟

لا ريب إن كان المكفول إنساناً بالغاً وعاقلاً، فالكفيل يتكفل بإحضاره في الموعد المعين، وهذه هي الكفالة، أما إذا كان المكفول صبيا أو مجنوناً فهل تصح كفالته؟

قيل لا تصح لأن الأدلة قد لا تشملهما، وقيل بلى بإعتبارهما من البشر وخصوصاً الصبي إذا جنى جنايةً فيكفله الكفيل ليخرجه من الحبس، فما الإشكال في صحتها بعد أن اعتبرها العرف كفالة وبعد أن لم نجد أدلةً شرعية على عدم الصحة.

وكذلك قد يفعل المجنون بجناية فيكفله الكفيل، خصوصأً وأن الجنون درجات فيمكن أن يكون جنونه أدوارياً وبسيطاً فيراد الحكم عليه ويقوم الكفيل بكفالته، فلا إشكال في تكفّل الصبي والمجنون.

أما بالنسبة لغير الإنسان فلا يدرى معنى الكفالة عنها، فما معنى تكفّل أحدهم للفرس؟ فيتكفله كيف ولمن؟ وهل يمكن أن يكفل الكفيل الفرس للمشتري حال غيابه؟ وكذا المتاع ماذا تعني كفالتها؟

يبدو أن هذا معنى الضمان، فقوله أكفلها لك تعني أضمنها لك، لإمكان استخدام الكفالة بمعنى الضمان كما يمكن إستعمال لفظ الضمان في موضع الكفالة، لكن هل أدلة الكفالة الشرعية تشمل الدواب والأمتعة، لا يبدو ذلك، أما قوله "أكفلنيها" ـ في الآية: ﴿إِنَّ هذا أَخي‌ لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنيها وَ عَزَّني‌ فِي الْخِطابِ[1] ـ فهي تعني وضع الدابة تحت إشرافه وإدارته، أي تكفّل أمرها لا الكفالة المعهودة التي تعني تكفل شخصٌ لآخر بإحضار المكفول.

ومن هنا ذهب صاحب الجواهر قدس سره[2] إلى أن كفالة الدواب والمتاع ليست من الكفالة الشرعية بسبب الشك في شمول الأدلة لها، وأضاف المرجع الشيرازي قدس سره[3] إلى ذلك أنها ليست كفالة عند العرف، فلا الأدلة الشرعية دلّت عليه ولا العرف.

ومن هنا أعتبروا ذلك ضماناً، وفرّقوا بين الضمان والكفالة في أن الكفالة للأشخاص والضمان للأشياء.

 

الكفالة في الحدود

قال الفقهاء: لا كفالة في حد، إعتماداً على روايات، والروايات يمكن أن تحمل على أحد معنيين، إما أن لا كفالة يعني لا شفاعة بإعتبار أن الكفيل شفيعٌ أيضاً، وإما أن من ثبت عليه الحد الشرعي لا يمكن أن يؤخّر بل يحبس حتى يجرى عليه الحد، فإذا كان بالمعنى الأول استقام الأمر، أما إذا كان بمعنى عدم تكفّل المتهم بالحد فمشكل.

فلا شفاعة في الحدود كما هو واضح، أما بمعنى التكفّل لتأخير الحد فهو غير جائز أيضاً، ولكن قد تكون هناك حالات أخرى كما في الحرب حيث لا يحد المقاتل خشية الهرب إلى معسكر الأعداء أو لكيلا تضعف روحية المقاتلين أو أي سبب آخر، فإذا قام أحد المقاتلين بما يوجب الحد في المعركة فلا يحد حتى تضع الحرب أوزارها، والسجن في هذه الفترة هي الآخرى تسبب إضعاف معنويات الجيش، ففي هذه الحالة يجوز تكفّل أحدهم بإحضاره بعد المعركة.

أما الروايات فهي:

عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: "لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ"[4] .

عن الأصبغ بن نباتة َ قَضَى أمير المؤمنين عليه السلام أَنَّهُ لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ.[5]

وعَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ وَ لَا شَهَادَةَ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ وَ لَا يَجُوزُ كِتَابُ قَاضٍ إِلَى قَاضٍ فِي حَدٍّ"[6] .

أي أن كل التسهيلات الموجودة في باب القضاء غير موجودة فيما يرتبط بالحدود، فكتاب القاضي إلى القاضي يمضي إلا في الحد وكذا الشهادة على الشهادة وكذلك الكفالة، وحتى لو حملنا الروايات على هذا المعنى لابد من إستثناء حالات الضرورة، كما لو كان هناك حرجاً او ضرراً أو لم تكن للدولة سجوناً كافية، فلابد من قبول الكفالة في الحد في الحالات الضرورية.

 

رضا المكفول

سبق وأن بينّا أن الكفيل هو المبادر للكفالة فهو الموجب، والمكفول له القابل في العقد، ولكن هل يشترط رضا وقبول المكفول أم لا؟

قالوا بعدم إعتبار رضاه لكون الكفالة عقدٌ بين الكفيل والمكفول له ولا دخل للمكفول فيها، وقلنا أن الأمر يختلف بإختلاف الظروف فلابد من دراسة كل ظرف على حدة، ففي بعض الأحيان يلغى دور المكفول مطلقاً كما لو لم يكن للمجرم أهلية، ولكن في الحالات العادية فلم نلغي دور المكفول؟ كما لو كان المكفول مديوناً بديون مالية و سائر الأحكام الغير مخلة بالشرف والأخلاق كما يسمى، ففي مثل هذه الحالات يمكن للمكفول أن يرفض الكفالة لسببٍ أو لآخر كما لو كره كفالة الكفيل المعين له، وقد ألغى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بعد عودته من الطائف جوار الكافرين وكذا من حق المكفول أن يلغي كفالة الكفيل.

ولا دليل شرعي على عدم اعتبار رضا المكفول في الكفالة، مضافاً إلى إحتمال ثبوت الحق – في حالاتٍ معينة إن قلنا بأن الكفالة عقد عرفي، فالعرف قد يرى شرطية قبول المكفول في بعض الظروف، والناس مسلطون على أنفسهم، فتسليط غيره عليه بغير إذنه ينافي هذه السطلنة، مضافاً إلى أن ذلك يعدّ من الظلم المنهي عنه في الشرع، ومن هنا حصل الخلاف بين الفقهاء، فقال السيد العاملي قدس سره في مفتاح الكرامة[7] بعدم الإشتراط كما في التذكرة وثاني الشهيدين، في مقابل إعتبار الشيخ لها في المبسوط وإبن حمزة وابن ادريس[8] .

ونحن نرى إرجاع الأمر إلى العرف، فإن كان العرف يرى بصحة الكفالة دون رضا المكفول فهو، وإلا فلابد من رضاه، كما جرى الحديث في ذلك في باب الضمان – في رضا المضمون عنه – وكذا رضا المحال عليه في الحوالة.

أما الخلاف الحاصل بين الفقهاء فيبدو أنه نابع من إختلاف الأعراف بتغير الأعصار والأمصار، خصوصاً وأن بعض الكتب الفقهية كانت كتباً قضائية (أي قانونية) أكثر من كونها فتوائية.

ولو رفض المكفول كفالة أيّ كفيل، مع الحاجة إلى الكفالة لضرورةٍ ما، ففي مثل هذه الحالة يلغى إشتراط رضاه، فيكفله أي كفيل بحكم القاضي، فالكفالة هنا تتحقق دون رضا المكفول للضرورة ولحكم الوالي، والله العالم.


[3] موسوعة الفقه للشيرازي، كتاب الكفالة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo