< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فروع في الكفالة / كتاب الكفالة

 

لو كان المكفول في بلدٍ آخر

في باب الكفالة بعض المسائل الفرعية التي ذكرها فقهائنا ويجمعها في الواقع الأعراف السائدة أكثر مما يجمعها نص شرعي، ومنها ما ذكر المحقق عما لو كان المكفول بعيداً فعلى المكفول له أن يمهل الكفيل وقتاً يكفي لإحضار المكفول، وهذا صحيح ولكن نتسائل عن الكفيل هل كان عالماً بوجوب إحضار المكفول في الزمان والمكان المحددين؟ كما لو كان مطالباً بإحضار الغريم في أول الشهر إلى المحكمة، فإن كان عالماً بذلك كان عليه أن يتحرك قبلئذ لإحضاره وخصوصاً في الأماكن البعيدة التي يتطلب الوصول إليها مقدمات، فإذا كان الأمر كذلك لم يجب على المكفول له إمهاله، إلا إذا قلنا بعدم كونه عالماً بمكانه إلا بعد وجوب الإحضار وهو حسنٌ.

نعم؛ في الكفالة الحالّة على المكفول له إمهال الكفيل للإحضار.

وقد أضاف صاحب الجواهر قدس سره إلى جملة المحقق قيداً لا ندرى سبب إضافته أو دليلاً عليه، فقد قال المحقق قدس سره: "إذا كان المكفول عنه غائبا و كانت الكفالة حالة ‌أنظر بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه و العود به و كذا إن كانت مؤجلة أخر بعد حلولها بمقدار ذلك"[1] ، وأضاف صاحب الجواهر قائلاً: "إذا كان المكفول عنه غائبا في مكان معلوم ومتجاوز مسافة القصر"[2] ، فلا يدرى لمَ حدد الشيخ بالإمهال إن كان محل المكفول متجاوزاً لمسافة القصر، وهل ذلك بإعتبار اليوم الذي كان ظرفاً لقطع مسافة قصر أم ماذا؟

وكيف كان، لا دليل على تقييد صاحب الجواهر بما ذكر، وخصوصاً في مثل أزمنتنا التي تغيرت معايير السفر لإمكان قطع المسافات الطويلة في سويعات قليلة.

 

عدم إحضار الغريم

أما لو لم يقم الكفيل بتسليم الغريم قيل بوجوب دفع البدل، ولكن قلنا أن ذلك تابع لمتحوى عقد الكفالة بينهما، كما لو قال: إن لم أحضره أغرم الحق، فعليه أن يدفع البدل إن لم يحضر المكفول، أو جعل لنفسه الخيار بين الأمرين منذ البدء، ففي مثل هذه الحالة يمكنه أن يدفع البدل وإن كان متمكناً من إحضاره، ولا فرق بين أن يكون الشرط في العقد مذكوراً أو ضمنياً.

أما إذا لم يحتوي العقد على غير الإحضار فلا تصل النوبة إلى دفع البدل، كما لو أراد المكفول له المكفول من أجل الاقتصاص منه كما مرّ في روايات الباب.

 

نسيان الكفيل لموعد الإحضار

إذا ادعى الكفيل نسيان الإحضار وطالب بمهلة من أجل الإحضار وقبل المكفول له، فهل يعد ذلك عقداً جديداً أم لا بإعتبار الكفالة حق لا يتجاوزهما؟

قال بعضٌ بالأول، أي بالحاجة إلى عقد جديد، بتقريب أن عقد الكفالة يستدعي – عادةً – حال عدم إحضار المكفول عقوبات على الكفيل كالحبس أو دفع البدل، ولا يمكن إلغاؤها إلا بقيام عقد جديدٍ مكان السابق.

ولا يتناسب هذا القول مع فتاوى الفقهاء من استطاعة الإنسان التنازل عن حقه، فحق المكفول له إحضار الكفيل الغريم اليه يوم السبت، وتنازله عن ذلك لا يعني إخترام العقد والحاجة إلى عقد جديد، ولا دليل على الحاجة الى عقد جديد إلا اللهم فيما لو تشاحا فيما بينهما فالأمر مختلف.

 

بلد التسليم

لو أطلق المتعقدان بشأن بلد التسليم أو وقته رجع في تحديده إلى العرف، كما لو تعارف على تسليم الغريم على باب المحكمة وفي وقت الدوام الرسمي، وذلك لإعتماد الكفالة على العرف السائد، أما إذا اشترطا وقتاً أو مكاناً معيناً كان لهما ذلك لأن المؤمنين عند شروطهم، وشأن الكفالة شأن سائر العقود، قال المحقق قدس سره: "إذا تكفل بتسليمه مطلقا انصرف إلى بلد العقد"[3] والمقصود ببلد العقد بلد المتعاقدين وإن أجريا العقد صدفةً في سفرهما، فالإنصراف إلى بلدهما، ومع عدم الإطلاق: "و إن عين موضعا لزم‌ و لو دفعه في غيره لم يبرأ" وكان الأفضل أن يقول المحقق "عينا" بإعتباره راجعاً إلى تراضيهما، وكيف كان فيحق للمكفول له عدم تسلّم الغريم لكونه بخلاف ما اتفقا عليه، إلا أن الشيخ الطوسي[4] له رأيٌ آخر ينقله المحقق بقوله: "و قيل إذا لم يكن في نقله كلفه و لا في تسلمه ضرر وجب تسلمه و فيه تردد"[5] ، ومنشأ تردد المحقق وعدم قبوله برأي الشيخ هو أن إلزام المكفول بغير ما تراضيا عليه حين العقد أمرٌ لا دليل عليه.

ونحن نقول بصحة كلامهما جميعاً، فإن كان العرف لا يفرق في بلد العقد بين البلدان المتقاربة كالمدينة وضواحيها فيتجه كلام الشيخ قدس سره، أما إن اعتبر العرف التسليم في غير بلد العقد مخالفاً لمضمون العقد فيتجه كلام المحقق، وبالتالي يكون الإلزام وعدمه راجعٌ إلى العرف.

 

امتناع المكفول له عن التسلم

لو امتنع المكفول له من تسلم المكفول بعذرٍ، على الكفيل تسليم الغريم إلى الحاكم الشرعي، كما أنه عليه تسليم دين الدائن الرافض لتسلم مبلغ الدين، فالحاكم هو المتصدي للأمور الحسبية.

وبعض الفقهاء قالوا بأن الكفيل يبرء بعدم تسلم المكفول له للمكفول، ولكن هذا إضاعة حق، خصوصاً مع احتمال وجود عذرٍ للمكفول له منعه من تسلم الغريم (المكفول)، فالتسليم للحاكم أفضل في كل حال.

 

النزاع بين المتعاقدين

من عادة المحقق الحلي قدس سره إيراد مسائل التنازع في نهايات أبواب العقود، ومما ذكر في باب الكفالة، فيما لو اتفق المتعاقدان على أصل الكفالة، فأدعى الكفيل تسليم الغريم أو إبراء المكفول له منها، وأنكر ذلك المكفول له، فالقول قوله وليس عليه سوى اليمين لإنكاره ما يخالف الأصل، قال صاحب الجواهر قدس سره: "لو اتفقا أي الكفيل و المكفول له على وقوع الكفالة و لكن قال الكفيل: لا حق لك الآن عليه لأداء أو إبراء أو غيرهما، كان القول قول المكفول له بيمينه، لأصالة بقاء الحق"[6] .

وهكذا لو أقرّ الكفيل بالكفالة ولكنه إدعى أن لا حق للمكفول له على المكفول له، وأنكر المكفول له هذه الدعوى فالقول قوله أيضاً، لأن الكفيل بإقراره بالكفالة أقرّ بثبوت الحق للتلازم بينهما، نعم لو أنكر الكفيل الكفالة من رأس كان قوله هو المتجّه، قال المحقق النجفي قدس سره: "و كذا لو قال له: لا حق لك حال الكفالة كان القول أيضا قول المكفول له"[7] .

 

ولو اتفقا على أصل الكفالة وأدعى أحدهما فسادها فالقول قول مدعي الصحة، لأن أصل الصحة أصلٌ عقلائي شرعي له امتداته في عمل الإنسان، ومدعي الفساد يفتقر إلى البينة [8] ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 


[8] فصّل سماحة المرجع الحديث عن هذا الأصل في تضاعيف الحديث عن مسائل باب الضمان، فليراجع. [ المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo