< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كفالة الميت و برائة الكفيل ببرائة المكفول/ كتاب الكفالة

 

بمناسبة الحديث عن وفاة المكفول تطرح مسألة كفالة الميت إبتداءاً، فهل تجوز كفالة الميت؟

ذهب بعض فقهائنا إلى عدم الجواز[1] كما لا تجيز القوانين الحديثة في بعض البلدان تكفل الميت، لكون الكفالة مقتصرة على الأحياء لإحضارهم ولا وجه لتكفل الميت، ولكن يبدو أن هناك وجهاً للحديث عن تكفل الميت.

تكفل الميت قد يكون بمعنى إحضاره أو إشعار القضاة إلى محل دفنه أو ما أشبه، والذي يكون مفيداً للشهادة أو معرفة أسباب الموت أو كشف الجناية الحادثة عليه، وكما الأموات فيما يتصل بالشهداء فقد تتكفل جهة ما بإحضار جثامين الشهداء حتى من سوح القتال إلى خارج ساحة المعركة[2] .

ولمّا تبين إمكان كفالة الميت وفرضت فيه مصلحة نقول بإمكان كفالة الميت، كما أن هناك قولاً للفقهاء بالجواز، مضافاً إلى أنا لا نرى سبباً لإبطال هذه الكفالة، نعم إن كان المكفول حياً فمات، تبطل الكفالة لأن الغرض من الكفالة كان إحضار المكفول حياً، وبموته بطل الغرض إلا أن يكون في إحضاره منفعة حياً كان أو ميتاً.

 

الكفيل وبرائة المكفول

قد يسلم الكفيل نفسه للمكفول له، أو يقوم المكفول له بإسقاط الحق عن المكفول بتوافقٍ أو غيره، فهل تسقط الكفالة عن الكفيل أم لا؟

قالوا بسقوطها، لأن ذلك مثل موت المكفول، فكما أن موت المكفول مسقطٌ للكفالة لانتفاء الموضوع كذلك تسقط بسقوط الحق في حال الإسقاط أو لتحقق الغرض بحضور المكفول في صورة حضوره عند المكفول له أو الحاكم.

وكذا تسقط الكفالة لو سقط الحق بغير صورة الإبراء أو التوافق، كما لو تغيرت ظروف البلد كما في حالات الإنقلابات والثورات والحروب وغيرها، الأمر الذي يؤدي إلى تباني الناس على إسقاط الحقوق الماضية فيما بينهم وبالتالي إسقاط حقوق المكفول له عن ذمة المكفول.

 

موت المكفول له

لو مات المكفول له، قال بعضٌ[3] بإنتقال حق الكفالة إلى ورثته كسائر الحقوق التي يتركها الميت، ولكن قيل في المقابل أن الكفالة عقدٌ شخصي بين الكفيل والمكفول له وبموت المكفول له يسقط الحق أيضاً، كما في وجوب رد التحية بعد موت المحيي إذ لا ينتقل الحكم إلى ورثته.

وفي الواقع أن الحقوق تورّث بينما الأحكام لا تورّث، ولابد من تشخيص كون الكفالة حقاً أم حكماً، وفي تصورنا أن الكفالة لو تعلقت بالمال فهي من الحقوق، أما إذا كانت الكفالة شخصية فهي حكم، والمعيار في ذلك هو التوافق الحاصل بين طرفي العقد، إذ قد يكون توافقاً شخصياً ـ أي يتكفل الكفيل بإحضار المكفول لدى المكفول له فقط. وبذلك لا ينتقل إلى ورثة المكفول له، أما إذا كانت على نحو كفالة الحق، فهي تنتقل إلى الورثة ولهم أن يطالبوا الكفيل بإحضار المكفول.

وكما يبدو أن الكفالة في العادة ليست شخصية، إذ يهم الناس المنافع والمصالح – عادةً – دون أن تهمهم الشخصيات، بل إن إعتبار الناس يرتبط بمدى ارتباطهم بالمصالح، وبعبارة أخرى بقدر ما يمكلون من شخصيات حقوقية.

وبهذا التفصيل نستطيع القول بأنتهاء الخلاف القائم بين الفقهاء، لكونه خلاف باعتبار نوع الحق.

 

إنتقال الحق بغير الموت

لو قلنا بإنتقال الحق بالموت، فهل تنتقل بغير الموت كما لو باع المكفول له ما يرتبط بالكفالة، وبالتالي نقل حقه إلى غيره إختيارا، أم تسقط الكفالة بذلك؟

ويتصور الأمر بنزاعٍ دار بين المالك والغاصب، فقام شخصٌ بتكفل الغاصب للمالك إلى شهر، وقبل إنتهاء الشهر قام المالك ببيع الملك، فهل تنتقل حق الكفالة للمالك الجديد بإعتبارها متعلقة بالملك، أم لا تنتقل لكونها مرتبطة بالمكفول له دون غيره؟

فيما يرتبط بموت المكفول له قال أغلب الفقهاء بإنتقال الحق إلى الورثة وبالتالي عدم سقوط الكفالة، ونحن فصّلنا المسألة، ولكن فيما نحن فيه أي بالإنتقال الواعي بغير الإرث، فقال بعضهم[4] بعدم الإنتقال.

وينبغي أن نفصّل بين ما لو كانت طبيعة الكفالة عرفاً وعقلاً أو شخصاً متعلقة بالملك انتقلت بانتقاله، أما إذا كانت مرتبطة بالشخص فلا تنتقل.

وكذا حق القصاص ينتقل إلى الورثة، فهل الكفالة لحق القصاص تنتقل؟ أي يكون الكفيل مسؤولاً عن إحضار الجاني لدى الورثة أم لا؟ قلنا نعم، فمادام الحق انتقل وهو حق القصاص تنتقل الكفالة معه أيضا، بإحضار الجاني.


[2] . الظاهر دخول هذه الأبواب في إطار الضمان لا الكفالة والله العالم [المقرر].
[3] كصاحب الجواهر قدس سره في جواهرالكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، ج26، ص206. [المقرر]
[4] منهم العلامة الحلي قدس سره، حيث قال: في القواعدالأحكام، العلامة حلي، ج2، ص171. " ولو انتقل الحق عن المستحق ببيع أو إحالة وغيرها بريء الكفيل". [المقرر]

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo