< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التصالح على قيمة الثوب التالف، التصالح على ملكية الدار بعد الاختلاف / كتاب الصلح

 

هناك مسائل تتداخل مع كتاب الصلح وهي ليست من صميم هذا الباب، ولكن لوجود علقة فيها مع الصلح تذكر ضمن مسائل الباب ومنها المسائل التالية:

 

الأولى: الثوب التالف

لو أتلف شخصٌ ثوب آخر بتفريطٍ أو إعتداء فتعلق في ذمته الثوب أو قيمته وكان قيمته درهماً، فصالحه صاحب الثوب على درهمين، فهل يجوز هذا الصلح؟

قال بعضٌ[1] بعدم الجواز لكونه ربوياً، وقال آخرون[2] بالجواز لوجهين:

الأول: بناءاً على إختصاص حرمة الربا بالبيع ـ كما هو أحد الأقوال ـ دون غيره، ولكن سبق وأن ذكرنا ضعف هذا القول لإطلاق الحرمة في الآيات المباركة من دون تقييدها بالبيع.

الثاني: ما بذمة المتلف ليس الدرهم بل الثوب، وعليه أن يدفع له الثوب فقوله صلى الله عليه واله: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي" ناظر إلى المأخوذ ذاته لا مثله أو قيمته، وحينئذ لا إشكال في التصالح على أكثر من الدرهم، إذ قوبل الثوب بدرهمين لا الدرهم بدرهمين ليكون من الربا المحرم حتى على القول بحرمته في مطلق المعاملات.

مضافاً إلى أن الثوب لو كان موجوداً كان لصاحبه أن يبيعه بعشرة دراهم – لا درهم – فكذا المصالحة عليه بعد تلفه.

قال المحقق قدس سره: "و لو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم فصالحه عنه على درهمين صح على الأشبه لأن الصلح وقع عن الثوب لا عن الدرهم"[3] .

وقال البعض بالحرمة لعدم إعتبار الصلح عقداً مستقلاً بل عدّوه تابعاً للعقود الآخرى ومتفرعٌ عليها، فما أفاد النقل كان بيعاً، ومن هنا حرّموا هذا التصالح لأنه بيع ربوي.

قلنا أن الفرق بين الصلح وسائر المعاملات أمرٌ هامٌ لابد من أخذه بعين الإعتبار، وهو أن العلاقة بين الناس قد تكون تبعاً للأشياء المادية وقد تكون مرتبطة بالإحسان والتراحم، والصلح يؤسس للعلاقة من النوع الثاني متجاوزاً الأمور المادية والحدود الدقيقة للمعاملات.

والقرآن الكريم يدعوا إلى الصلح في موارد تكون من حدود الله سبحانه كالقضايا الزوجية والإقتتال بين طائفتين من المؤمنين، ففيها يتم الصلح بتجاوز المسائل الخلافية الأمر الذي يكون فيه لمسة إنسانية ونفحة رحمانية ومحبة وعطاء فوق القوانين والحدود.

 

الثانية: الإختلاف على ملكية الدار

لو اختلف شخصان في ملكية دار فادعاه أحدهما وأنكر الآخر، جاز أن يتصالحا على تنازل أحدهما عن حقه في مقابل شيء كالسنكى لفترة معينة، بل يجوز التصالح على ذلك مع أقرار أحدهما بملكية صاحبه للدار.

ولا خلاف في الصلح في صورة الإنكار لتنازل كلٍ منهما عن بعض حقه، أما في صورة إقرار أحدهما بملكية الآخر فلماذا يتصالحان وفي مقابل ماذا؟

والجواب على ذلك، يتصالح المقرّ مع المالك على لا شيء، فليس بالضرورة أن يكون هناك تبادل في المصالح، كما في عقود العارية أو الوديعة وكذا كما في الهبة التي تكون بلا ثمن، وهكذا الصلح هنا يكون بلا ثمنٍ.

ولكن قيل بعدم كون ذلك من الصلح لقيام الإجماع المدعى على ضرورة تبادل المنفعة في الصلح، وفيه:

أولاً: عدم ثبوت هذا الإجماع، فالصلح عقدٌ ولكن لا دليل على ضرورة التبادل المتقابل في العقود لوجود عقود من طرف واحد كالوديعة والعارية.

ثانياً: أن الثمن في الصلح هو المحبة والإحسان، وبعبارة أخرى ثمن الصلح هو ذات الصلح وليس شيئاً آخر كما في سائر العقود، فيفيد الصلح فائدة العارية او الهبة، بل وقد يتصور عوضاً وهو تخفيف مؤونة الدعوى على المالك بالإقرار، فربما كان إنكار الثاني يؤدي إلى تحمل مؤونة ومشقة فقام المالك بالتصالح.

قال صاحب الجواهر في هذا المجال تعليقاً على عبارة المحقق الحلي قدس سره: "و لو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثم صالحه المنكر عن إسقاط دعواه على سكنى سنة مثلا صح بلا خلاف و لا اشكال عندنا و لم يكن لأحدهما الرجوع عن ذلك لما عرفت من كون الصلح من العقود المستقلة اللازمة و كذا لو أقر له المدعي بالدار ثم صالح المنكر المدعي المقر على سكنى سنة، أو أن المراد أقر من هي في يده ثم صالحه المقر له على سكنى المقر سنة".

وهناك بعض الروايات التي أستفاد العلماء منها إشارات للمطلب وهي:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَأْتِيهِ غَرِيمُهُ وَ يَقُولُ لَهُ انْقُدْ لِي مِنَ الَّذِي لِي كَذَا وَ كَذَا وَ أَضَعُ لَكَ بَقِيَّتَهُ أَوْ يَقُولُ انْقُدْ لِي بَعْضاً وَ أَمُدُّ لَكَ فِي الْأَجَلِ فِيمَا بَقِيَ فَقَالَ: "لَا أَرَى بِهِ بَأْساً مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ شَيْئاً يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: [فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ‌ وَ لا تُظْلَمُونَ]".[4]

ومعنى ذلك تراجع الدائن عن بعض حقوقه من أجل الصلح، ولكن يبدو لي أنه أسقط ثمن الأجل، ولا بأس بذلك كله.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَيَقُولُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ عَجِّلْ لِيَ النِّصْفَ مِنْ حَقِّي عَلَى أَنْ أَضَعَ عَنْكَ النِّصْفَ أَ يَحِلُّ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ: "نَعَمْ"[5] .

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَأْتِيهِ غَرِيمُهُ وَ يَقُولُ لَهُ انْقُدْ لِي مِنَ الَّذِي لِي كَذَا وَ كَذَا وَ أَضَعُ لَكَ بَقِيَّتَهُ أَوْ يَقُولُ انْقُدْ لِي بَعْضاً وَ أَمُدُّ لَكَ فِي الْأَجَلِ فِيمَا بَقِيَ فَقَالَ: "لَا أَرَى بِهِ بَأْساً مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ شَيْئاً يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُون‌"[6] .


[2] وهو المشهور كما في الدروس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo