< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الطرق 2 / كتاب نزاعات الملك

 

لا زال الحديث عن أحكام المدن ومنها الأحكام المتصلة بالطرق، وذكرنا أن الفقهاء قسموا الطريق إلى نافذٍ ومرفوع وقلنا أن النافذ من الطرق ملكٌ للمسلمين والمدير له الدولة الشرعية، وبذلك لابد أن تكون القوانين المنظمة له سواء أحكام المشرفين عليه أو المارين منه صادرة من الحكومة، ولابد أن تكون واضحة وضمن لوائح قانونية، ومن دون وجودها فالأصل هو إباحة التصرف مع عدم الضرر على أحد.

 

ملكية الطرق المرفوعة

أما الطرق المرفوعة فإلى من تعود ملكيتها؟

قال أكثر الفقهاء بأن ملكية الطرق المرفوعة تعود للبيوت المفتوحة عليه، ولكنّ البعض – كالمقدس الأردبيلي ومن تبعه – شكك في هذا القول لعدم الدليل عليه، فلابد من إثبات عائدية الطريق هل هي للمسلمين كافة أو للمشرفين عليها من أصحاب البيوت، ولكن لابد في هذا الإطار أن نعرف أنواع الطرق المرفوعة وبالتالي الملكية في كل منها.

الأول: فنوعٌ منها تعود مكليته لعامة المسلمين وإن لم تكن نافذة، وضربوا لها مثلاً بالطرق الموجودة في المشاعر المقدسة أو أطراف المراقد المقدسة، والسبب في ذلك سابقية المشاهد والمشاعر على البيوت، وبالتالي عائديتها للحجاج والزوار، فلهم الحق فيها، ولا يسلبهم ذلك بناء جمعٍ من الناس بيوتاً لهم وجعلوا لها طرقاً غير نافذة، لأن القول بذلك يخالف أحقية الزوار في المشاعر وطرقه، وهناك رواية يستفاد منها هذا الأمر وهي إجابة الإمام الباقر عليه السلام عن إمرأةٍ عجوز في عصر عبد الملك إمتنعت عن بيع دارها لتوسعة المسجد الحرام، فقال إن كان دخلت على المسجد الحرام فالمسجد مقدم وإلا فحقها مقدم.

وطبيعي أن المسجد الحرام هو المقدم، وكالمسجد سائر المشاعر والمشاهد، فأصل بناء البيوت إن لم يكن ضاراً بالمسلمين جاز ولكن لا يملك الباني الطريق وإن كان مرفوعاً.

الثاني: ما لو كانت الأرض ملكاً فقسمها إلى بيوت وجعل بينها طريقاً غير نافذ، فهل هو ملكهم؟ وإذا كان كذلك فهل يجوز لغيرهم دخوله دون استئذان أو أن يفتح عليه باباً أو يستضيف ضيوفاً فيه؟

ذهب صاحب الجواهر إلى جواز دخول المارّة إليه دون استئذان لجريان سيرة المتشرعة على دخول مثل هذه الطرق دون إستئذان، قال قدس سره: "نعم قد يقال: باقتضاء السيرة و الطريقة جواز الدخول فيها، و الجلوس مع فرض عدم تضرر أهلها، و عدم اعتبار المساواة في استطراق أربابها قلة و كثرة منه، أو من أتباعه و المترددين اليه، بل قد يقال بحصول الإذن شرعا و ان كان فيهم مولى عليه من طفل أو غيره، بل يمكن القول بذلك حتى مع منع بعضهم"[1] .

أما إذا لم نعتمد السيرة فالحرمة هي المتجهة لضرورة موافقة الجميع في العين المشتركة، ومع وجود القاصر فالإذن لوليه مع وجود الغبطة.

ويمكن أن يقال أنا لسنا بحاجة إلى السيرة، فالأصل هو الجواز، فمادامهم قد جعلوا هذا المكان طريقاً ومعنى الطريق إمكان كل شخص من طرقه، فكأنه يعني إخراجهم لهذا المكان من ملكيتهم الخاصة إلى الملكية العامة، إلا اللهم أن يجعلوا باباً أو حاجزاً – كما يفعل البعض – للدلالة على خصوصية الطريق وعدم تعميمه.

والقوانين الحديثة تفرض على أصحاب الأراضي الكبيرة التي يرمون تقسيمها إلى بيوت، أن يخصصوا نسبة من الأرض للمرافق العامة كالمسجد والمخفر والطرق وغيرها لتتحول من أراضي زراعية إلى أراضي سكنية مثلاً، وهذه القوانين نأخذها كعرف، والعرف يرى أن من يريد أن يبني بيتا ويشق له طريقاً لابد أن يكون الطريق ضمن مخطط المدينة ليتمكن الناس من الوصول إليه، أما أن نقول بمنع دخوله أو الجلوس فيه أو شبه ذلك فهو أخراجه عن اسم الطريق.

هذا إن كانت ملكية الطريق لصاحب الأرض سابقاً.

الثالث: ما لو كان الطريق ضمن أراضي موات فقام بعض الناس ببناء بيوت حوله وأغلقوه هل يملكوه أم لا؟

قيل بلى؛ لأن إحياء كل أرض بحسبها، فإحياءها للزراعة بإستصلاحها وللسكنى بالبناء وللطريق بجعله طريقاً، فهم يملكوه بإعتبارهم حولوه من أرض بوار إلى طريق، ونحن نشك في أن مجرد بناء بيوت من حول الطريق يجعله محيىً لهم، فإحياءهم للبيوت لا يعني إحياءهم للطريق، ولو فرض إحياءهم للطريق فكل شيء بحسبه أي أنه للطريق وللطريق قوانينه الخاصة التي منها طرق الجميع له، ومثال ذلك ما لو أحيت الدولة ربوة عسكرية أو معسكر فقد أحيوها ولا يجوز للغير أن يأخذه، ولكن يجوز للغير أن يستفيد من الأرض بما لا يتعارض مع الإحياء، كرعي الماشية حيث لا يتعارض دخولها مع إحياء المكان للمعسكر.

إذاً، من أحيى أرضاً وجعل في أطرافها بيوتاً وحدد طريقاً فالطريق مشمول لأحكام وأنظمة سائر الطرق، فليس له الاستحواذ عليه ومنع دخول الآخرين فيه سواء كان نافذاً أو مرفوعا.

وفيما يلي نقرأ عبارة المحقق الحلي رضوان الله عليه في الشرائع حيث قال: "أما الطرق المرفوعة فلا يجوز إحداث باب فيها و لا جناح و لا غيره إلا بإذن أربابها سواء كان مضرا أو لم يكن"[2] ، ويعلق على ذلك المحقق النجفي بقوله بالجواز مع عدم الضرر، للسيرة كما مرّ، ولكن المحقق الحلي يستدل على عدم الجواز بقوله: "لأنه مختص بهم" وفي ذلك إشكالٌ، إذ لا دليل على الإختصاص، فإن كان من ناحية الإحياء فإحياء كل شيء يكون بحسبه كما ذكرنا، وإن كان ملكاً لهم فالسيرة تدل على أن تحول الملك إلى طريق فيأخذ أحكام الطرق العامة.

 

فتح الباب

لو أراد غير المشرفين على الطريق فتح بابٍ عليه لا للمرور منه بل للطوارئ كان عليه الاستئذان، درءاً للنزاعات المستقبلية المحتملة، نعم يجوز فتح الروازن والشبابيك قال المحقق الحلي قدس سره: "و كذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه دفعا للشبهة ويجوز فتح الروازن والشبابيك"[3] .

 

التراجع بعد الإذن

إن أذن أصحاب الطريق بإحداث شيء كبابٍ أو روشنة فهل لهم التراجع عن إذنهم كما يحدث ذلك كثيراً بعد بروز خلافٍ لاحق؟

الجواب على ذلك أن الأذن بالشيء إذنٌ بلوازمه، فلو أذن شخصٌ بدفن الميت فإن ذلك يعني بقاء الميت إلى الأبد، ومن أذن بإقامة الصلاة في الملك فالإذن يسري حتى الإنتهاء من الصلاة فلا يجوز له التراجع قبلئذ، وفيما نحن فيه أيضاً الإذن بفتح الباب فهو مستديم إلى فترة معينة بحسب ما يراه العرف، خصوصاً إذا قلنا بتضرر المأذون له بالتراجع عن الإذن.

 

التصالح على البناء المرتفع

هل يجوز لصاحب الدار أن يصالح أهل الطريق على بناء طابقٍ علوي في مقابل مالٍ؟

ذهب الشيخ قدس سره إلى عدم الجواز إستناداً إلى تبعية الصلح للعقود الأخرى وبناءاً على عدم جواز بيع الهواء لكونه مما لا يملك، وبالتالي عدم جواز الصلح عليه أيضاً وفيه:

اولاً: الصلح عقدٌ قائمٌ برأسه كما سبق.

وثانياً: لا دليل على عدم جواز بيع الهواء؟ ونحن نرى أن كل حقٍ عرفي يجوز جعله طرفاً في أي معاملة.

 

ربط الدارين المتلاصقين

قال المحقق: "و لو كان لإنسان داران باب كل واحد إلى زقاق غير نافذ جاز أن يفتح بينهما بابا"[4] ، بخلاف بعض العامة الذين ذهبوا إلى إشتراط إذن أصحاب السكة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo