< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الشرط الثامن والتاسع / شروط المضاربة / كتاب المضاربة

 

"أن يكون معينا فلو أحضر مالين و قال قارضتك بأحدهما أو بأيهما شئت لم ينعقد إلا أن يعين ثمَّ يوقعان العقد عليه "[1] .

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الميامين.

الشرط الثامن

من الشروط التي ذكرها الفقهاء شرط تعيين المال المضارب به، كما قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "أن يكون معينا فلو أحضر مالين و قال قارضتك بأحدهما أو بأيهما شئت لم ينعقد إلا أن يعين ثمَّ يوقعان العقد عليه "[2] .

استدل لهذا الشرط بأمور:

الأول: عن التنجيز في العقد، حيث لم يرتض الفقهاء بالعقد المردد والمعلق، كالعقد المعلق بأمور مثل قوله: "أبيعك إذا طلعت الشمس" أو "إذا جاء فلان"، فلا يجوز هذا النوع من التعليق حتى لو كان المعلق عليه معلوم التحقق كطلوع الشمس، وهكذا قالوا فيما نحن فيه بعدم الصحة لأن المردد بين إثنين لا وضوح له ولا يمكن التعهد عليه، فالتعهد إنما يكون إذا كان هناك قرارٌ مبرم أما في المقرر فليس ثمة عزم من قبل صاحب المال.

نحن نقول في هذه المسألة بالذات التنجيز متحقق، فقوله ضاربتك بأحدهما يكفي في التنجيز (أي في التعهد) إذ لا دليل على إشتراط التنجيز إلا لتنافيه مع العهد والعقد، وهنا لا تنافي لتعيّن وتحقق العهد بأحدهما، فليس لدينا دليل على وجوب أن يكون المال معيناً مع إمكان تعينه لاحقأ.

الثاني: قالوا بعدم الجواز لأن المردد لا وجود له، ومثلوا لذلك بأن زيد موجود وعمرو كذلك، أما المردد بين زيد وعمر فلا وجود له، والحق أن هذا نوع من الفلسفة البعيدة عن الواقع، فمن الواضح أنّا لا نعتبر التردد شيئاً ثالثاً، إنما نعتبره أحد هذين، كما قال شعيب لموسى عليهما السلام: ﴿قالَ إِنِّي أُريدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْن﴾[3] .

الثالث: إنه قد أدعي الإجماع على إشتراط هذا الشرط، وفيه ما قلنا سابقاً بأن الإجماع ممكن التحقق في المسائل الأصلية والأحكام الأساسية أما المسائل الفرعية فالإجماع مشكوك فيه بسبب عدم تعرض الكثير من الفقهاء لهذه المسألة، وفي هذه المسألة بالذات لم يتعرض لها سوى عشرة من الكتب الفقهية كما ذكر ذلك صاحب مفتاح الكرامة.

فتحصل عدم كفاية هذه الأدلة لإثبات هذا الشرط، وقد عرفت أن عدم وجود المردد إنما هو في الوجود العيني ولكن له وجود في أحد الطرفين، هذا مضافا إلى أن عدم التعيين سينتهي إلى التعيين لا محالة، وذلك بحسب قرار الطرفين، فكلا الطرفين قرّرا قرارهما في إثبات العقد، أما موضوعه فتابع للقرار اللاحق.

نعم؛ سنبحث لاحقاً فيما إذا أدّى ذلك إلى غرر للجهالة، فيكون مبطلاً للعقد من هذه الجهة، والغرر قد يكون بسبب إختلاف المالين المردد بينهما إختلافاً بيّناً كما قد يكون بسبب عدم وضوح صفتهما، وبالتالي نشك في صحة العقد ليس في هذا الفرع فقط بل في كل غرر يؤدي إلى الجهالة، لأن النهي النبوي عن الغرر والمدعم بآية الدين وعمل الأصحاب يكفي في إثبات الحكم.

ومن هنا رفض بعض المعلقين على العروة إشتراط هذا الشرط[4] .

 

المعين في المشاع

ثم قال السيد اليزدي قدس سره بعد إشتراط التعيين في المال: "نعم لا فرق بين أن يكون مشاعا أو مفروزا بعد العلم بمقداره و وصفه فلو كان المال مشتركا بين شخصين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي في هذا المال صح مع العلم بحصته من ثلث أو ربع"[5] .

كما لو كانت له أرض مشتركه بينه وبين غيره بحصة مشاعة، فضارب على حصته فيها بعد معلومية حصته من نصفٍ أو شبهه، وكذا تجوز المضاربة بحصة المال المعلوم قدره، قال السيد قدس سره: "و كذا لو كان للمالك مائة دينار مثلاً فقال قارضتك بنصف هذا المال صح"[6] ، لمعلومية مقدار المال، وربما يؤكد السيد على هذا كي لا تكون هناك جهالة في مقدار المال.

الشرط التاسع: كون الربح مشاعاً

إعتبروا في صحة المضاربة أن يكون الربح مشاعاً بينهما، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيناً لم يصح، وهنا بعض البحوث المتشعبة:

أولاً: نحن نقول بوجوب تجنب الربا كيف كان، بل حتى شبهة الربا ينبغي تجنبها، لأن شدة اللحن في الآيات والروايات الشريفة عن حرمته يجعلنا نحتاط فيه بصورة كبيرة.

ثانياً: قد تصير المضاربة في بعض الأحيان مدخلاً إلى الربا وهذا ممنوع، كما إذا طالب صاحب المال بمبلغٍ معين وما زاد يكون مشاعاً بينهما.

أما لو قال المالك للعامل لك قدراً معيناً شهرياً وما زاد يكون مشاعاً بيننا، وهما يعلمان بالحصول على أزيد من هذا المبلغ كربح، فلا إشكال فيه ولا مانع منه.

وإن قيل أن المانع هو الإجماع في المقام، وإعتبارهم أن هذه المعاملة ليست من المضاربة ـ إذ المضاربة ينبغي فيها أن يكون الربح فيها مشاعاً بينهما عرفاً ـ فيقال: العرف ببابك، فلنرجع إليه ونسأله عن هكذا معاملة، فإن أسماها مضاربةً فبها وإلا فليكن عقد آخر.

أما ما ذهب إليه المحقق من عدم ضمان الحصول على هذا المقدار من الربح فلا تتحقق المضاربة والشركة[7] ، فهو في بعض الحالات لا جميعها وهي ما لو كانت المعاملة لا ربح فيها.

وكيف كان، فلا نرى أشكالاً كبيراً في هذا النوع من الإشتراط، إلا فيما إذا انتهت المعاملة الى الربا، وذلك فيما إذا كانت الحصة الثابتة من جهة صاحب المال لا من جهة العامل، قال السيد اليزدي قدس سره: "أن يكون الربح مشاعا بينهما فلو جعل لأحدهما مقدارا معينا و البقية للآخر أو البقية مشتركة بينهما لم يصح"[8] .

نحن نقول: فيما إذا إشترطها للمالك ففي ذلك شبهة الربا فلا تصح، أما العكس بأن يجعل للعامل شيئاً معيناً فلا شبهة للربا فيه ولا نرى فيه بأساً إلا من جهة إحتمال عدم الحصول على زيادة والخروج من كونه مضاربة، ولا إشكال فيهما لإمكان إعتباره عقداً جديداً.

وفي الصورة الأولى – إشتراط المالك لحصة معينة - رواية بالرغم من ضعف سندها إلا أنها مؤكدة للقواعد العامة، حيث روى في الدعائم عن أبي عبد الله عليه السلام: فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ مَالًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ رِبْحاً مَقْطُوعاً قَالَ: "هَذَا الرِّبَا مَحْضاً"[9] .

يد العامل بين الأمان والضمان

هل يد العامل أمينة أم ضمينة؟

قال الفقهاء جميعاً أنها يد أمينة، كما في الوديعة والعارية والإجارة وسائر العقود الصحيحة، ويبدو من خلال بعض البحوث التاريخية أن هذا الأمر أدى إلى بعض المشاكل، حيث كان بعض الناس يتاجرون بأموال الناس مضاربةً – كما البنوك في عصرنا الراهن- وبعضهم يدعي تلف الأموال وليس عليه في دعواه سوى اليمين، فلم يكن لأصحاب المال شيء، مما حملهم على الرجوع إلى القضاء والعلماء فبدأ علماء المذاهب الإسلامية (كالأحناف وغيرهم) يبحثون عن مخرج للمسألة، أي كيفية تحويل يد المضارب الأمينة إلى يد ضمينة للحفاظ على حق صاحب المال.

فقالوا: ندخل القرض في المضاربة، وذلك بأن يجعل نسبة من مال المضاربة قرضاً بصورة مشاعة، والقرض مضمون ولما كان مجملاً كان الجميع مضموناً، وأشارت بعض رواياتنا صحة هذا العمل بجعل القرض مع المضاربة.

وهنا نشأ البحث عن إمكان جعل مال المضاربة مضموناً بالشرط أم لا، كما العارية التي يجوز تضمينها في إحدى صورتيه، حيث لا تكون عارية غير الذهب والفضة مضمونة في أصلها ولكن يمكن تضمينها بالإشتراط.

وهذا البحث يرجع إلى تساؤل آخر عن كون الضمان وعدمه في المضاربة من مقتضى المضاربة (جوهرها) أم لا؟ الأمر الذي يحملنا على البحث عن حقيقة المضاربة وجوهرها، لأن كل عقد له جوهر (مقتضى) وإضافات (مقتضى الإطلاق) فأي شرط ممكن أن يغير مقتضى اطلاق العقد ولكن لا يمكن أن يغير الشرط مقتضى العقد نفسه.

فهل المضاربة من جوهرها إعتبار العامل أميناً أم ذلك من مقتضى إطلاقها أو للإشتراط الضمني؟ وهذا البحث مهم يرتبط بالحفاظ على حق المالكين، نسأل الله أن يوفقنا للبحث فيه لاحقاً.


[4] انظر: العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص551.
[7] قال المحقق الحلي في شرائع الاسلام- ط استقلال، المحقق الحلي، ج2، ص385.: "و لو شرط أحدهما شيئا معينا و الباقي بينهما فسد لعدم الوثوق بحصول الزيادة فلا تتحقق الشركة"

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo