< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اللزوم والجواز في المضاربة / شروط المضاربة / كتاب المضاربة

 

"سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده قبل حصول الربح أو بعده نض المال أو كان به عروض مطلقا كانت أو مع اشتراط الأجل[1] .

فيما يتصل بالمضاربة والحديث عن جواز هذا العقد أو لزومه، هناك بعض الفروع المتبقية في سياق بيان المحقق اليزدي قدس سره، ولكن قبلئذ نذكر بما ذكرناه سابقاً من أن العقد شريعة المتعاقدين وأن العقود تابعة للقصود، وتعرّض فقهائنا رضوان الله عليهم لمسائل العقود كان من جهات ثلاث:

الأولى: تصدّيهم للفتاوى.

الثانية: تصديهم لأمور الناس حيث كان الفقيه يعكس العرف ويبين ما هو متعارف لدى الناس والشاهد على ذلك، أحاديثهم التفصيلية المبينة لما هو متعارف بين الناس وما ليس.

الثالثة: الولاية المباشرة، ففي بعض الأحيان يرى الفقيه أن الأولى أن يحكم ولائياً لضرورةٍ أو شبهها.

وبالرغم من قلة هذه الجهة إلا أن الأوليين واقعان في العادة. فمثلاً حين نجد الميرزا القمي يفصل الحديث في جامع الشتات، لا يتحدث فقط من جهة كونه مفتياً، بل كمبين للواقع الخارجي أيضاً، لتصديه لأمور الناس وقضائه فيما بينهم.

ومن هنا؛ فإذا قالوا بجواز عقد المضاربة فيحتمل أن يكون جوازه بحسب معرفتهم للمتعارف بين الناس، بل قد يكون ذلك إستدلالهم على الجواز أيضاً، فليس هذا حكم شرعي ثابت لا يمكن تغيير ولو بشرطٍ معين، لكي يقال أن الجواز من مقتضى المضاربة ولا يمكن تغيير مقتضى العقد.

وكذلك تغيّر العرف بحسب التحولات الإجتماعية ممكن، وبالتالي ربما تغيَّر حكم العرف في هذا العقد أو ذاك، كما في إختلاف الأعراف بالنسبة إلى إجارة البيوت حيث ينصرف في بلدٍ إلى البيت المؤثث وفي غيره إلى البيت الخالي من الأثاث، فإذا كانت المضاربة في بلدٍ ما جائزة ينصرف قوله: "ضاربتك" إلى الجواز، ولكن إن علمنا بإعتبار عرفٍ آخر لزوم المضاربة بلابدية تحديد مدة معينة لا يجوز لهما الفسخ، كما لو حددها بموسم معين أو أمدٍ محدد، فهو المتبع.

وكما قلنا أن هذه الأعراف بمثابة شروطٍ ضمنية وهي تختلف بإختلاف الأعراف، وسبق منا القول بأن الشروط ـ الظاهرة أو الضمنية ـ تحدد موضوع العقد كما يحددها العرف، فالشرط تتميم لتحديد موضوعات العقود من جهة العرف، ولذلك فإن كلام صاحب الجواهر[2] متين جداً من كون الشرط في العقد الجائز جائزٌ بمعنى ثبوت الشرط ما دام أصل العقد ثابتاً.

الفسخ والعروض

أجاز السيد اليزدي قدس سره، فسخ المضاربة مطلقاً، بما في ذلك حالة كون مال المضاربة عروضاً لم ينض بعد، وفي ذلك رد على من منع من الفسخ إلا مع كونه نضاً من الفقهاء ـ والعامة منهم خصوصاًـ كما لو إشترى قطيعاً من الغنم للتجارة فأراد المالك الفسخ، قالوا بالمنع حتى ينض المال كي يستربح، أما السيد اليزدي قدس سره فقال بالجواز.

وهذا يرجعنا إلى موضوعنا السابق، أي بحسب تشخيص العرف للأمر، جوازاً أو منعاً، قال السيد قدس سره: "سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده قبل حصول الربح أو بعده نض المال أو كان به عروض مطلقا كانت أو مع اشتراط الأجل[3] .

نقول بالرجوع إلى العرف في كل هذه التشعبات، لإمكان إستهزاء العرف بالفسخ في بعض الصور، فلو كان من عرف الناس عدم الفسخ إلا بعد حصول الربح أو تحول العروض إلى نقود أو بعد إنقضاء الأجل فلابد من الإلتزام به.

والعجيب أن صاحب العروة سيتراجع عن هذا الإطلاق لاحقاً، إذ أنه يصحح الشرط الذي يحول العقد الجائز إلى لازم، فلم لا يرتضي به هنا، فإذا أمكن تحويل العقد بذاته إلى اللزوم بعد الجواز، فلماذا لا يمكن أن يشترط في التفاصيل شروطاً؟ والمفترض أنه قدس سره يقبل بهذه الشروط ولكنه لم يتعرض لها.

على أنه بعض الفقهاء منع من الفسخ في بعض الصور لما فيها من ضرر على العامل، ونحن أوكلنا الأمر إلى العرف حيث يشخص طبيعة العقد من حيث الجواز واللزوم.

 

لزوم الدور على مبنى السيد اليزدي

وللفقهاء حديث مفصل عن إستلزام رأي السيد اليزدي قدس سره في إشتراط اللزوم الدور، حيث ذهب إلى أن الشرط في العقد الجائز لازمٌ مادام العقد قائماً، ولكن هذا الشرط إذا كان في ماهية العقد ويريد تحويله إلى اللزوم فهنا يستلزم الدور، فالعقد هو جائز وبسبب الشرط يتحول إلى لازم، مع أن العقد الجائز لا يجب الوفاء بشرطه إلا مادام العقد قائماً، فبقاء العقد يكون بنفس الشرط، وهذا هو الدور.

لكنا لسنا بحاجة إلى هذا الأمر، إذ نرى أن الوفاء بالعقد، والمؤمنون عند شروطهم تكفينا لتصحيح ذلك، وهنا نشير إلى نقطة فصلناها في محلها وهي: أن آية وجوب الوفاء بالعقود لا تعني اللزوم في العقود، بل هي تعني وجوب الوفاء بكل عقدٍ بحسبه، جائزاً كان أو لازماً.

 

المضاربة بشرط مضاربةٍ أخرى

هل تصح المضاربة بشرط مضاربةٍ أخرى لاحقة؟ كقول أحدهم: أعطيك مليوناً مضاربة على أن تضارب في كل شهر بمليون دينار.

نعم؛ يجوز الشرط مادامت المضاربة الأولى قائمة، فإذا فسخها وكان له ذلك ـ بحسب قول المشهور ـ أو ضمن خيارٍ لا يلزم الشرط.

ونحن نرى أن المضاربة الأولى إن لزمت أصبحت المضاربة الثانية أيضاً لازمة، لكون الشرط في العقد اللازم لازمٌ أيضاً.

وكذا إذا إشترط البضاعة فقال له أعطيك مليوناً مضاربةً ومليوناً بضاعة، أو إشترط العامل مع المضاربة أن يأخذ مليوناً قرضاً دون أن يكونا ضمن عقدٍ واحد، أو أشترط العامل أن يشرف المالك على العمل أو غيرها من الشرط، فهي سواء دخلت في عقد المضاربة أو كانت خارجة من العقد جائزة ويجب الوفاء بها مادام العقد قائماً ـ بناءاً على رأي المشهورـ أما مع القول بلزومها فالأمر أهون.

قال قدس سره: "كما أنه لو اشترط في مضاربة مضاربة أخرى في مال آخر أو أخذ بضاعة منه أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية"[4] .

 

المضاربة مع المنفعة

قال السيد اليزدي قدس سره: "إذا دفع إليه مالا و قال اشتر به بستانا مثلا أو قطيعا من الغنم‌ فإن كان المراد الإسترباح بهما بزيادة القيمة صح مضاربة و إن كان المراد الإنتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحته مضاربة وجهان، من أن الإنتفاع بالنماء ليس من التجارة فلا يصح و من أن حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة و الأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة إذ هي ما يكون الإسترباح فيه بالمعاملات و زيادة القيمة لا مثل هذه الفوائد. نعم؛ لا بأس بضمها إلى زيادة القيمة، وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى صحته للعمومات‌"[5] .

وهذه المسألة مبنيةٌ على المسائل السابقة من عدم صحة المضاربة إلا في التجارة، فلا مضاربة في الصناعة أو البناء أو الفندقة، وبناءاً على هذا الرأي يأتي السؤال التالي: لو قال له إشتر قطيعاً من الغنم وأبقه موسماً قبل البيع، فهل يعد هذا مضاربةً مع وجود المنفعة في الغنم من صوفٍ أو لبنٍ أو نماء؟

نقول: تارة تكون المنفعة هامشية ينتفع بها، فيقال بالصحة لأن أصل العقد وقع على التجارة لا على المنافع الأخرى.

وتارة، تكون المنفعة غير هامشة كما لو أشترى بستاناً وأبقاه فترة ينتفع بثمره وزرعه، فيكون لدى المضاربين قصدان، الأول قصد بأصل المعاملة التجارية، وآخر بإستخدام نتاج هذا العرض، فإن كان القصدان متساويين، هل يمكن تصحيح المضاربة؟

فمن جهة لا تصح لعدم المضاربة إلا في التجارة، وما نحن فيه ليس تجارةً محضاً، ومن جهة يمكن إعتبارها عقداً آخر.

ومن هنا ذهب السيد صاحب العروة إلى قوة البطلان على الأساس السابق، إلا أن يقال بإعتباره عقداً جديداً ـ لا مضاربة ـ ويشمله عمومات الصحة فيمضى، وهذا مبنى صاحب العروة الذي يرى أنه إن لم نقل بكونه مضاربة فليكن عقداً جديداً وإن لم نسمه، وهذا المبنى بحسب رأينا متطورٌ جداً وسابق لزمانه قدس سره.

أما نحن فنصحح المعاملة من جهتين:

الأولى: عدم إقتصار المضاربة على التجارة.

الثانية: إن لم يمكن إعتبارها مضاربة فهي معاملة أخرى مشمولة بعمومات الصحة، والله العالم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo