< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الإشتراك في الربح والخسارة / شروط المضاربة / كتاب المضاربة

 

"إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما ‌كالربح أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحته وجهان"[1]

 

تتشعب المسائل المرتبطة بالمضاربة بإعتبار أن هذا العقد كان العقد الأكثر شيوعاً ـ بحسب الظاهر ـ بين الناس بسبب عدم وجود البنوك والمصارف الحديثة، وقد سبق وأن بيّنا أن هذا العقد عقدٌ عرفي ونحن نلتزم بمرجعية العرف في العقود فيما لم يخالف العرف ثوابت الشريعة، كالربا أو ما أشبه.

وحين نرجع العقد إلى العرف فلا يعني ذلك الإلزام، بل هو فيما أرجع المتعاقدان عقدهما إلى العرف، فإذا أرادا التغيير كان لهما ذلك شريطة أن لا يمس جوهر العقد فيما أراد هذا العقد أو ذاك، فلابد أن لا يخالف شرطهما جوهر العقد، إلا إذا أدى الشرط إلى نشوء عقد جديد يوافق عمومات الشرع.

 

المضاربة بين الربح والخسارة

في المضاربة يختلف الأمر بين الربح والخسارة، ففي الربح يشترك المالك والعامل، بينما في الخسارة لا يتحمل العامل شيئاً[2] ، ولكن إذا إشترطا الإشتراك في الخسارة أيضاً لهما ذلك، وربما كان ذلك أدعى لحرص العامل على إرباح التجارة وعدم التهاون فيها.

هنا ثلاث مسائل أساسية نجد دمجاً بينها في بعض الأحيان:

الأولى: إشتراط المالك على العامل أن يشتركا في الربح والخسارة معاً.

الثانية: إشتراط المالك على العامل ضمان رأس المال سواء كان تلفه بتفريط أم لا.

الثالثة: أن يشترط المالك أن يكون له الربح صافياً، بمعنى أنه إذا تلف المال فيكمّل التلف بربح ثم يأتي بالربح الصافي ويقسمه بينه وبين المالك.

وهذه المسائل تختلف ولابد من التمييز بينها، فبالنسبة إلى إشتراط الضمان فهي مسألة مهمة، إذ في نصوصنا وما هو متعارفٌ أيضا أنه ليس على الأمين إلا اليمين ما لم يفرط، فإذا لم يفرط العامل في الحفاظ على المال فليس على العامل شيئاً، فإشتراط الضمان[3] مخالفٌ للعرف، فهل هو مخالفٌ للشرع أيضاً؟

 

أمثلة مشابهة

     العارية[4] غير مضمونة عرفاً، ولكن يجوز للمعير أن يشترط على المستعير ضمانها، فيتحمل تلفها.

     في الإجارة لا يضمن المؤجر العين المستأجرة، ولكن إذا شرط المؤجر أن يضمنها المستأجر صح الشرط، بالرغم من أن إطلاق الإجارة لا يضّمنه.

     في الرهن لا يكون المرتهن ضامناً للرهينة إلا إذا أشترط الراهن، فالشرط مقبولاً، بالرغم من أن المشهور من الفقهاء ممن تعرض لهذه المسألة لم يرتضِ بالشرط.

وكذا الودعي وغيره، فنحن نقول في كل المسائل: ما دام الضمان حكمٌ أولي بإعتبار اليد الأمينة وليس من جوهر العقد، فليس من جوهر العارية أو الإجارة أو الرهن عدم الضمان، بل هو من إطلاق العقد، فللمالك أن يضمنه، وتظهر ثمرة ذلك في موارد:

أولاً: من بيده المال كالمتسعير أو المرتهن أو المضارب يكون أكثر إهتماماً بمال صاحبه، وكما في إستعارة الذهب والفضة لأهميتهما ولذلك ضمّن فيهما، والإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، ضمّن القصار الذي كان يغسل الثياب على النهر.

ثانياً: أن يسهم في تحريك المضاربة، إذ بعض الناس يبخلون بأموالهم خوفاً من خسارتها، فإذا منعنا من تضمين العامل يمتنعون من المعاملة.

ليس هناك دليلٌ على أن الشرط في مثل هذه المعاملات شرط جوهره، وإنما الأمانة فهي من باب مقتضى إطلاق العقد، فإذا أرادا التضمين بشرطٍ كان لهما ذلك، ومن هنا تحمل روايات عدم الضمان على الحالات الطبيعية (إي حالات اطلاق العقد).

 

شرط الإشتراك الخسارة

هل يجوز إشتراط إشراك العامل من الخسارة، كما هو شريكٌ في الربح؟

لا دليل معتبر على المنع، سوى روايةٍ واحدة سوف نناقشها لاحقاً، نعم؛ هناك روايات مفادها أن الربح لهما والخسارة على المال، إلا أنها محمولة على حالة الإطلاق ولا تدل على حالة الإشتراط، بل هناك روايات تفيد بأن الربح والوضيعة عليهما.

فحمل الخلاف في هذين الطائفتين من الروايات على العرف، فإذا حمّل العرف الخسارة على الطرفين قلنا به وإلا فلا، إلا إذا إشترط المالك بتحميل العامل الخسارة وإشراكه فيها، فالضمان بالخراج.

قال السيد اليزدي قدس سره: "إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما ‌كالربح أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحته وجهان"[5] .

فهنا مسألتان دمجهما المحقق اليزدي قدس سره معاً، بالرغم من إختلاف أدلتهما إلا أن موضوعهما متشابه.

وقول المحقق اليزدي بالتردد في المسالة في البدء لبيان الإختلاف القائم خصوصاً عدم تصحيح المشهور لهذا الشرط، ولكنه قال تالياً: "أقواهما الأول (أي صحة الشرط، لماذا؟)[6] لأنه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيل بل إنما هو مناف لإطلاقه إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك و عدم ضمان العامل إلا مع التعدي أو التفريط‌"[7] .

وسبق وأن قلنا أن لكل عقدٍ جوهر لابد أن نتعمق في معرفة هذا الجوهر، فجوهر البيع تبادل الملك، وجوهر النكاح بناء الأسرة، وجوهر عقد الإيجار هو إمتلاك المنفعة، فلولا الفائدة الجوهرية من العقد لما أقدم الطرفان على إبرامه، وهناك أيضاً هوامش لا علاقة لها بالجوهر، ويمكن التصرف فيها دون الجوهر إلا إذا غيرنا إسم العقد.

وأما المقصود من إطلاق العقد، فلا يقصد منه الإطلاق اللفظي، بل هو إطلاق العرف، فإذا كان هناك عرفٌ يضمّن العامل ـ فرّط أو لم يفرّط ـ ففي صورة الإطلاق يقتضي التضمين، وعدمه بحاجة إلى الإشتراط، وكذا لو كان عرف سوقٍ خاص على الإشتراك في الربح والخسارة، فمن ضارب معهم ينصرف الإطلاق إلى ما هو متعارف عندهم إلا إذا إشترط سوى ذلك.

 

الروايات وفقهها

وأنا أفسّر إختلاف الكثير من كلمات الفقهاء أو حتى بعض الروايات، إلى الإختلاف في الأعراف بين زمانٍ وآخر أو مكانٍ وآخر، ولا ندرة في هذا الأمر.

ومن هنا فيما يرتبط بالمسالة الأولى (المشاركة في الربح والخسارة) هناك ثلاثة طوائف من الروايات:

الطائفة الأولى: تجعل الربح والخسارة على الطرفين، ومنها: حسنة الكاهلي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً فَجَعَلَ لَهُ شَيْئاً مِنَ الرِّبْحِ مُسَمًّى فَابْتَاعَ الْمُضَارِبُ مَتَاعاً فَوُضِعَ فِيهِ قَالَ: "عَلَى الْمُضَارِبِ مِنَ الْوَضِيعَةِ بِقَدْرِ مَا جُعِلَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ"[8] .

والوضيعة في الرواية لا تعني الخسارة الكلية، إنما يراد منها الخسارة القليلة، وبحصته من الربح يتحمل العامل الوضيعة.

الطائفة الثانية: تجعل الربح بينهما والخسارة على المالك، وهما صحيحتان الأولى: صحيحة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَالَ :"الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَ الْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ"[9] .

الثانية: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "الْمَالُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ مُضَارَبَةً لَهُ مِنَ الرِّبْحِ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ شَيْ‌ءٌ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَ صَاحِبِ الْمَالِ"[10] .

الطائفة الثالثة: مجملة لا يدرى المراد منها تحديدا، ومنها ما عن مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: "قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ص مَنِ اتَّجَرَ مَالًا وَ اشْتَرَطَ نِصْفَ الرِّبْحِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَ قَالَ مَنْ ضَمَّنَ تَاجِراً فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَأْسُ مَالِهِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ شَيْ‌ءٌ"[11] .

فقوله عليه السلام: "وضمّن تاجراً" مجمل، فهو يشمل حالتي تلف المال وخسارته، فإذا كان الأول ربما خرج عن كونه مضاربة، نعم هناك نسخة أخرى للرواية ورد فيها تعبير "مضاربة" بدل تاجراً، ولكنها ضعيفة.

فالرواية ليست لها دلالة واضحة، بخلاف الطائفتين الأوليتين فدلالتهما واضحة في مراد الأولى على الإشراك والثانية على عدمه، فكيف يمكن الجمع بينهما؟

نقول: الجمع بينهما يكون بحمل كل رواية على عرفٍ معين وظرفٍ مختلف، وليست الروايات ناظرة إلى حالة الإشتراط، ولذلك فالأقوى ـ كما ذهب إليه صاحب العروة قدس سره ـ أن هذا الشرط شرطٌ صحيح، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[2] . لا يخفى أن العامل يخسر جهده الذي هو بدوره يقدر بثمن وقد لا يقل عن الخسارة المالية أو خسارة المالك للربح. [المقرر].
[3] أي تضمين العامل. [المقرر].
[4] عارية غير الذهب والفضة.
[6] من الأستاذ دام ظله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo