< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة التاسعة والعاشرة/ أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

"مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك ‌إلا أن يكون متعارفا ينصرف إليه الإطلاق و لو خالف في غير مورد الانصراف فإن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو وإن اطلع المالك قبل الاستيفاء فإن أمضى فهو و إلا فالبيع باطل"[1]

 

سبق وأن بينّا بأن المضاربة شراكة وليست إذناً بالتصرف فقط ولا وكالة فحسب، ولا هي وديعة إلا بنحوٍ هامشي، بل هي في الأصل شراكة بين الإنسان وبين رأس المال، أي بين المالك والعامل.

والشركة هدفها الإسترباح؛ وبناءاً على ذلك ورد في رواياتنا بأن تجاوز العامل للشروط المحددة له أو تجاوز حالة الإطلاق لا تبطل المضاربة، إذ لم تبيّن الروايات فساد العقد، والمعاملات الجارية في إطار المضاربة لم تتعرض لها الروايات، وإنما يستوجب أمرين:

الأول: ضمان العامل للمال مع تلفه.

الثاني: ضمان العامل للوضيعة في الربح، فإذا خسر في الأرباح ضمنها.

وهذا الأمر يعم الحالات التالية: إما تجاوزه الشرط في المعاملة، كما كان العباس عم النبي صلى الله عليه وآله يشترط على العمال شروطاً خاصة وبخلافها يضمّن تلف المال، وقد أقرّه النبي صلى الله عليه وآله على ذلك، وإقرار النبي ورواية الائمة عليهم السلام لهذه القضية، يفيد ضمان العامل مع مخالفته للشرط.

وهناك شروطٌ أخرى قد تكون شروطاً لفظية أو ضمنية، فباللفظية إذا إشترط المالك أن لا يبيع نسيئة وأن لا يسافر أو لا يبيع للجهة الكذائية أو في يوم الجمعة قبل النداء، فإذا تجاوز هذه الشروط فهل يقع العقد فاسداً أم بحاجة إلى إجازة بإعتبار وقوعه فضولياً، أم تمضي المضاربة وعليه الضمان للصورتين.

أما الشروط الضمنية فهي التي يعبر عنها بالمنصرف من الإطلاق، فمن باع فالإطلاق يفيد كونه نقداً وبنقد البلد ـ مثلاً ـ فعند الإطلاق يعتبر المتعارف بمثابة شروطٍ ضمنية يكون العقد مبنياً عليها، وفي عصرنا الراهن تكتب الشروط في ورقة التعاقد فتتحول إلى شروط لفظية.

وقد بيّن السيد اليزدي قدس سره بقاء المضاربة في أكثر من مسألة بدءاً من المسألة الخامسة وقال في نهاية المسألة السادسة: "إلا أن المضاربة باقية" وفي المسألة السابعة أرجع الحكم إلى ما في المسألة السادسة من بقاء المضاربة حال مخالفة الشرط مع ضمان العامل لتلف المال ووضيعته.

وفي المسألة الثامنة، يبدو أن منهج الحديث إختلف، وقد استشكل بعض الفقهاء على ما أورده السيد اليزدي في المسألة الثامنة حيث قال: "مع إطلاق العقد (والأسواق والأعراف مختلفة ، ويبدو أن السيد قدس سره ناظرٌ إلى العرف الذي ينصرف الإطلاق فيه إلى النقد) و عدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك ‌إلا أن يكون متعارفا ينصرف إليه الإطلاق و لو خالف في غير مورد الانصراف (فباع نسيئة) فإن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو (فليس للمالك أن يمنعه لحصول الربح ، ولكن:) و إن اطلع المالك قبل الاستيفاء فإن أمضى فهو و إلا (بأن لم يمضي) فالبيع باطل"[2] ، لأنه بيع فضولي فيبطل مع عدم الإجازة.

وينقل السيد العاملي قدس سره في مفتاح الكرامة عن العلامة في التذكرة نقله عن بعض علمائنا صحة البيع مع تحمل العامل لخسارة الصفقة، لأنه شريكٌ ومفوّض، ومعنى المضاربة تفيد التفويض من أصلها كما ذكرنا.

 

إسترجاع المالك لماله

وإذا وجد المالك عين ماله عند المشتري له أن يأخذها – كما له أن يرجع على العامل لليد- وليس للمشتري شيء بإعتبار شراءه نسيئةً، أما إذا المشتري كان مغروراً في العقد وتضرر بذلك رجع إلى من غرّه وهو العامل في المقام.

وكذا للمالك أن يرجع إلى المشتري الثاني إن كان المشتري الأول قد باع العين لأن صاحب العين يأخذها أينما وجدها –كما في الغصب-، والمشتري الثاني يرجع على الأول، ولكن السؤال هنا: أليست المسألة كالسابقة في مخالفة الشرط فلماذا إختلف الحكم حيث ذهب إلى فسادها هنا بخلاف المسألة السابقة، حيث اكتفى بتضمينه؟

ثم لو فرض حصول ربح إضافي فلمن يكون الربح على هذا الفرض؟

نقول: الربح يكون بينهما بحسب القاعدة، لأنه نتيجة للعمل المضاف إلى المال، قال السيد اليزدي قدس سره: "وله الرجوع على كل من العامل و المشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على العامل إلا أن يكون مغرورا من قبله و كانت القيمة أزيد من الثمن فإنه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه و إن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم إلا أن يكون مغرورا منه و كان الثمن أقل فإنه حينئذ يرجع بمقدار الثمن‌"[3]

 

الشراء بأزيد من القيمة والبيع بأقل

لا يجوز للعامل أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ولا أن يبيع بأقل منها في حال الإطلاق وعدم الإذن، ومع فعله صار العقد فضولياً يتوقف على إجازة المالك، والسيد اليزدي قدس سره يقول بصحة المعاملة لكونها شراكة ولا بأس بمثل هذا الفعل في الشراكة مع ضمان العامل، قال قدس سره: "في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل‌كما أنه لا يجوز أن يبيع بأقل من قيمة المثل و إلا بطل نعم إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لا بأس به‌"[4] .

ونحن نذكّر بما قلناه سابقاً من أن المضاربة أساساً من عقود المخاطرة لما في التجارة من المغامرة، ولذا خصصوا المضاربة في التجارة ومنعوها في غيرها من الأعمال الواضحة.

هذا مضافاً إلى أن الأساس في المضاربة جعل حصة من الربح للعامل كي يطيب خاطر المالك بعدم تقصير العامل في التجارة – بخلاف ما لو كان أجيراً – فلماذا يبيع العامل بأقل من قيمة المثل مع ما فيه من إضرار بحصته من الربح؟ بلى؛ ربما يكون البيع بأقل من القيمة أعود للربح كما في بعض الحالات التي تشهد البضاعة هبوطاً في السوق فيتفادى الخسارة بالبيع كذلك.

ومن هنا نحن نفضل أن نستبدل بيان التفاصيل الدقيقة التي قد يختلف فيها الفقهاء والأعراف، بتحديد القواعد العامة فنقول:

أولاً: المضاربة عقدٌ يتبع العرف السائد إلا إذا أراد المتعاقدان مخالفته بوضع شروطٍ خاصة بهما.

ثانياً: يجب أن يراعي العامل مصلحة المالك بمراعاة الغبطة، كما هو الواجب بالنسبة للولي في أموال اليتيم.

 

البيع بالعروض

قال السيد اليزدي قدس سره في المسألة العاشرة: "لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ‌بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر"[5] .

فلا يجب أن يكون البيع بالنقد، بل يمكن أن يبيع بالعروض أو بما يسمى مهاترةً، وبالعودة إلى التاريخ القديم وجدنا أن البيوع كانت على الأعيان غالباً لقلة النقود حينذاك.

ولكن مع تغير الزمن صار النقد هو الأساس، بل وصارت اليوم النقود الإلكترونية ـ البيتكوين مثلاً ـ هي المعتمدة في كثير من البلدان.

ثم قال السيد قدس سره: "وقيل بعدم جواز البيع إلا بالنقد المتعارف و لا وجه له إلا إذا كان جنسا لا رغبة للناس فيه غالبا‌"[6] .

وهذا القول هو قول المحقق قدس سره، وهو وجيه على حسب المتعارف في زمانه، فلا وجه للإشكال عليه بناء على التغير الحاصل في الأعراف، خصوصاً بناءاً على القول بجواز عقد المضاربة المقتضي إمكان الفسخ في كل لحظة، فيكون إنضاض المال هو المقصود.

ومع تقديرنا الكبير للفقهاء نقول: الأفضل أن يعطي الفقيه المعايير العامة ويدع تحديد التفاصيل المتغيرة إلى القاضي، فالأول يفتي بوجوب الألتزام بالمصلحة والشروط اللفظية والضمنية، أما التفاصيل فتتغير بتغير الظروف، والله العالم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo