< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعدد المالك مع وحدة المضارب / أحكام المضاربة

 

إجراء أصالة الصحة عند الإختلاف

"إذا كان مال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا و اشترطا له نصف الربح و تفاضلا في النصف الآخر ‌بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه"[1]

قبل أن نخوض في بحثنا اليوم نجيب على التساؤل الذي بقي في المبحث السابق وهو الخلاف في تحديد نوع العقد هل هو قرضٌ أم قراض أو بضاعة، فأدعى أحدهما أنه قراض والآخر خلافه، وقلنا حينئذ أن المآل إلى التحالف لوجود دعويان إحداها بكون العقد مضاربة والآخر بأنها قرض أو بضاعة، وكلٌ من الطرفين ينكر ما يدعيه الآخر، وبالتحالف تسقط الدعوتان ويرجع إلى الأصول.

وتسائل البعض عن إمكانية إجراء أصالة الصحة في المقام، بإعتبار أنها تجري في فعل الإنسان نفسه أولاً حيث يبني الإنسان عمله على الصحة إن تردد فيه، وثانياً بناء فعل الآخرين عليها.

وأجيب عنه، بأن محل إجراء أصالة الصحة هو التردد بين الصحة والفساد في العمل الواحد، أما فيما نحن فيه فالتردد بين عقدين متباينين، أحدهما صحيح والآخر فاسد فلا مجال للتمسك بأصالة الصحة، وبتعبير آخر أصالة الصحة تدفع المنافي والمانع ولا توجد المقتضي، وهو كذلك.

 

تعدد المالكين مع إتحاد العامل

وفيما يرتبط بمسألة البحث السابق عن إعطاء مشارَكين مالاً لثالثٍ قراضاً، كما لو أعطى أخوان ألفاً لعاملٍ واحد، مع إشتراط التفاوت في نسبة ربح كلٍ منهما مع تساوي المالين، أو تساويها مع تفاوت المالين، ففي مثل هذه الحالة ممن تؤخذ الزيادة؟

إن قلنا بأنها تؤخذ من العامل، فهو جائز مع رضاه، كما لو تحول العقد إلى عقدين حصته في أحدهما النصف وفي الآخر الثلث، ولكنّا أشكلنا على تحول العقد إلى عقدين كما ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره مع إمكان التصحيح من جهة الشرط السائغ، إذ يشترط المالكان ذلك على العامل ولا يرتضيان إلى العمل في المالين، فإن رضي العامل فلا إشكال.

أما إذا قلنا بأن العامل يأخذ حصته تامة، والتفرقة تكون من مال المالكين (الشريكين) فهنا تكون الزيادة المعطاة لمن له الزيادة من ربح الآخر وفيها إشكال - رغم صعوبة تصوّر المسألة - من جهة إعطاء أجنبيٍ عن الربح حصةً منه دون دخلٍ له في العقد، كما بحث ذلك في محله.

ونحن قلنا حينئذ بعدم الإشكال في إعطاء أجنبي شيئاً من الربح مع رضاهما بذلك، كيف وأنه يجوز حتماً إعطاء كلٍ منهما جزءاً من الربح بعد أخذه فكيف لا يجوز قبلئذ برضاه؟ أما ما قيل من أن النصوص جائت بلفظ (والربح بينهما) فلا مجال لثالث، ففيه أن الروايات ناظرة للحالة السائغة والعامة، لا جعل ذلك من مقتضى العقد،كما أن المعهود بين الناس قديماً وحديثاً هو جعل حصة من الربح للأعمال الخيرية أو الفقراء أو شبه ذلك.

أما من إستشكل هناك إستشكل هنا، مضافأً إلى أنهم قالوا بإعتبار العقد هنا شراكة، كيف يمكن القول بالتفاضل في حصص الشريكين؟

وبذلك يكون في التفاوت إشكالٌ من جهة الأجنبي في المضاربة، وآخر من جهة عدم جواز التفاوت في حصص الشريكين.

وقد أجبنا عن الأول، وأما الثاني فلم نعرف له وجهاً ومستنداً، إذ لا إشكال في التفاضل في حصص الشريكين إن كان ذلك بإشتراطٍ بينهما، والمؤمنون عند شروطهم السائغة، كما لو إشترط شريكٌ خبير في التعاملات حصة أزيد من المبتدء ورضي الآخر به فلا دليل على عدم الجواز، على أن قياس الشركة على المقام مشكل من جهة كون المضاربة عقدٌ قائمٌ بذاته وإن تضمن فائدة الشركة.

 

تفصيل السيد اليزدي

وقد فصّل السيد اليزدي قدس سره بين كونه شراكةً فيجوز التفاضل، وبين كونه مضاربة فلا يصح، قال قدس سره: "إذا كان مال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا و اشترطا له نصف الربح و تفاضلا في النصف الآخر ‌بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه (المال) فإن كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة بأن يكون كأنه اشترط على العامل في العمل بماله أقل من ما شرطه الآخر له كان اشترط هو للعامل ثلث ربح حصته و شرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصته مثلا مع تساويهما في المال فهو صحيح لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل و إن لم يكن النقص راجعا إلى العامل بل على الشريك الآخر بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء لكن اختلفا في حصتهما بأن لا يكون على حسب شركتهما ل يأخذان المائة كاملةً - وهي نصف الربح مثلاً- ولكن بعدئذ يحدث التفاضل في الحصص) فقد يقال فيه بالبطلان لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة[2] لأن‌ ‌المفروض كون العامل غيرهما و لا يجوز ذلك في الشركة و الأقوى الصحة لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه فإن الأقوى جواز ذلك بالشرط و نمنع كونه خلاف مقتضى الشركة بل هو خلاف مقتضى إطلاقها (فالشريكان أحرار في كيفية تقسيم الربح لأي سبب من الأسباب) مع أنه يمكن أن يدعى الفرق بين الشركة و المضاربة و إن كانت متضمنة للشركة‌"[3] .

 

موت أحد المتضاربين

من المسائل في المضاربة ما يرتبط بموت المالك أو العامل، حيث قال المشهور بإنتفاء المضاربة بموت أحدهما، لأنها إذنٌ كما الوكالة وكما تنتفي الوكالة بالموت تنتفي المضاربة به أيضاً لكونها علاقة مباشرة بين إنسانٍ وآخر.

ولدينا بعض المقدمات على هذا البحث:

الأول: المشهور كون المضاربة عقد جائز، وقد ذكرنا إمكان صيرورته لازماً بالإشتراط كما ذهب السيد اليزدي قدس سره، فهي عقدٌ مبني على شروطه والتراضي بين المتعاقدين.

وقال المشهور أيضاً بعدم جواز توقيته، كسنةٍ مثلاً، لإمكان الفسخ في كل لحظة بناءاً على الجواز، بينما ذهبنا إلى إمكان التوقيت أو إشتراط نضوض المال للفسخ مثلاً.

الثاني: هل كل عقدٍ جائز ينتهي بالموت أم ليست العقود الجائزة في ذلك سواء؟

لا دليل عندنا على إنتهاء كل عقد جائز بالموت، لأن العقد حقٌ وكثير من الحقوق تورث وتدخل في عنوان التركة.

أما الإستدلال على الإنفساخ بإعتباره إذناً ففيه إشكالٌ كبروي وصغروي، أما الصغرى فممنوعة ذلك أن المضاربة ليست إذناً، بل هي عقد، وإن أفاد هذا العقد فائدة الإذن والوديعة والشركة.

ومع التنزل فالكبرى غير تامة، لعدم التسالم على تحديد الإذن بالموت، لإحتمال سراية الإذن إلى ما بعد الموت أيضاً، كما في الإذن بدفن العائلة في الأرض المملوكة.

وكيف كان، فالمضاربة عقدٌ لا إذن، وإنتهائها بالموت بحاجة إلى دالّ آخر كما لو كانت منذ البدء مشروطة بالحياة، أما مع عدم التحديد ففي إطلاق الإنفساخ نظر.

وفي هذه المسألة بعض المفارقات في عصرنا، لأن أغلب المضاربات تجري اليوم مع المؤسسات لا الأفراد، وبالتالي فهي مع شخصيات إعتبارية لا حقيقية، والله العالم.


[2] وقد مرّ بحثه مفصلاً في بحث شروط المضاربة كما أن السيد الأستاذ دام ظله تعرّض للمسألة في بداية البحث [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo