< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تملك العامل للربح 4 ( الإجبار على القسمة)

 

كما مرّ أن هناك مسافة زمنية بين ملك العامل للربح وبين إستقرار الملك حيث يملك بالتحقق ويستقر ملكه بالفسخ والقسمة، والحديث عن القسم الثاني يستدعي التساؤل فيما لو أراد أحد الطرفين القسمة قبل إنتهاء المضاربة وإمتنع الثاني، فهل يجبر الآخر عليها؟

قبل الإجابة لابد أن نقول أن فرض السؤال هو فيما لو لم يكن هناك تراضي أو توافق سابق نصاً أو ضمناً بالإعتماد على العرف في تحديد وقتٍ معيّن للقسمة، فهل يجبر المالك على القسمة فيما لو طالب بها العامل كما هي العادة لكون مصلحته في قبض الربح بخلاف مصلحة العامل التي تقتضي بقاء رأس المال وأرباحه على حاله طلباً لمزيدٍ من الربح أو إستيماناً على رأس المال.

ذهب المشهور إلى أن المالك لا يجبر على القسمة، ولم ندرِ كيف أسند القول إلى المشهور، فنسبة دعواها إلى المحقق النجفي غير صحيحة لعدم ثبوتها، وهي من الفروع التي لم يتعرض لها الكثير من الفقهاء، وكيف كان فهذا هو المعروف وإستدل على ذلك بقاعدة لا ضرر، والتي ينبغي دراستها بعمق كي نعرف جهة إستدلالهم بها.

أما إضافة "في الإسلام" فهو لم يرد في المصادر المشهورة للنبوي المشهور وإنما الوارد عنه صلى الله عليه وآله هو قوله: "فإنه لا ضرر ولا ضرار"[1] ، ومن المتيقن شمول القاعدة للضرر الجسمي بالإنسان، ولكن هل تعم الضرر المالي بأنه لو كان ضررٌ ماليٌ على الإنسان ينتفي؟

إن كان الضرر المالي بالغاً فينتفي، ولكن ما لم يكن بالغاً فلا دليل على شمول العموم له، خصوصاً مع وجود مقدارٍ من الضرر في كل التكاليف، فالضرر المنفي هو الضرر العرفي غير المعتاد.

أما الضرر النفسي، فهل هو داخلٌ في عموم القاعدة؟ ذهب إلى عدم الدخول حال إحتماله المرجع الحكيم قدس سره[2] ، وقيل بعدم الفرق بين الضرر الجسمي والنفسي، بل ربما كان النفسي أضرّ من الثاني على المرء، مع أنّ القاعدة إنما وردت في سياق وجود الضرر النفسي.

وهل تشمل القاعدة الضرر المحتمل أيضاً فتنفيه، كما لو إحتمل التضرر بالسفر في المضاربة إحتمالاً عقلائياً، أو إحتمل خسارة المال في قادم الأيام؟

في أبواب العبادات كالطهارة والصلاة والصوم، قالوا أن إحتمال الضرر أو خوف حدوثه كافٍ لإنتفاء الحكم، كما لو خشي التضرر بالوضوء بالماء فينتقل إلى التيمم، ولكن لا دليل على أن ذلك يعم سائر الأبواب، مثل ما نحن فيه، فكل حكمٍ شرعي يعتمد على شيءٍ إنما يراد منه حالة العلم أو الإطمئنان، أما الخوف والإحتمال فلا.

 

بين (لا ضرر) وسائر القواعد

والذي أراه شخصياً أن قاعدة لا ضرر ليست المحور الأساس في إرتفاع التكاليف، مع الإختلاف الكبير في مدى شمولها للموارد معينة، مضافاً إلى عدم ذكر القاعدة لنوع الضرر المنفي هل هو الضرر العقلي أم العرفي، بل الأصل هي قاعدة نفي الحرج ، المستفادة في الكثير من الروايات، مضافا إلى ورودها في القرآن الكريم مرتين، فلا حرج أدق في الطرد والعكس من قاعدة لا ضرر.

ثم إن قاعدة نفي العسر، هي الأخرى أعم من قاعدتي لا ضرر ولا حرج، وإن كان قد جمع البعض بين قاعدتي الحرج والعسر في حين أنهما ليستا بنفس السعة، بل نفي العسر أشمل.

وبالعود إلى ما نحن فيه، فهل خوف الضرر ضررٌ أم لا؟

يبدو أن خوف الضرر لا يرفع الحكم، وبذا يكون في الإستناد إليها في إثبات الحكم في المقام ضعف، ولكن لماذا إستندوا إلى هذه القاعدة؟

لابد من بيان نقطة هامة لم أجد أحداً تعرض لها، وهي أن الملكية قد تكون خالصة وقد لا تكون كذلك بأن يكون أكثر من حق متعلقاً بها، كما لو ملك ولكن تعلق بالملك حق الرهانة، وفي مثل هذه الملكية لا يجوز للإنسان التصرف بها كيفما شاء لوجود شريكٍ أو مرتهنٍ أو غيره، وفي ما نحن فيه يكون المالك مالكاً للحق في الربح فلا يؤذن العامل بالتصرف به مطلقاً وإن كان مالكاً له، ويبدو أن الفقهاء حين إستندوا بقاعدة لا ضرر إنما لاحظوا المنع من الإضرار بالملك بسلب الحق، فسلب المالك حقه في الإبقاء على الربح مستقراً حتى نهاية المضاربة إضرارٌ له، على أنه نحن قلنا أن الربح لا يسمى ربحاً إلى بعد إنتهاء المضاربة وسد النقص من رأس المال، خصوصاً في مثل المعاملات المختلفة التي قد تربح بعضها وتخسر أخرى.

وللمرجع الشيرازي قدس سره بعض الإشكالات على ما ذهب إليه المشهور أبرزها:

أولاً: عدم الجزم بشمول القاعدة للمقام لأن خوف الضرر ليس ضرراً.

وثانياً: الضرر إذا شمل المالك بإجباره على القسمة يشمل العامل أيضاً إن منع من القسمة[3] .

وهذا صحيح، ولكنا نقول: إن كان هناك حقٌ متعلقٌ بالربح من قبل المالك وهو تسلطه بالأخذ به وجبر رأس المال به، فالقول بإجبار المالك على القسمة مشكل، إلا أن يقال بوجود إتفاقٍ سابقٍ أو تراضٍ جديد أو عرفٍ سائد.

بيان السيد اليزدي قدس سره

قال قدس سره في العروة: "إذا ظهر الربح و نض تمامه أو بعض منه‌ فطلب أحدهما قسمته فإن رضي‌ ‌الآخر (أو كان بينهما إتفاق أو ذهب العرف إلى ذلك مع إعتمادهما عليه) فلا مانع منها وإن لم يرض المالك لم يجبر عليها لاحتمال الخسران بعد ذلك و الحاجة إلى جبره به قيل و إن لم يرض العامل فكذلك أيضا لأنه لو حصل الخسران وجب عليه رد ما أخذه و لعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده و هو ضرر عليه و فيه أن هذا لا يعد ضررا (مثل الدين الذي لا يعتبر ضرراً عند العرف وإن كان فيه إضرارٌ، نحن نقول: الشخص هو الذي يحد الضرر عن عدمه، فإذا كان ضرراً فعيلاً يرتفع، ويعود تشخيص ذلك إلى القضاء) فالأقوى أنه يجبر إذا طلب المالك"[4] ، إلا أن يكون في ذلك حرج على العامل أو ضرر فلا يجبر عليها، لإنتفاء أي حكمٍ بالحرج والله العالم.


[3] أنظر: موسوعة الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج54، ص40.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo