< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خيانة العامل وصورها / أحكام المضاربة

 

"العامل أمين فلا يضمن إلا بالخيانة‌ كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئا لنفسه فأدى الثمن من ذلك أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك أو التفريط بترك الحفظ أو التعدي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر".

 

من الأحكام المرتبطة بباب المضاربة أن العامل أمينٌ فلا يضمن ما يتلف على يديه إلا بتفريطٍ أو خيانة، ويقصد من التفريط أيضاً تجاوز حده والإعتداء على أموال الآخرين بالغصب أو الإسراف أو غيره.

فإذا فعل العامل ذلك يعتبر ضامناً؟ لماذا يكون ضامناً وما هي حدود الخيانة؟ وإذا ترك الخيانة وتاب فهل تعود يده يد أمينة أم لا؟

أما فيما يتصل بالخيانة والتعدي وحدوده، فالأفضل أن نرجع الأمر إلى العرف، فالخيانة واضحة المعنى عندهم من تجاوز الفرد حقه، وحدود حقه أمور موضوعية تعرف خارجاً، وكذلك لو تكاسل عن العمل بالتجارة وخسرت البضاعة فربما يعد خيانة، أو حسب ما قيل بتجاوزه على الجارية التي اشتراها للمضاربة، أو سكن البيت الذي إشتراه كذلك.

فالخيانة لا نحددها تحديداً دقيقاً لإرتباطها بكثير من المسائل المتشعبة.

أما المسألة التي إختلفوا فيها عما لو تاب بعد التفريط والخيانة، ولم يتلف المال وقت الخيانة لكنه تلف بعد توبته، فهل هو ضامنٌ أم لا؟

قال بعضٌ بالضمان، لأنه إنتفت عنه صفة الأمانة، ونشك برجوعها والأصل عدم رجوعها، وبتعبير آخر الإستصحاب يقتضي بقاء الضمان.

في الحقيقة من قال بأن الخيانة تستمر إعتمدوا على الإستصحاب وعدم التحول والتغيير (إبقاء ما كان) وفي مقابلهم قال الآخرون: لماذا إعتبرنا العامل أميناً في المضاربة أساساً؟ أوليس لأن المالك أذن له بالتصرف، فإذا كان الإذن باقياً فلابد أن تبقى الأمانة كذلك.

فمادامت الأمانة متعلقة بالإذن، فوجود الإذن يقتضي وجود الأمانة وبالتالي عدم الضمان، فلا محل للإستصحاب لأن محله الجهل بينما هنا لدينا علم بالإذن، هذا مضافاً إلى ما قاله بعض الفقهاء من أن الإستصحاب ينبيغي أن يكون فيه علمٌ بالمقتضي وعدم العلم بالمانع، أما عدم العلم بالمقتضي فلماذا نجري الإستصحاب؟ وهذا صحيح، بالرغم من أن البعض قال لا علاقة للمقتضي والمانع بالإستصحاب.

وهنا فرعٌ لم يبينه الفقهاء: لو علمنا بأن المالك قد سحب إذنه بعلمه بخيانة العامل، وبذلك فلا يرجع له الإذن، فإذا علمنا ذلك يشكل الأمر، وليس الحصول على هذا العلم سهلاً، لأن أغلب الناس لا مانع عندهم من إبقاء الإذن.

نقرأ كلمات السيد الطباطبائي قدس سره حيث قال: "العامل أمين فلا يضمن إلا بالخيانة‌ (ونحن قلنا سابقاً بإمكان إشتراط ضمان العامل كما كان رأي صاحب الرأي ذلك أيضاً خلافاً لبعض الفقهاء) كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئا لنفسه فأدى الثمن من ذلك أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك أو التفريط بترك الحفظ أو التعدي (وهو الأكثر وقوعاً، كيف؟) بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر (وهذا ما يرتبط بما سبق بأن عدم الإذن بالسفر نهيٌ عنه فلا يمكن أن يسافر إلا بالإذن، وبعضٌ قال بأن عدم الإذن لا يعني ذلك، وقلنا حينئذٍ بأنه أمرٌ راجعٌ للعرف) أو اشترى ما نهي عن شرائه أو ترك شراء ما أمره به فإنه يصير بذلك ضامنا للمال لو تلف و لو بآفة سماوية و إن بقيت المضاربة كما مر و الظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً".

ونحن فرّقنا بين كلمتي التلف الذي هو من السماء والخسارة التي تكون من التجارة ويعبّر عنها في الروايات بالوضيعة، فالتلف وإن كان بغير مباشرة العامل يضمنه لأن قاعدة اليد تشمل المقام، إستثني منها موارد محددة، فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ مَالًا مُضَارَبَةً وَ يَنْهَاهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى فَعَصَاهُ فَقَالَ: "هُوَ لَهُ ضَامِنٌ وَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا إِذَا خَالَفَ شَرْطَهُ وَ عَصَاهُ"[1] .

فالضمان لمحل الخيانة والعصيان، أما الربح فله لبقاء المضاربة على حالها، وهناك روايات أخرى ذكرناها سابقاً مثل روايات شرط العباس عم النبي صلى الله عليه وآله على المضاربين من أن لا ينزلوا وادياً أو يركبوا بحراً أو يتعاملوا بكبدٍ رطبة، وأمضاها النبي صلى الله عليه وآله.

 

الرجوع بعد الخيانة

ثم قال السيد قدس سره: "و إذا رجع عن تعديه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا وجهان مقتضى الاستصحاب بقاؤه كما ذكروا في باب الوديعة أنه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان و إن ردها بعد ذلك إليه (فبالخيانة صارت يده يدٌ ضمينة، فإذا كانت كذلك فعليها تحمل مسؤولية الخسران اللاحق) ولكن لا يخلو عن إشكال (لأن الإستصحاب لا محل له، فمحل الإستصحاب هو علمنا بخيانته، بينما فيما نحن فيه هناك علمٌ بعدم خيانته مضافاً إليه:) لأن المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان"[2] .

والإستصحاب وسّعه بعض الفقهاء، فأجّروه في كل مكان، بينما بحاجة إلى المقتضي وعدم المانع لذلك، وأساس الإستصحاب هو عدم العلم بالتغيير، لأن الجهل بالتغيير يدعوه إلى بقاء الشيء، فليس الإستصحاب دليلاً في مقابل البرائة بل هو مكمل له.

 

التقصير في البيع:

قال السيد قدس سره:"و لو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان و لم يبع ضمن الوضعية إن حصلت بعد ذلك"[3] .

كما لو لم يبع في الموسم، ثم باعها في غير الموسم فحصلت وضيعة في الربح، فيتحمله، وهذه الخسارة يتحملها بسبب التفريط، فليس التفريط مقتصراً على حفظ البضاعة بل يعم العمل أيضاً إن قصّر في العمل أيضاً.

 

نية الخيانة:

قال السيد قدس سره: هل يضمن بنية الخيانة مع عدم فعلها وجهان من عدم كون مجرد النية خيانة (فتبقى يده يد أمينة، ولكن من جهة أخرى:) ومن صيرورة يده حال النية بمنزلة يد الغاصب و يمكن الفرق بين العزم عليها فعلا و بين العزم على أن يخون بعد ذلك‌"[4] .

فوجه عدم الضمان هو عدم تحقق الخيانة، ووجه الضمان هو تحول يده إلى يد ضمينة بمجرد النية، والسيد قدس سره يفصّل في المسألة، بين ما لو كان هناك عزم بالخيانة فعلاً أم لاحقا.

ولكن يبدو أن الفرق على الإذن لا العزم، بالبيان التالي: الله سبحانه لا يعاقب على النية، وإن كان يحاسب عليها ولكنه لا يعاقب إلى على الفعل.

ولكن إن كانت النية مع بعض المقدمات الفعلية، كما لو حاول الخيانة ولكنه لم يستطع بحيث يعتبره العرف خائناً، فإذا كان كذلك فلا يصير خائناً ولكن ينتفي إذن المالك له بالمضاربة فيضمن، ويبدو أن هذا هو الصحيح، فصيرورة الإنسان خائناً ليس بفعل الخيانة فقط، بل بمقدماتها أيضاً حيث يعتبر العرف مرتكبها خائناً وبذلك ينتفي الإذن.

ومن هنا مع بقاء اليد يدٌ أمينة فلا ضمان، أما إذا خرجت عن عنوان الأمانة بفعل بعض المقدمات تضمن، وهذا ما تدل عليه النصوص وكذلك يشهد به حكم العقل والله العالم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo