< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شراء المتعاقدين من مال المضاربة / أحكام المضاربة

"لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئا من مال المضاربة ‌لأنه ماله، نعم إذا‌ ‌ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصة العامل منه مع معلومية قدرها و لا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنه بمنزلة التلف.."[1] .

 

في سياق الحديث عن أحكام المضاربة ثمة بحثٌ يحتاج إلى بعض التأمل، يرتبط بتعامل المالك أو العامل مع مال المضاربة شراءاً أو إجارةً، فهل لهما ذلك أم لا؟

قبل الإجابة على هذا التسائل لابد أن نبلوّر أمرين أساسيين:

الأول: هل للمضاربة شخصية حقوقية أم لا؟ وأساساً ما هي الشخصية الحقوقية المعتبرة للشركات والحكومات والمؤسسات وغيرها؟ من يحدد ذلك؟ ولماذا يقال هذا حقٌ لفلان وهذا لا؟ وما هو مصدر الحقوق أساساً؟

الحديث عن هذه المسألة متشعب ومفصل، ولكن بإختصار: نعتقد أن الحق يرتبط بالعلاقات الإجتماعية، فحق الناس بعضهم تجاه البعض يرتبط بروابطهم الإجتماعية، فالحق أصله ظاهرةٌ إجتماعية، وبناءاً على ذلك فالمؤسسات المختلفة يعتبرها العرف ذات شخصية حقوقية، كما لو وجدت مؤسسة وقفية ولها تجاراتها ومضارباتها وسائر التعاملات المالية، فيمكن أن تنسب تلك التعاملات إلى المؤسسة، وكذا تعاملات الحكومات والدول، ولكن بالتعمّق في هذه التعاملات نجد أن نهاية المطاف يرجع إلى الناس، فالمؤسسة الحقوقية تنتهي إلى الإنسان.

ومن هنا فإن ملكية الدولة لا يراد منه إمتلاك المباني للأموال، بل الموظفون بما يحملون من صفة تمثيل للدولة، والتعبير الديني عن هذه الحقيقة هو (ملك المسلمين) كما هو في الأراضي الخراجية.

فمآل القضية إذاً يكون إلى البشر، ولكن العرف يقولب ذلك ضمن مؤسسات، فإذا أعطى المالك المال للعامل مضاربةً فستكون لهذه الأموال شخصيتها الخاصة (التي هي المضاربة) وهي تختلف عن سائر أموال المالك وكذا أموال العامل.

الثاني: ما هو البيع؟

قالوا أنه مبادلة مال بمال (شيء بشيء)، والسؤال: هل يعتبر فيه مغايرة المالك بأن يكون البائع غير المشتري؟ فإذا إشترى المالك من نفسه شيئاً فهل يصدق عليه عنوان المبادلة؟

قال بعضٌ بعدم الصدق، وقال آخرون بصدق البيع على ذلك ومثّلوا له بمن يبيع الدنيا بالآخرة أو الآخرة بالدنيا وكلاهما له، فهو تبديل شيء بشيء، كما أن لفظة البيع لا دلالة لها على إختلاف المالكين وإن كان الغالب كذلك.

وبعد بيان هذين الأمرين نضرب بعض الأمثلة لموضوعنا المبحوث كي تتضح المسألة أكثر، خصوصاً مع ملاحظتي لأغلب المؤلفين حيث يرسلون المسألة إرسال المسلمات:

    1. لو كان لشخصٍ محلٌ في منطقة في تجارةٍ معينة، ومحلٌ آخر في منطقة أخرى تتاجر ببضاعة أخرى، كما لو كان الأول محل أدهان والثاني أثاث منزلي، وبالرغم من إتحاد المالك فإن حسابات كلٍ منهما مختلف ومستقل، فهل يجوز أن يتعامل المحلان فيما بينهما بأن يشتري صاحب الأثاث أدهان أو العكس؟

يجوز ذلك ولا إشكال فيه.

    2. لو قال الأب لإبنه: إشترِ بمالي من فلان التاجر، لأنه يضارب بأموالي، فذلك صحيح وإن كان هو المالك الأصلي، لأن جزءاً من أموال الشراء ستذهب إلى العامل وغيره من نفقات التجارة.

    3. وكذا العكس، بأن يدعوا العامل أهله بأن يشتروا من تجارته التي يعمل بها.

ومن هنا فلا بأس بشراء المالك أو العامل من مال المضاربة، ولكن قال بعضٌ بعدم الجواز لأن البيع لا يكون إلا من مال الغير، وهو ضعيفٌ لما قلناه من عدم دلالة لفظة البيع على هذا الشرط.

ومن العجيب ما عن صاحب الجواهر إدعائه عدم الخلاف في المسألة، والحال أن المسألة لم يتعرض لها الكثير من الفقهاء وخصوصاً القدماء، بل المسألة من فقه العامة وبحثها فقهائنا من زمن العلامة، ومع ذلك لم يتعرض لها الكثيرون.

ولو قلنا بعدم جواز شراء المالك، فهل يسري عدم الجواز إلى العامل أيضا؟

بل يجوز له، وإن كان جزءٌ من الربح الذي سيحصل من هذه التجارة ملكٌ له، وبيان ذلك: لو كان العامل يضارب بمال المالك في العقارات، فاشترى عقاراً للمضاربة ثم أراد شرائه لنفسه مع الربح، فله ذلك، بالرغم من أن المال لو ربح سيكون جزءٌ من الربح له، ولكن لا إشكال فيه لأن نصف الربح صار ملكاً له بعد الشراء لا قبله.

 

بيان صاحب العروة:

قال السيد قدس سره: "لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئا من مال المضاربة‌ لأنه ماله (أرسلوا ذلك إرسال المسلمات، ولكن من قال بعدم جواز شراء ما هو ماله؟ ثم إن المضاربة تحولت إلى شراكة، فهذا ليس ماله فقط بل هو ماله ومال العامل أيضاً) نعم إذا‌ ‌ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصة العامل منه مع معلومية قدرها (ولكن شراء حصة العامل من الربح يكون من شراء الملك المتزلزل الذي لا يثبت إلا بعد إنتهاء المضاربة) ولا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنه بمنزلة التلف (وهذا مبنيٌ على مسألةٍ سابقة حيث صحح السيد قدس سره بيع الربح قبل ثبوته، ومن ثم لو ظهر الخسارة يبقى البيع صحيحاً وعلى العامل أن يجبره من مالٍ آخر، ولكن هذا ما خالفناه وخالفه معظم المعلقين على العروة لأنا قلنا بأنه لا يسمى الربح قبل جبران رأس المال) و يجب على العامل رد قيمتها لجبر الخسارة كما لو باعها من غير المالك و أما العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح بل بعده لكن يبطل الشراء بمقدار حصته من المبيع لأنه ماله (وفيه: ما قلنا سابقاً بعدم الدليل على عدم جواز الشراء من مال الذات، ولو لم نسمه شراءاً فلنسمه شيئاً آخر مع قبول العرف به) نعم؛ لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلا بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه حيث إن بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحا فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه (فحين يشتري البيت الذي يربح هو فيه مقداراً ما، فالربح يتحقق بعد الشراء لا قبله، ولذا قال في دفعه:) و يمكن دفعه بأن كونه ربحا متأخر عن صيرورته للبائع فيصير أولا للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمنا و بعد أن تمت المعاملة و صار ملكا للبائع و صدق كونه ربحا يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة فملكية البائع متقدمة طبعا و هذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته فإن المبيع ينتقل من المالك و‌ الثمن يكون مشتركا بينه و بين العامل و لا بأس به فإنه من الأول يصير ملكا للمالك ثمَّ يصير بمقدار حصة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة لكن هذا على ما هو المشهور من أن مقتضى المعاوضة دخول المعوض في ملك من خرج عنه العوض و أنه لا يعقل غيره و أما على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوض لشخص و العوض داخل في ملك غيره و أنه لا ينافي حقيقة المعاوضة فيمكن أن يقال من الأول يدخل الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة فلا يكون هذه الصورة مثالا للمقام و نظيرا له‌"[2] .

وعلى أي حال، فنحن في غنى عن الكثير من التفصيل بعدما ذكرناه من عدم المانع من الشراء من مال الذات، ومثله مثل الشراء من مال الشراكة، ومن هنا فلا يصح إرسال الأمر إرسال المسلمات، خصوصاً مع وجود الإختلاف بين علماء المذاهب حيث كان لكل مذهبٍ قولان، كما أن أكثر علماء الإمامية لم يتعرضوا للمسألة.

ولا سبب آخر للبطلان سوى ما توهم في معنى البيع الذي لا يدل على ما أعتبروه من إختلاف المالكين، مضافاً إلى تصحيح العرف لهذا البيع، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo