< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشفعة في المضاربة و فسخ المضاربة أو إنفساخها / أحكام المضاربة

 

"يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة‌ و لا يجوز العكس مثلا إذا كانت دار مشتركة بين العامل و الأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة لأن الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك.."[1] .

 

فيما يتصل بكيفية الإستفادة من مال المضاربة من قبل المتضاربين هناك بعض المسائل منها الشفعة في المضاربة، فالشفعة حكمٌ شرعي نتميّز به تقريباً وتعني حق أحد الشريكين بمنع الآخر من بيع المال المشترك إلى الأجنبي إن أراد هو شراؤه، فلو باع الشريك نصف الدار لأجنبي ورفض الشريك الآخر ذلك له أن يأخذ بالشفعة بأن يعطي نفس مبلغ البيع للشريك ويستقل بملك الدار، وكأن هذا البيع يتم بالإجبار، لأن البيع للأجنبي قد يورد ضرراً على الشريك.

ويمكن تصور الشفعة في المضاربة بأن يكون العامل مالكاً لنصف الدار ثم إشترى بمال المضاربة النصف الآخر من شريكه، ولما إشتراه أراد شرائه لنفسه، فبالرغم من أنه هو المشتري للنصف الآخر ولكن شرائه كان بمال المضاربة لا مال نفسه، فيأخذ بالشفعة حينئذ ويشتري هو الدار، ولكن يظهر الإشكال فيما لو كانت الصفقة هذه رابحة للمضاربة، وجزءٌ من الربح يكون للعامل، فكيف يأخذ الشخص بالشفعة من نفسه؟

وأجيب بعدم الإشكال في المقام، لأن العامل لا يأخذ الشفعة من نفسه، فما يملكه الربح ملكٌ له فهو تحصيل حاصل، بل الشفعة يأخذها في الباقي الذي هو ملك مالك المال، ومن هنا فلا دليل على بطلان الشفعة من هذه الجهة.

ولوجود هذه الإشكالية المذكورة طرح الفقهاء مسألة الشفعة في المضاربة التي تتصل بالربح المملوك للعامل، فقال السيد اليزدي قدس سره: "يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة‌ و لا يجوز العكس مثلاً إذا كانت دار مشتركة بين العامل و الأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة لأن الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك فللعامل أن يأخذ تلك الحصة بالشفعة منه (ولكنا قلنا بإمكان الأخذ بها حتى مع تحقق الربح لشمول أدلة الشفعة لمثل هذه الصفقة، فهو يشبه موت الشريك مع كونه وارثه) وأما إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي ليس للمالك الأخذ بالشفعة لأن الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة ما هو له‌"[2] .

ولو إنعكست الصورة بأن كان المال المشترى ملكاً مشاعاً بين مالك مال المضاربة وأجنبي، فأشترى العامل حصة الأجنبي، فهل للمالك أن يأخذ بالشفعة من نفسه؟

ليس له أن يأخذ بها لأن المال هو ماله، وإنما قلنا بجواز الأخذ بالشفعة لكيلا يتحقق ضرر على الشريك والحال أنه لا ضرر على المالك.

 

فسخ المضاربة أو إنفساخها

المضاربة عقدٌ جائز حسب رأي الفقهاء، فيجوز لكلٍ من المالك والعامل أن يفسخ متى شاء، نعم بناءاً على ما ذهب إليه البعض من إمكان جعل العقد لازماً بإشتراطه ضمن عقدٍ لازمٍ آخر، أوضمن نفس العقد كما ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره، والذي نجده رأياً سديداً وشجاعاً تبع السيد فيه من جاء بعده.

وكيف كان، فلو فسخت المضاربة أو إنفسخت، فسوف يكون هناك تبعات لذلك، يرتبط بفروع مختلفة، فمتى فسخت؟ هل كانت قبل التجارة أم بعدها أم في الأثناء؟

فإذا كان الفسخ قبل البدء بالتجارة، فهل هناك إستحقاقٌ للطرف المقابل؟

قالوا: لا، لأن الفسخ حصل قبل أن يكون هناك عمل، وبالتالي لم يتحقق ربحٌ يستحقه المقابل، وقال بعض الفقهاء: إذا سبّب الفسخ ضرراً على المقابل فلابد من جبرانه، كما لو إتفق المالك مع العامل على المضاربة فترك العامل عمل يومه، ثم فسخ المالك قبل العمل فسيكون العامل متضرراً بخسران عمله الآخر دون حصوله على شيء هنا، وكذا يمكن تصور العكس بأن يفسخ العامل بحيث يتضرر المالك، كما لو كانت البضائع تنقل يوماً واحداً في الأسبوع ثم فسخ العامل في يوم السفر وتضرر المالك بذلك، وفي كلا الصورتين يجب جبر الضرر لقاعدة نفي الضرر.

ولكن أجاب البعض عن ذلك: بأن أساس المضاربة هو المخاطرة والمغامرة، فمادام العامل أو المالك يعلمان بإمكان الفسخ في أي لحظة من قبل الطرف المقابل وأقدما على العقد، فذلك يسقط حقهما بجبر الضرر المترتب على الفسخ.

نحن نقول: هذا صحيحٌ ولكن قد يكون الضرر المترتب بغير ما هو متوقع فلا تشمله قاعدة الإقدام، وحينئذ لابد من الرجوع إلى القضاء لجبر الضرر، ولكن مبنى القواعد الشرعية الموجودة عندنا هو عدم الجبر عموماً لإقدامهما على الضرر إلا إذا تغير العنوان كما لو صار هناك ظلمٌ فلابد من رفعه.

هذا كله، إن لم يكن بينهما توافق على تغريم الفاسخ للعقد سواء توافقاً صريحاً أو على نحو الشرط الضمني.

أما إذا كان الفسخ بعد إنتهاء التجارة وفي نهاية صفقةٍ معينة، فلا إشكال في أخذ كلٍ منهما حصته من الربح، ولكن قال العلامة في التذكرة: "لو لم يظهر ربحٌ في هذه الصفقة فلابد أن يعطى العامل أجرة المثل"، إلا أن العلامة قدس سره لم يشر إلى هذا الرأي في القواعد وخالفه الفقهاء أيضاً لما يلي:

أولاً: بناء المضاربة على المخاطرة، فربما لا يحصل الربح في كل الصفقات.

ثانياً: كما خسر العامل جهده، خسر المالك ماله هو الآخر حيث لم يظهر فيه ربح خلال مدة الصفقة، فكيف نحمّل المالك خسارة العامل دون العكس؟

نعم؛ إذا كان إعطاء العامل أجرة المثل في مثل المقام أمراً عرفياً فلا إشكال في إعطاءه إذا بنيا العقد على العرف، وعلى هذا حمل رأي العلامة في التذكرة مع عدم ربح المضاربة، ولكن من الناحية الأولية لا يستحق العامل شيئاً، ويشبه السيد اليزدي قدس سره المقام بمسألة الجعالة، فلو جعل الجاعل على عملٍ شيئاً، وسعى العامل دون أن يصل إلى المراد فلا يستحق شيئاً، قال السيد اليزدي قدس سره: "قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة و أنه يجوز لكل منها الفسخ إذا لم يشترط لزومها في ضمن عقد لازم ‌بل أو في ضمن عقدها أيضا (وهذا ما سبق في المسألة الرابعة بأن المضاربة عقد جائز يمكن جعله لازماً عبر الإشتراط في عقد لازمٍ آخر وقال السيد بإمكان إشتراط اللزوم في نفس العقد) ثمَّ قد يحصل الفسخ من أحدهما وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك فلا بد من التكلم في حكمها من حيث استحقاق العامل للأجرة وعدمه ومن حيث وجوب الإنضاض عليه وعدمه إذا كان بالمال عروض ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ومن حيث وجوب الرد إلى المالك وعدمه وكون الأجرة عليه أو لا (فلابد أن تبحث هذه الحيثيات تفصيلاً، مع إعتقادنا بأن مثل هذه البحوث و غيرها على الاكثر إما مرتبطة بالشروط المتفق عليها بينهما وإما بالعرف) فنقول إما أن يكون الفسخ من المالك أو العامل و أيضاً إما أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدماتها أو بعده قبل ظهور الربح أو بعده في الأثناء أو بعد تمام التجارة بعد إنضاض الجميع أو البعض أو قبله قبل القسمة أو بعدها وبيان أحكامها في طي مسائل:

الأولى إذا كان الفسخ أو الانفساخ و لم يشرع في العمل ولا في مقدماته فلا إشكال ولا شي‌ء له ولا عليه (أوردنا إحتمال البعض بجبر الضرر وإستبعدناه إلا في حالات الضرر غير المتوقع والذي يغير العنوان إلى الظلم مثلا) وإن كان بعد تمام العمل و الإنضاض فكذلك إذ مع حصول الربح يقتسمانه و مع عدمه لا شي‌ء للعامل و لا عليه إن حصلت خسارة إلا أن يشترط المالك كونها بينهماي الخسارة) على الأقوى من صحة هذا الشرط (وقد صحح السيد اليزدي قدس سره هذا الشرط سابقاً) أو يشترط العامل على المالك شيئا إن لم يحصل ربح و ربما يظهر من إطلاق بعضهم (وهو العلامة في التذكرة) ثبوت أجرة المثل مع عدم الربح و لا وجه له أصلا لأن بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشي‌ء سوى الربح على فرض حصوله كما في الجعالة"[3] .

ونحن أضفنا إلى قول السيد قدس سره أن المالك أيضاً خسر بعدم حصول الربح فالخسارة غير منحصرة بالعامل، مع إمكان حمل كلام العلامة قدس سره في التذكرة على كون ذلك السائد عرفاً أو بشرطٍ، والله العالم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo