< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إستحقاقات إنتهاء المضاربة 4 / أحكام المضاربة

 

"السادسة لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها و جبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا وجهان أقواهما العدم من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك"[1] .

 

لازال الحديث عن الإستحقاقات المتعلقة بإنتهاء المضاربة، ومنها الديون المتراكمة التي تكون للمالك على الناس، فهل يجب على العامل إستيفاؤها منهم وردها إلى المالك نقداً أم لا؟

ومن المسائل المرتبطة بالمقام هي مسألة موت العامل أو المالك، فهل تنتقل الحقوق والواجبات إلى الورثة أم ليس كذلك؟

وقبل الخوض في المسائل المختلف فيها نقول:

مرجعية رد مال المضاربة أحد أمورٍ ثلاثة: فإما يكون الدليل الخاص مثل ما استند البعض في أكثر من مورد بقول النبي صلى الله عليه وآله: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي"[2] ، وإما هو العرف، وإما العقل والأدلة الشرعية العامة الداعية إلى إقامة القسط وإعطاء كل ذي حقٍ حقه.

أما العرف، فهو متغيرٌ بتغير الزمان والمكان، ويبدو أن إختلاف الفقهاء في بعض المسائل كان بسبب بيانهم للمتعارف في زمانهم وحيث تختلف أزمنتهم تختلف الأعراف أيضاً.

وأما الدليل الخاص وهو النبوي المزبور المستفاد منه القاعدة المعروفة فالإستدلال به على وجوب إستيفاء الديون على العامل يرجع إلى كيفية فهم الرواية، فإذا فهم منها وجوب رد اليد للمأخوذ كما كان فهو، كما فهم بعض الفقهاء من النص وجوب إعطاء المثل للمستحق لا القيمة لقربه من المأخوذ، وكأنهم إستفادوا خصوصية "بمثل ما أخذت" من الرواية، فإن كان المال المأخوذ نقداً وجب إرجاعه نقداً كما كان، لا عروضاً أو ديوناً.

أما إن لم نستطع فهم ذلك من الرواية أو العرف فحينئذ يحكم العقل بالرجوع إلى عمومات الشرع، والتي تحكم بالحق والعدل، والحق يقتضي أن كل شيءٍ كان مشتركاً بين إثنين فعليهما معاً تحمل مسؤوليته، فإن كانت الأموال ديوناً بيد الناس فلا يفرض على العامل وحده إستردادها بل يشترك هو والمالك في ذلك، كما لا يكلف المالك وحده بالأمر، نعم؛ ربما يحكم القاضي بتوكيل شخصٍ للقيام بالأمر كما هو معمول في أغلب المحاكم.

أما ما قيل بوجوب إرجاع العامل الأموال نقداً إلى المالك لأخذه لها كذلك، وكون النقد يتفوق على مال الدين بدرجة لإحتمال عدم وفاء الغرماء فسيكون العامل قد أعطى أقل مما أخذ، ففيه:

أولاً: لم يعمل العامل لنفسه ولمصلحته فقط كي يكلّف ذلك، بل كان عمله لمصلحة المالك أيضاً وكان بإذنه.

ثانياً: لا كلية في كون الدين أقل من النقد، بل ربما كان العكس لتحقق الربح في الدين أكثر من تحققه في النقد.

واما ما أستدل به في وجوب الإستيفاء على العرف فلا خلاف فيه إذا ثبت أن العرف يحكم كذلك، ولكن الحال في الإختلاف في تشخيص حكم العرف مع إختلافه.

وأما الإستدلال برواية "على اليد" فهو على عاتق من يفهم تلك الخصوصية منها، وشخصياً لم أستطع فهم ذلك منها، لأن كلمة "حتى تؤدي" – وإن قال بعض الفقهاء بإنصراف الأخذ إلى خصوص الأخذ الغصبي- بالرغم من أنها تشمل الأخذ في العقود أيضاً رغم كثرة إستعمال الكلمة في اللغة في خصوص القهريٍ منه، فبالرغم من ذلك، لابد من ملاحظة أن المقام مقام العمل المشترك، فليس الأخذ عاريةً أو غصب، بل المنفعة مشتركة بين العامل والمالك، فمن الصعب تحكيم الرواية في هذا الإتجاه.

وفي المقابل قال بعض الفقهاء بأن الأصل عدم شيءٍ وتكلفةٍ على العامل بإنتهاء المضاربة، قال السيد اليزدي قدس سره: "السادسة لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها و جبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا وجهان أقواهما العدم من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك"[3] .

نحن نرى أن القضية أوسع من هذا، فالإستحقاقات اللاحقة للمضاربة، إن لم نعلم على من تكون، فالأصل أنها تكون على الطرفين، خصوصاً إن كان فيها مؤونة إضافية، لإشتراك الطرفين في العقد، خصوصاً حالة كون الفسخ من جهة العامل.

 

موت العامل أو المالك

أما فيما يرتبط بموت أحد المتعاقدين، فقد قال السيد قدس سره: "السابعة إذا مات المالك أو العامل قام وراثه مقامه فيما مرّ من الأحكام"[4] .

وفي المقام بحوثٌ:

الأول: لإبن آدم حقوقٌ على الناس، كما عليه حقوقٌ لهم، فإذا مات يرث وارثه ما له من الحقوق، مثل حق الرهن وحق التحجير وغيرهما، حيث يصدق عليها عنوان التركة التي يرثها الوارث، اللهم إلا ما استثني للشك في إطلاق التركة عليه.

أما ما كان عليه من الحقوق فلا دليل بإنتقاله إلى الورثة مطلقاً، سوى الدين لقوله سبحانه: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ﴾[5] ، فإن صدق على الحق عنوان الدين إنتقل إلى الورثة أما ما لا يسمى ديناً فيشك في إنتقاله، كما لو فرض في حق رد السلام إذا مات المورّث هل على الوارث أن يرد السلام؟

وما نحن فيه، فهل تعد الحقوق المالية من الدين لتنتقل مثل إنضاض المال أو جباية الديون على القول بهما؟

يرى السيد اليزدي قدس سره إنتقال الأحكام كلها من الشخص إلى ورثته، وإستشكل بعض المعلقين عليه – وربما أغلبهم- بعدم الدليل على إنتقال كل ما عليه مع عدم صدق عنوان الدين عليه.

وإستشكل المرجع الشيرازي قدس سره على المحشين بأن إنتقالها يكون في مقابل أمرٍ آخر، فلو كان المال عروضاً وبه أرباحاً فإن العامل يبيعها ليأخذ حصته، وكذا يقوم الوارث بنفس الدور.

أما نحن فنرى والله العالم أن كل شيء متعلق بالمعاملة فهو دينٌ، فلا نجزّء الإستحقاقات إلى أجزاء نورّث بعضها دون الآخر، فالمعاملة المالية يصدق عليها الدين التي تنتقل إلى الورثة، نعم؛ إذا شككنا في صدق عنوان الدين على أمرٍ ما فالأصل هو العدم وبالتالي عدم الإنتقال. وبهذا نوافق ما ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره.

أما بالنسبة إلى المالك فالأمر ذاته، فبموته يرث أهله حق المطالبة بالمال، فإن قلنا بوجوب إنضاض العامل للعروض أو إستيفاء الديون كان للورثة مطالبته بذلك، وكذا لو قيل بوجوب التقسيم على المالك بعد ظهور الربح وجب على الورثة التقسيم.


[2] . جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج23، ص1138.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo