< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع في المضاربة 1 / أحكام المضاربة

 

"إذا ادعى على أحد أنه أعطاه كذا مقدارا مضاربة و أنكره‌و لم يكن للمدعي بينة فالقول قول المنكر مع اليمين‌"[1]

 

يبحث الفقهاء عن صور النزاع في نهاية مسائل كل باب، وهنا الحديث عن صور الخلاف الناشئة بين المالك والعامل، فقد يكون النزاع في أصل المضاربة وقد يكون في التفاصيل.

وفي المسألة التاسعة بعد الأربعين يذكر السيد اليزدي قدس سره صورة النزاع في أصل المضاربة حيث يقول: "إذا ادعى على أحد أنه أعطاه كذا مقدارا مضاربة و أنكره‌ ولم يكن للمدعي بينة فالقول قول المنكر مع اليمين‌"[2] .

وهو واضحٌ، حيث يقدم قول منكر المضاربة مع يمينه، ولكن هناك موضوعٌ يرتبط بهذه المسألة وما يليها من المسائل عن تعارض الأصل والظاهر، ففي مثل مسألتنا لو كان العامل شخصاً معروفاً بعدم المال، فإذا به يمسي ذا ثروة بعد إرتباطه بالمالك، فالظاهر يقتضي وجود المضاربة، فهل لهذا الظاهر حجية أم لا؟

إن أمر ذلك عائدٌ إلى القاضي، فإن حصل عنده العلم والطمأنينة من خلال هذا الظاهر على كونها ليست منه فيحكم للمالك، فيكون مثل هذا الظاهر مقدماً على الأصل، فالأصل أصيل حيث لا دليل ومثل هذا الظاهر يكون دليلاً.

والأمر ذاته يصدق على المسألة التالية التي كثر فيها الخلاف بين الفقهاء الخاصة منهم والعامة المرتبط الخلاف في قدر مال المضاربة، فإذا إدعى المالك أن المال ألف، وأنكر العامل خمسمائة الزائدة، فالقول قوله مع اليمين إن لم يكن للمالك بينة.

أما إذا إنعكست المسألة فأدعى العامل الزيادة لسببٍ ما فهو مدعي الزيادة، قال السيد قدس سره: "إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال‌ الذي أعطاه للعامل قدم قول العامل بيمينه مع عدم البينة من غير فرق بين كون المال موجودا أو تالفا مع ضمان العامل (لكونه في الذمة) لأصالة عدم إعطائه أزيد مما يقوله و أصالة براءة ذمته إذا كان تالفا بالأزيد هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح و علم أن الذي بيده هو مال المضاربة إذ حينئذ النزاع في قلة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا‌ المال الموجود إذ على تقدير قلة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر فيكون نصيب العامل أزيد وعلى تقدير كثرته بالعكس"[3] .

وههنا بحوثٌ وقبل بيانها نذكّر ببعض المباني:

الأول: المشهور عند الفقهاء أن الربح تابعٌ لرأس المال، فليس للعامل سوى ما يعين له أو يقتضيه جهده بأجرة المثل، مستدلين على ذلك أن الربح كالنماء تابعٌ للأصل، ولم نجد لهذا الإستدلال أصلاً.

وقال بعض القدماء أن الربح ينتقل كله إلى ملك المالك أولاً، ومنه إلى العامل بما إتفقا عليه، ولا ندري كيف حكموا بذلك، فحسب فهمنا للواقع ولأقوال الكثير من الفقهاء مثل المحقق الثاني بأن الربح ليس تابعاً للمال فقط بل هو حصيلة جهد العامل أيضاً، بل قد يكون تأثير العامل أزيد في حصول الربح.

ونحن نعتمد في المقام على عموم قوله سبحانه: ﴿لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن‌﴾[4] ، وقوله تعالى: ﴿وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾[5] ، وقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "لا يتوى حق امرء مسلم"، وعموم هذه النصوص يدل على أن جهد كل شخصٍ لابد أن يرجع إليه، ومن هنا نجعل ميزاناً لإحتساب جهد العامل ليعطى بقدره، ويكون العامل شريكاً للمالك في الربح.

نعم؛ على مبنى المشهور بأن المال كله للمالك إلا ما أستثني بالإتفاق فيقدم قول المالك في مثل هذا الإختلاف.

الثاني: هو قاعدة اليد، فلماذا يقال بحجية اليد أساساً، حيث أن كل يد على شيء لم يسبقها قاعدة أخرى يحكم بملك صاحبها؟

هذا النظام هو نظام عقلائي وعرفي، بل المجتمعات قائمةٌ على أساسه، ولعل السبب في حجية اليد أن الإنسان يدافع بطبعه عن حقه وماله، فلا يدع شخصاً يستولي عليه.

وفيما نحن فيه حيث كان الربح بيد العامل فيده حجة عليه، وإقراره بقسمٍ منه للمالك لا يدل على عدم ملكه للقسم الآخر، ولكن الفقهاء ذهبوا إلى خلاف ذلك حيث قال السيد قدس سره: "ومقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك إلا بمقدار ما أقر به للعامل"[6] .

ولم نعرف لهذا الأصل أصلاً، فلمَ يكون الأصل والربح للمالك؟ قالوا لأن الربح تابعٌ لأصل المال فيكون كله للمالك.

وقال آخرون بأن النزاع يرجع إلى أصل العقد، بأن يدعي أحدهما عقداً بألف دينار، والثاني يدعي عقداً بألفين، وحينها يكون التداعي الذي ينتهي إلى التحالف والتساقط، وبعدئذ لا أصل يرجع إليه في المقام، سوى الأصول العملية أو الصلح.

لكن هناك رأيٌ آخر بتقديم قول العامل بإعتباره صاحب اليد أولاً، وعدم كون الربح تابعاً للمال ثانياً.

ثم قال السيد قدس سره: "وعلى هذا أيضا لا فرق بين كون المال باقياً أو تالفاً لضمان العامل إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلا كذا مقدار منه فإذا تلف مع ضمانه لا بد أن يغرم المقدار الذي للمالك‌"[7] .

 

بين مصب الدعوى ومآله

هل الأصل في القضاء هو مصب الدعوى وكيفية إقامتها أم مآلها؟

قال البعض كالسيد الشيرازي رحمه الله، بأن الأصل بحسب مصب الدعوى وليس المآل أو علم القاضي، وبذلك بالإمكان أن يتغير الحكم بتغير طريقة طرح الدعوى، فيمكن أن يصير المدعي منكراً والمنكر مدعياً.

والبعض الآخر قال بأن الأهم هو مآل الدعوى.

وللسيد الخوئي في هذا المجال قولٌ دقيق حيث يقول أنه لا رواية عندنا ولو ضعيفة تميز المدعي عن المنكر وكيفية تشخصيهما، ونضيف إلى ما أفاده قدس سره، حسب فهمنا للنصوص الشرعية أن للقاضي في الإسلام دورٌ واسع في باب القضاء، فعليه أن يشخّص من هو المدعي الحقيقي ويميزه عن المنكر، مع ملاحظة الظواهر والقرائن وما يؤثر في نتيجة الدعوى.

ومن هنا نجد أن نصف نصوص كتاب القضاء – كما في الوسائل- ترتبط بصفات القاضي، مما يدل على التركيز على صفات القاضي الذي له صلاحيات واسعة.

ونحن نرى أن الثاني (مآل الدعوى) هو الأقرب لأن الهدف من القضاء ليس مجرد فض النزاع، بل الهدف منه إيصال الحق إلى صاحبه، حتى إذا إستلزم ذلك تأخير الحكم وتجديده المرة بعد الأخرى، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo