< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع في المضاربة/ 6

 

"لو ادعى المالك الإبضاع و العامل المضاربة يتحالفان‌و مع‌ الحلف أو النكول منهما يستحق العامل أقل الأمرين من الأجرة و الحصة من الربح و لو لم يحصل ربح فادعى المالك المضاربة لدفع الأجرة و ادعى العامل الإبضاع- استحق العامل بعد التحالف أجرة المثل لعمله‌[1] ".

 

كان الحديث عن الخلاف بين المالك والقابض في نوع العقد، فقال المالك أنه بضاعة وقال المالك بل هو قرض.

وقد سبق القول بأنّا أمام نظريتان في مثل المقام:

الأولى: تحالف الطرفين، وهي مبنية على أن الأصل هو مصب الدعوى، لإنكار كل منهما ما يدعيه الآخر، فيتحالفان.

الثانية: لابد من معرفة المدعي وتمييزه عن المنكر بعيداً عن ظاهر الدعاوى، الأمر الذي قد يكون مشكلاً في بعض الحالات، ولذا يعتمد أصحاب هذه النظرية على بعض النصوص الواردة فيما يرتبط بالرهن والوديعة، والتي تفيد قواعد عامة في مثل هذه الموارد.

روايات المقام

صحيحة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام: عَنْ رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةً وَ قَالَ الْآخَرُ إِنَّمَا كَانَتْ عَلَيْكَ قَرْضاً قَالَ عليه السلام:"الْمَالُ لَازِمٌ لَهُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً"[2] ، فالأصل وجوب إرجاع المال المأخوذ، فدعوى الوديعة بحاجة إلى بينة[3] .

صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فِي رَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ صَاحِبِهِ رَهْناً فَقَالَ الَّذِي عِنْدَهُ الرَّهْنُ ارْتَهَنْتُهُ عِنْدِي بِكَذَا وَ كَذَا وَ قَالَ الْآخَرُ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ فَقَال عليه السلام: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الَّذِي عِنْدَهُ الرَّهْنُ أَنَّهُ يَكُونُ بِكَذَا وَكَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الَّذِي لَهُ الرَّهْنُ الْيَمِينُ"[4] ، فالرهن أمرٌ إضافيٌ على الوديعة، فهو بحاجة إلى بينةٍ تثبته.

 

بين المضاربة والبضاعة

فيما لو إختلف المالك وقابض المال في تحديد العقد بينهما هل هو بضاعة أم مضاربة فقول أيهما يقدم؟

قبل الإجابة لابد أن نقول: أن البضاعة على نوعين:

إبضاعٌ بلا أجر: بأن يكون العامل في المال متبرعاً في عمله فلا يكون له شيء من الأجر أو الربح.

إبضاعٌ بأجر: بأن يكون للعامل أجر.

فإن كان دعوى المالك بأنه بضاعة من النوع الثاني فيتوجه التحالف حينئذ، لوجود عقدين مختلفين في المقام، وبالرغم من أن كليهما ينتهيان إلى أجرٍ معين للعامل، إلا أن الفرق يظهر بين أجرة المثل في البضاعة أو الحصة المسماة في المضاربة.

أما الإبضاع الذي يكون بلا أجر، فإن قلنا بأن المحور في الدعوى مصبها، فالمتوجه التحالف، أما إذا قلنا مآل الدعوى هو الأصل فالقول هو قول مدعي المضاربة، لماذا؟

لأن قوله موافق للأصل، فالإنسان يملك نفسه وعمله، فمن أخذ مالاً – بأية صفةٍ - وعمل فيه فلا يتوى حقه، وهذا أصلٌ شرعيٌ عقلائي يفيد أن العامل يستحق شيئاً مادامه لم يتبرع بعمله، وعلى مدعي التبرع البينة.

أما السيد اليزدي قدس سره، فكأنه يرى الإبضاع كله من نوعٍ واحد وهو بأجر، ولذلك يذهب إلى التحالف، فإذا تحالفاً أو نكلاً جميعاً، فالأصل هو إستحقاق العامل شيئاً هو الأقل بين أجرة المثل أو مسمى الربح، فإذا كان أجر المثل أكثر من المسمى لا يأخذ سوى الربح لإقراره بعدم إستحقاق أزيد من المسمى، قال قدس سره: "لو ادعى المالك الإبضاع والعامل المضاربة يتحالفان‌ ومع‌ الحلف أو النكول منهما يستحق العامل أقل الأمرين من الأجرة والحصة من الربح (ولو عكست الصورة بأن القابض إدعى أنها إبضاع ـ لأن السيد يرى الإبضاع فيه أجر مطلقاً ـ والمالك قال إنه مضاربة، قال السيد:) ولو لم يحصل ربح فادعى المالك المضاربة لدفع الأجرة وادعى العامل الإبضاع- استحق العامل بعد التحالف أجرة المثل لعمله‌[5] ".

فهنا قولان:

الأول: ما ذهب إليه السيد بأن العامل يستحق أجر عمله بعد تحالفهما أو نكولهما، إلا إذا قامت البينة على تبرعه.

الثاني: عدم الحاجة إلى التحالف، لأن المشكلة مشكلة الأجر والمالك يريد التملص منها، والعامل يملك الأجر لأنه يملك عمله، ولا يتوى حق امرء مؤمن.

ولكن السيد يرى ضرورة التحالف، لأن النزاع صار في نوع العقد، وفيه أن مصب الدعوى ليس هو المعيار بل يجب النظر الى مآل الدعوى، فهل يستحق العامل شيئاً على عمله أم لا يستحق؟

وقد ذهب أغلب المعلقين إلى عدم وصول الأمر إلى التحالف، بل يعطى العامل أجرته، وهو متين بناءاً على ما ذكرنا، مضافا الى أن الأئمة عليهم السلام لم يأمروا في مثل هذه الخلافات بالتحالف.

 

الإختلاف في الربح

إذا إختلفا في مقدار الربح بعد الإتفاق على مقدار المال ومقدار الحصة، كما لو قال العامل ربحت كذا وادعى المالك أزيد منه، أو قال لم أربح وقال المالك بل ربحت، فالقول قول العامل لأنه أمين وليس عليه سوى اليمين، مع قولنا بإمكان تضمينه بالشرط.

قال السيد قدس سره: "إذا علم مقدار رأس المال و مقدار حصة العامل‌ واختلفا في مقدار الربح الحاصل فالقول قول العامل كما أنهما لو اختلفا في حصوله وعدمه كان القول قوله" [6] .

أما لو كان الإختلاف في حصة العامل الذي قد يكون تارةً بسبب الإختلاف في تحديدها أو الإختلاف في قدر رأس المال، فيقدم قول من؟

تختلف الأقوال بإختلاف المباني كما ذكرنا فإن قلنا بأن مصب الدعوى هو المعيار فلابد من التحالف، أما إذا قلنا بالمآل فلابد من تشخيص المنكر والقول قوله.

ثم إذا قلنا بأن المال والربح كله للمالك إلا ما جادت نفسه للعامل، فالقول قوله.

وثالثةً إن قلنا بحجية قول صاحب اليد مطلقاً فالمقدم قول العامل لأنه صاحب اليد بخلاف مالو لم نعتبر حجية لليد في المقام.

أما بناءاً على مبنى السيد الذي يرى ملك المالك للمال والربح، فمتى ما ثبت إعطاء المالك شيئاً للعامل أعطيناه وإلا فلا، كما أن مبنى السيد بأن المعيار هو مصب الدعوى.

ونحن نقول: كما أن المالك يملك المال وللمال نصيبٌ من الربح، فالعالم يملك جهده وللجهد نصيبٌ في الربح أيضاً، أما اليد فإن قلنا بحجية يد العامل فقوله في تمييز الربح عن رأس المال مسموعٌ، ومن هنا ففي كلام السيد نظرٌ من عدة جهات، قال السيد: "ولو علم مقدار المال الموجود فعلا بيد العامل واختلفا في مقدار نصيب العامل منه فإن كان من جهة الاختلاف في الحصة أنها نصف أو ثلث فالقول قول المالك قطعا وإن كان من جهة الاختلاف في مقدار‌ رأس المال فالقول قوله أيضا لأن المفروض (وهو دليل الفرعين) أن تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلا و ربحا و مقتضى الأصل كونه بتمامه للمالك إلا ما علم جعله للعامل"[7]

ونحن نرى أن الأمر على العكس تماماً، باعتبار عمل العامل، فنرجع إلى العرف ليشخص مقدار تأثير المال ومقدار تأثير العمل، فمن يدعي ما يراه العرف يكون منكراً والقول قوله، وتجب البينة على الآخر.

ويشير كلام السيد إلى ما أفاده البعض: بأن العامل يدعي أنه أخذ تسعين ديناراً، والمالك يقول بل مائة، فالأصل أنه لم يأخذ المائة، بل التسعين فقط، والسيد يرده بأن الأصل أيضاً بأنه لم يأخذ التسعين، وبتعبير آخر فإن هذا الأصل أصلٌ مثبت، فحين نقول الأصل أنه لم يأخذ مائة، فإذاً أخذ تسعين، وهو من تحميل الحكم الشرعي على لوازم الأصل، قال السيد: "وأصالة عدم دفع أزيد من مقدار كذا (تسعين مثلاً) إلى العامل لا تثبت كون البقية (من التسعين إلى مائة وعشرين مثلاً) ربحا مع أنها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا فيبقى كون الربح تابعا للأصل إلا ما خرج‌"[8] .

وهو دقيقٌ ولكنه أجنبيٌ عن المقام، أما دقته فلأن الأصل لا يثبت شيئاً بل ينفي، فالأصل هو عدم أخذ المائة، أما أن نثبت به أن الربح مقداره ثلاثين دينارا فلا، لأن أغلب الأصول هي في مقام نفي شيء لم نعرف ثبوته، ولذا نقول بعدم حجية الإستصحاب في صورة الشك في المقتضي.

وبعبارة أخرى: قوله أن الأصل أنه لم يأخذ إلا التسعين صحيح، ولكن لازمه الذي يفيد بأن الربح يبدأ من التسعين فصاعداً بحاجة إلى دليل، وعدم الثلاثين أصلٌ أيضاً، فلما تعارضت الأصول تساقطت والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


[3] . وذلك لأن الودعي أمينٌ فلا يضمن تلف المال بخلاف القرض. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo