< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التنجيز في المضاربة 2 / الملحقات

 

فيما يرتبط بالمسألة الأولى التي ذكرها السيد اليزدي قدس سره، بقي أمر لابد من التعرض له بإختصار وهو ما يتعلق بالأصول المتعارضة وكيفية التعامل معها، وينبغي أن نعرف أولاً أن الأصل (كأصل الطهارة وأصل الصحة وغيرهما) يعمل عند الشك في الواقع، فكل أمر تعلق موضوعه بالشك وكان موضوعه الشك فهو أصلٌ، بينما الأمارة ليست موضوعها الشك وإنما هي دليلٌ بنفسها، ولا علاقة للدليل بحالة الشك أو العلم، فقد يكون العلم موجوداً مع توفر الأمارة.

ومن هنا، فإن الأمارة مقدمةٌ على الأصول دائماً فلو تعارض أصلٌ كأصالة الصحة مع بينةٍ فهي المقدمة، لأن البينة ترفع الشك الذي هو موضوع تطبيق الأصل.

ولكن بين الأصول أصلٌ هو البرزخ بينها وبين الأمارات، وهو الإستصحاب الذي من جهة كون موضوعه الشك يعد أصلاً، ولكن من جهة أنه يسحب العلم من حالةٍ أو زمانٍ إلى حالةٍ أو زمانٍ أخر فكأنه أمارة، حتى عبّر البعض عنه بأنه عرش الأصول وفرش الأمارات، فالإستصحاب مقدمٌ على سائر الأصول من جهة إبقائه للعلم المتقدم، فإذا شك في نجاسة شيء أصل الطهارة يقتضي طهارته ولكن إن كان ثم علمٌ سابق بالنجاسة فهو المقدم على أصالة الطهارة.

وأما إذا حصل التعارض بين أصلين متساويين فينتهي الأمر إلى التساقط وحينئذ نرجع إلى الأصل الأعم حتى الوصول إلى الأصل الأزلي، وهو ما نسميه بأصل الإطار.

 

التنجيز

وأما عن إشتراط التنجيز في العقود فقد ذكرنا أن إعتبار الفقهاء له ليس لأجل النص بل بإعتبار عدم تحقق القصد به حيث يتنافى التعليق مع العقد، حيث يصير العقد بالتعليق وعداً.

وقد ذكرنا أن العقد إن كان يتنافى مع التعليق في الواقع الخارجي فيبطل به، أما إن لم يكن متنافياً فلم يكن وعداً بل كان عقداً مبرماً وإنما جاء التعليق في المنشأ فلا يبطل.

وأما الفقهاء فقد إستدلوا على إشتراطه بأمور:

أولاً: الإجماع، وردّ بأنه مشكوك التحقق لعدم تطرق جمعٍ منهم لهذه المسألة الفرعية، ومن ثم فهو محتمل الإستناد فليس بحجة.

ولكن لدينا إشكالٌ في رد الإجماع بهذه السهولة حيث أن دعوى الإجماع من الفقهاء يحملنا على التوقف عنده بالرغم من عدم صحة التقليد أيضاً، فلا تقليد ولا تهاون في رأي، ومن هنا لابد أن نفتّش في سبب هذا الإجماع، هل كان بسبب ولائيٍ أو غيره؟

وثانياً: عدم معهودية العقد المعلق، وفيه: ليس كل عقدٍ لم يعهد باطل.

وثالثاً: عدم شمول عمومات العقود للعقد المعلق، وفيه: أن عموم الآية شامل له، وكذا إطلاق آية التراضي.

مضافاً إلى وجود عقودٍ غير منجزة كالوصية (بناءاً على كونها عقداً) فهي معلقة على قبول الوصي وموت الموصي، وكذا التدبير، وأيضاً الوكالة المعلقة التي يقول فيها الموكل: أنت وكيلي في التصرف بعد عودي من السفر، حيث قالوا بالصحة بأن يصبح وكيلاً دون أن يسوغ له التصرف حتى عوده، وحينئذٍ لا فرق بين التعليق في أصل التوكيل أو التصرفات.

وفيما يلي بعض كلماتهم:

قال المقدس الأردبيلي قدس سره تعليقاً على العلامة في الإرشاد في باب الوكالة: "وما أجد فرقاً بين التعليق بمجي‌ء شهر مثلًا، و التنجيز مع المنع عن فعل الموكل فيه إلّا بعد شهر مثلًا بحسب المآل، بل ما نجد لوجود التوكيل منجزاً الآن مع المنع عن التصرف فائدة، إلّا أنه ادعي فيه الإجماع مع عدم ظهور الخلاف و لا نص هنا"[1] .

أما السيد عبد الكريم الأردبيلي قدس سره فقال في كتابه (فقه المضاربة): "فنقول: لا دليل في المسألة إلّا الإجماع و التسالم بين الفقهاء من القدماء و المتأخرين لو كان دليلًا، أما التعليل بأن التعليق لم يكن أمراً متعارفاً بين المسلمين، كما في كلمات بعض، كالقول بأن أثر العقد لا بد و أن يكون حاصلًا من حين صدوره و في العقد المعلق لا يكون كذلك، ليس كلاماً علمياً؛ لأن عدم كون عقد متعارفاً في عصر لا يدل على بطلانه في الشرع بعد شمول الإطلاقات و العمومات له "[2] .

وهذا ما يؤيد السيد المرجع الشيرازي قدس سره حيث قال: "وفي الكل ما لا يخفى: لأن الإجماع إن تم موضوعاً مشكل حكماً، لأنه محتمل الاستناد، والكيفية المتلقاة من الشارع لا تقيد بعد ظهورها في أنها أحدى الصور، ووجود الإطلاق المحكم في أمثال ذلك، والضرورة في النكاح والطلاق فارقة، فكيف يقاس بهما ما لا ضرورة فيه، ولا منافاة بين التعليق والمعاقدة عند العقلاء، بل الظاهر أنهم لا يفرقون بين المعلق وغير المعلق، كما يشهد بذلك الرجوع إليهم".[3]

والحاصل: أن الإختلاف بين الفقهاء ـ حتى السابقين منهم ـ يزعزع الإجماع المدعى، فحتى من ذكره كشرطٍ ثنّى بذكر بعض الإشكالات في هذا الشرك، فضلاً عن عدم ذكر البعض له أصلاً.

نحن نقول: أن آية الوفاء بالعقود في سورة المائدة تشمل كل ما كان عقداً عرفياً، وكذا آية التراضي، أما ما قاه البعض بعدم وجود التراضي مع التعليق فنقول أن عدم وجود التراضي ليس أمراً نظرياً بل هو راجعٌ إلى الواقع، والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[2] فقه المضاربة، المقدس الأردبيلي، ص380.
[3] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج54، ص381.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo