< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موت العامل و سفهه / الملحقات

 

" تبطل المضاربة بعروض الموت‌كما مر أو الجنون أو الإغماء كما مر في سائر العقود الجائزة و ظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقا أو أدواريا و كذا في الإغماء بين قصر مدته و طولها فإن كان إجماعا و إلا فيمكن أن يقال بعدم البطلان في الأدواري و الإغماء القصير المدة.."[1]

 

من المسائل الملحقة بكتاب المضاربة ما يرتبط بموضوع موت أحد طرفي المضاربة، فقد سبق وأن ذكر ويبدو أنه المتسالم بأنها تبطل بموت أحدهما، إلا أن ذلك قائمٌ على أساس أمرين غير ثابتين وهما:

الأول: كون المضاربة عقد جائز وقد قلنا بإمكان كونها من العقود الجائزة وقد يكون لازماً إما بإمكانه مطلقاً كما نرى أو حسب الشرط كما ذهب إليه صاحب العروة ولو في عقدٍ آخر.

الثاني: إعتبار المضاربة ضرباً من الوكالة وهو مشكوكٌ فيه أيضاً، إذ أن المضاربة عقدٌ قائمٌ بذاته وإن أفاد فائدة الوكالة في بدايته – كما قال الشهيد الأول -.

فلماذا لا يقال بإنتقال العقد إلى ورثة الميت كسائر الأموال والحقوق المالية المشمولة بتعبير "ما ترك"، ومن هنا؛ إن تعاقد العامل في مضاربةٍ فإما أن يكون هناك شرطٌ بعدم التعامل مع الورثة فهو، وإما يشترطا الإستمرار لفترة معينة فعلى ما شرطاً أيضاً، أو يعتمدان العرف مرجعاً، فنحن نعتمد حينئذٍ عليه في إنتقالها إلى الورثة وعدمها.

واليوم هناك شركات إستثمارية تقضي بإنتقال المضاربة من شخصٍ إلى أجنبي – غير الورثة - بإعتبار الشركة هي شخصية حقوقية ممكن أن يتغير الأشخاص مع بقاء الشخصية.

ومثل الموت ما يشبهه كالجنون والإغماء والسفه والحجر، وهنا لابد أن نقدم مقدمة للأهمية:

كما في الكلام كذلك في العمل، تتحكم القرائن في الموضوع، وهو ما يسمى في الكلام بالقرائن الحالية والمقالية، وفي العمل يعبّر عنه "بمناسبة الحكم والموضوع" ، فلو طلب أحدٌ ماءاً والحال أنه قد رفع كمّيه نعلم أنه يريده للوضوء، كذلك في تناسب الحكم والموضوع، حيث ينظر الحكم يتناسب مع أي موضوع، ففي موضوعنا: قال الله سبحانه: ﴿وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتي‌ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياما﴾[2] ، فمن الواضح حكم القرآن بعدم أخذ السفيه للمال، ولكن لابد أن نعرف المناسبة وهي في المقام السفيه الذي يتصرف في المال تصرفاً غير لائقٍ، فلو فرض كون السفيه سفيهاً في السياسة مع دقته في الشؤون المالية، فلا يشمله حكم الحجر، ومن ثم فالقرآن يقول : ﴿الَّتي‌ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياما﴾ فالمال قيامٌ للمجتمع كله، فبالرغم من إرتباطه بالشخص إلا أن التصرف الخاطئ فيه قد يؤثر في النظام الإقتصادي للمجتمع كله، فالتصرف السفهي الممنوع هو الذي يفسد النظام الإقتصادي للمجتمع، ولكن قد لا تصل السفاهة إلى هذا المستوى فلا يمنع، أما إذا زاد فسفاهته تصل إلى حد الجنون، وهذا بحاجة إلى دقة.

أساسا؛ المعلوم عرفاً وعقلاً وشرعاً أن الإنسان مسؤول عن فعله، ولكي يكون كذلك لابد أن يكون له صلاحية التصرف، فلو لم يكن لأحدٍ صلاحية التصرف لكبرِ أو مرضِ فلا مسؤولية له، وكذا المجنون لا صلاحية وكذا الذي يكون في غيبوبة طويلة، وألحق بهم الغائب غيبةً لا يرجى عودته منها يفقد الصلاحية، وكذا الإكراه الذي يفقد الإنسان صلاحية تصرفه، أو ما أشبه، فالمهم هو الربط بين الحكم والموضوع، فلما كان الموضوع هو ما يفسد الإقتصاد لابد أن ندرس ما الذي يؤدي إلى ذلك.

ونستفيد لفظة "القوام" في قوله سبحانه: ﴿وَ الَّذينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواما﴾[3] أن يكون العطاء بمقدار الحاجة لأن الأموال جائت من أجل ذلك، فعطاء المؤمن تكون بمقدار ما يقيم أودهم.

 

بيان السيد اليزدي قدس سره

يقول السيد قدس سره: "تبطل المضاربة بعروض الموت‌كما مر (إلا إذا رأى العرف ببقائها إلى أجلٍ فهي تستمر حتى حلول الأجل، هو ما ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره في محلّه خلافاً للمحقق الحلي) أو الجنون أو الإغماء كما مر في سائر العقود الجائزة (وللسيد في الجنون والإغماء ملاحظة وهو مبطلية الدائمٍ منهما أو المؤثر في العقد، حيث لا يعتبر كل جنونٍ مبطلاً ولا كل إغماء فرب جنونٍ أدواري أو إغماءٍ مؤقت حيث لا يقال بالبطلان ونلحق بهما في البطلان التغييب في السجن مع كونه كالموت، قال السيد:) وظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقا أو أدواريا وكذا في الإغماء بين قصر مدته وطولها فإن كان إجماعا وإلا (مع عدم تحقق الإجماع) فيمكن أن يقال بعدم البطلان في الأدواري والإغماء القصير المدة فغاية الأمر عدم نفوذ التصرف حال حصولهما و أما بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد (وهو ردٌ على ما ذهب إليه بعض العامة من ضرورة تجديد العقد بعد الإفاقة منهما، حيث يذهب السيد إلى عدم الحاجة إلى التجديد لعدم بطلان العقد) سواء كانا في المالك أو العامل و كذا تبطل بعروض السفه لأحدهما"[4] وذات الحكم في السفيه لمنعه من التصرف كالمجنون، فلو فرض طرو السفه على المالك بعد رشده، فإن كان إستمرار العقد محتاجاً إلى إشرافه فنقول ببطلان العقد إلا مع تحديده بمدة، فإن كان نوعٌ من الرقابة للمالك على عقود العامل فبعروض السفه على المالك تبطل المضاربة، أما مع عدم تأثير السفه على إستمرارية العقد فلا بطلان للمضاربة.

وكذا السفه العارض على العامل، فيجب أن تخضع معاملاته للدقة، ولو فرضنا سفه العامل ولكن المالك كان قد إشترط عليه منذ البدء بعدم الإقدام على معاملة إلا بإشرافه، فإن سفه غير مبطل لأنه هنا مجرد أداة، أما ما قاله بعض الفقهاء من عدم بطلان المضاربة بعروض السفه على العامل فنقول بلى هي مبطلة فيما لو كان العامل يتصرف في المال مستقلاً، فكما يمنع من التصرف في أمواله يمنع من التصرف في أموال الآخرين أيضاً، وهذا من مناسبة الحكم والموضوع، أما ما قاله البعض بعدم جواز إعطاء أمواله له، لا يعني عدم جواز تصرفه في أموال الغير فهو تفسيرٌ غريب للآية، لأن القرآن الكريم يقول [أموالكم] والذي يشمل أموال الغير أيضاً، فكلما يرتبط بالمال يمنع السفيه من التصرف فيه.

 

الحجر بسبب الفلس

أما إذا عرض الحجر على أحدهما فإن كان على العامل فلا يمنع من العمل تحصيلاً للمزيد من المال، وكذلك المالك إذا حجر عليه بالفلس فلماذا يمنع من التصرف في المال؟ بل يصحح بإجازة الغرماء أو الحاكم الشرعي.

ثم إذا حصل الربح، فقال البعض بأنه للغرماء لأن كل ربح متجددٍ للمفلس يدخل في أطار الأموال السابقة، وقال بعض الفقهاء بعدم علاقته بالمال السابق، وهذا ما نميل إليه مع بعض المحشّين، وذلك لأن القاضي حدد الممنوعية إلى حدٍ معين لا أزيد منه.

أما من قال باللحاق، فاستدلوا عليه بأن العلة في الحجر كان الدين، ومادام الأمر كذلك فكل ما يحصل عليه يكون للغرماء.

قال السيد قدس سره: "أو الحجر للفلس في المالك أو العامل أيضا إذا كان بعد حصول الربح إلا مع إجازة الغرماء".


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo