< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المضاربة في المال المستحق / الملحقات

 

كان الحديث عن المضاربة في المال المستحق، وكان البحث سابقاً عن حالة خسران المال، فماذا لو ربح المال فلمن يكون الربح؟

من الواضح أن الربح يكون لصاحبه، أي أن الربح الذي كان سببه المال فلصاحب المال، وما كان سببه العمل فللعامل، ولكن هناك شقوق لا بأس بالتعرض لها رغم وضوح أصل المسألة.

أولاً: هل رضي المالك بالمضاربة أم رفضها؟ فإن كان راضياً فله بحسب ما شرط المضارب مع العامل في تقسيم الربح، أما إن لم يرض بالمضاربة ولكنه أجاز صفقات العامل فحينئذٍ قيل أن الربح كله له، لأن المشهور عند الفقهاء أن الربح كله تابعٌ للمال كما الصوف تابعٌ للشاة، ولكن حيث قال بعض المعاصرين من الفقهاء بأن للعمل جزء من الربح لأنه هو الآخر سببٌ في حصوله، فللعامل حصته من الربح في قبال عمله.

أما على مبنى القدماء من الفقهاء فيستحق العامل أجرة عمله مع جهله بأن المال مستحق، والأجرة على المالك لأن الغنم له، أو على المضارِب لأنه هو الذي قد غرّه.

أما إذا كان العامل عالماً بإستحقاق المال فعمل وربح فقد إعتبره السيد اليزدي قدس سره متبرعاً بالعمل فلا شيء له، إلا أن المرجع السيد الحكيم قدس سره يشكل في إعتباره كذلك لأنه لم ينو التبرع، بل أقدم على العمل للحصول على الربح فلا يحمل على المتبرع، ويستند السيد على قاعدة الإستيفاء (من إستوفى حقاً فعليه أن يؤديه) في أن المالك هو المطالب بدفع أجرة العامل، وهذه القاعدة رغم أنّا لم نجد لها نصاً صريحاً في الشرع، ولكن يمكن إستفادتها من نصوص أخرى كقوله صلى الله عليه وآله: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ"[1] ، أو "من له الغنم عليه الغرم"، غير أن السيد الحكيم قدس سره يستفيد هذه القاعدة من قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" المشهورة، بتقريب أن لا ضرر تقتضي جبر الضرر، فعلى من جبر ضرر العامل في المقام؟ هو المالك الذي دخل الربح في كيسه.

فالحق حقٌ وقد روي "لا يتوى حق أمرءٍ مسلم"[2] وقد عمل بهذه الرواية بين الفقهاء إلا أن البعض قد استشكل عليها بأنها مروية من الشلمغاني في جزء كلامه المرفوض كلياً، فكيف يؤخذ بهذا الجزء من ذلك الكل؟

ولكن الأمر هيّن مع وجود أدلة كافية في الشرع تدل على عدم ضياع حق المؤمن كقوله سبحانه: ﴿وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾[3] .

فالسيد الحكيم إنطلق من تلك القاعدة لأنه يرى أن الربح الحاصل كله تابعٌ للمال، ولكنا حيث قلنا بأن الربح الحاصل يقسّم أساساً بين المال والعمل، فنحن في غنى عن ذلك كله.

قال السيد قدس سره: "وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله وللعامل أجرة المثل على المضارب مع جهله (لأن المغرور يرجع على من غره، ولكن هذا غريبٌ لأن المضارب لم ينتفع بشيء بل أخطا فهو كالدلال) والظاهر عدم استحقاقه الأجرة عليه مع عدم حصول الربح لأنه أقدم على عدم شي‌ء له مع عدم حصوله (بإعتبار المضاربة من عقود المخاطرة) كما أنه لا يرجع عليه إذا كان عالما بأنه ليس له لكونه متبرعا بعمله حينئذ".[4]

وهذا ما استكشل عليه المرجع الحكيم والعجيب من المرجع الشيرازي موافقته للسيد اليزدي رغم مذهبه في تبعية الربح للمال والعمل، قال السيد الحكيم: "فإنه لم يقصد التبرع، و انما قصد الربح و لو تشريعاً، فيكون المضارب قد استوفى عمله، فعليه ضمانه"[5] .

 

نتيجة المضاربة في سائر العقود

هل للإسلام بيانٌ لطريقٍ واحد للإستثمار بين المال والعمل أم هناك خياراتٌ أخرى؟

الحق أن هناك طرق أخرى تؤدي مؤدى المضاربة، منها الجعالة، حيث يمكن أن تعطي الجعالة صفة المضاربة، كما لو أعلن شخصٌ بأن من إستصلح أراضيه فله نصف الأرباح الحاصلة منها، والفرق بين الجعالة وبين عقد المضاربة في المقام هو عدم التقيد في الجعالة بشروط المضاربة المعهودة.

كما يمكن أن تجعل نتيجة المضاربة في إطار عقدٍ آخر، كأن يكون مهر المرأة العمل في مالها مع جعل حصة من الربح له، فهو نتيجة المضاربة لا المضاربة ذاتها.

وكذا يمكن أن يفيد الصلح فائدة المضاربة، فلسنا مقيدين تماماً بإطار المضاربة كي تقيدنا أحكامها، بل هناك مخارج وطرق أخرى للإستثمار.

قال السيد قدس سره في المسألتين السابعة والثامنة: "يجوز اشتراط المضاربة في ضمن عقد لازم‌ فيجب على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط و لكن لكل منهما فسخه بعده (والسيد البروجردي يستشكل عن فائدة جوازه إذاً مع إمكان فسخه؟ فيقال بأن كل عقدٍ جائزٍ يمكن فسخه من قبل الطرفين ولكنه نافذ، فليس كل عقد جائزٍ يفسخ ضرورة) والظاهر أنه يجوز اشتراط عمل المضاربة على العامل بأن يشترط عليه أن يتجر بمقدار كذا من‌ ماله إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما نظير شرط كونه وكيلا في كذا في عقد لازم و حينئذ لا يجوز للمشروط عليه فسخها كما في الوكالة، (وهذا اشتراط النتيجة لا عقد المضاربة، فشرط عليه العمل في أمواله نتيجته كالمضاربة كما في الوكالة الذي هو عقد جائز فإذا صارت ضمن عقد لازم صارت لازمة إلى حين إنقضاء الوقت. ثم قال السيد قدس سره في المسألة التالية:) يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة ‌كأن يقول إذا اتجرت بهذا المال و حصل ربح فلك نصفه فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة ولا يلزم أن يكون جامعاً لشروط المضاربة فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين أو دينا أو مجهولا جهالة لا توجب الغرر وكذا في المضاربة المشروطة في ضمن عقد بنحو شرط النتيجة فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين"[6] .

وقد أضفنا إلى الجعالة الصلح الذي هو أوسع العقود، والله العالم. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo