< قائمة الدروس

درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: فصّ) في ثمرة البحث عن المعني الحرفیّ و دوره في عمليّة الإستنباط:

يترتّب عليها آثار عديدة :
فمنها: أنّه يثبت المفهوم للشّرط، إن قلنا بکلّيّة المعنی في الحروف و الهيآت، ويکون العکس إن قلنا بالعکس؛ لأنّ مفهوم الشّرط إنّما يتحقّق إذا انتفی سنخ الحکم عند انتفاء شرطه، لأنّ الّذي يتوقّف علی الجعل هو انتفاء السنخ لا الشخص، وأمّا شخص الحکم فإنتفائه بانتفاء موضوعه وهو غير محتاج إلی الجعل.
وتوضيحه: إنّه إن قلنا بکون المعني الحرفيّ جزئيّاً، و کان معني الهيئة أيضاً حرفياً، يکون معنی «أکـرمه» مثلاً شخصياً، فينتفي بانتفاء «مجئ زيد»، وهذا عقليٌ لاغبار عليه. وأمّا إن قلنا بأنّ المعني الحرفي ومنه الهيئات کلّی، وکان له وحدة سنخية، فتتحقّق المفهوم للجملة الشرطيّه.
ومنها: القول برجوع القيد في الواجب المشروط إلی مفاد الهيئة، إن قلنا بکلّيّة المعنی فيها، لإمکان التقيّد حينئذٍ.
وتوضيحه: إنّه إن کان المعنی الحرفي هو الطبيعي کما هو مقتضی قول المحقق الخراساني(قد)، فالأمر في باب رجوع القيد إلی الهيئة سهل، لأنّ المعنی الحرفي حينئذٍ يقبل الإطلاق والتقیید، فیرجع القید في الواجب المشروط إلی مفاد الهیئة.
وأما بنائاً علی جزئیّة المعنی الحرفي وشخصیته فیشکل الأمر؛ لأنّ الجزئي غیر قابل للتّقیید، ومع عدم حلّ هذه المشکلة لامناص من الإلتزام برجوع القید في الواجب المشروط إلی المادة والواجب، فلایبقی مفهوم الشرط، بل تلک الجمل تکون من مفهوم الوصف والقید.
ومنها: قبول معاني الحروف الإطلاق و التقیید، إن قلنا بإستقلالها.
وتوضیحه: أنّهم قالوا: إن قلنا بأنّ معاني الحروف معاني استقلالیة، فهي قابلة للإطلاق والتقیید، وإن قلنا بأنها آلیّة، فلایقبل ذلک؛ إذ المتکلم یُجرّد المعنی عن القید، فإن أخذه لابشرط بالنسبة إلیه فقد جعله مطلقاً، وإن أخذه فیه فقد جعله مقیّداً.
(ولایخفی علیک أنّا استفدنا في تقریر هذه الفِقرات من تحقیق الأصول). (تنظر : تحقیق الأصول: ج1،ص144 ـ 145 )
قال فی مناهج‌الوصول:
«و أمّا الموصولات: فيحتمل أن تكون موضوعة لإيجاد الإشارة إلى مبهم متوقَّع رفعُ إبهامه بحيث يكون عملها أمرين: أحدهما أصل الإشارة، و ثانيهما إفهام المشار إليه المتوقّع للتوصيف لا بما أنّه مشار إليه. و يمكن أن تكون موضوعة لنفس الإشارة إلى المبهم الكذائي حتّى تكون كأسماء الإشارة، و تفترق عنها بالمشار إليه، كما تفترق أسماء الإشارة عن ضمائر الغيبة به. و لا يبعد أن يكون الأوّل متبادراً و ان كان تصوّره لا يخلو من صعوبة، لكنّه غير ممتنع‌».[1]
و أمّا ضمائر المخاطب و المتكلّم: فالظاهر أنّ سنخها يغاير ألفاظ الإشارة و ضمائر الغيبة، فإنّ ضمير «أنا» و «أنت» و كذا المتّصل منه ليس للإشارة جزماً، بل ضمير المتكلّم موضوع لنفس المتكلّم بهويّته الجزئيّة، و ضمير المخاطب للمخاطب الجزئيّ كذلك، كما هو المتبادر منهما، هذا حال معاني ما تقدّم.
و أمّا الوضع فيها: فيكون عامّاً و الموضوع له خاصّاً، و أمّا فيما يكون معانيها من سنخ الحروف فلما ذكرنا فيها«»من عدم تصوّر جامع حرفيّ بينها لا ذهناً و لا خارجاً، و العنوان الاسمي الحاكي عنها بنحو من الحكاية متصوّر، لكن لا يمكن أن يعمل عمل الحروف في الحكاية عن الروابط و الإضافات و الإيجادات، فالحروف كالهيئات في القضايا مطلقاً لا يعقل فيها عموم الموضوع له، فيتطابق فيها البرهانُ و الوجدان.
و كذا الحال في الإشارات و ضمائر الغيبة و الموصولات، سواء قلنا في الأخيرة بتضمّنها معنى الحرف أو بكونها كأسماء الإشارة.
و أمّا ضمير المتكلّم و المخاطب: - ممّا لم تكن معانيها حرفيّة - [فهما] و إن يمكن فيهما عمومه، لكن التبادر على خلافه ضرورة فهم نفس المخاطب و المتكلّم بهويّتهما الشخصيّة من حاقّ اللفظ، و لا يكون «أنت» مرادفاً لمفهوم المخاطب المذكّر، و لا «أنا» لمفهوم المتكلّم... و هكذا، و هو واضح لمن راجع وجدانه.
في أنّ معاني الحروف ليست مغفولاً عنها:
بقي شي‌ءٌ: و هو أنّ ما اشتهر بينهم - من أنّ الحروف آلات لملاحظة حال الغير، و أنّ معانيها مغفول عنها و لذا لا يخبر عنها و بها«»- ليس على ما ينبغي، أما دعوى كونها آلة و مغفولاً عنها فواضحة الفساد بعد أدنى تأمّل في التراكيب الكلاميّة ضرورة أنّ عمدة مقاصد المتخاطبين تفهيم المعاني الحرفيّة و تفهّمها، و قلّما يتعلّق الغرض بغير ذلك، فإنّ القضايا على أنواعها إمّا تفيد الهوهويّة، أو الكون الرابط، أو الإضافات و الانتسابات بين المعاني الاسميّة، فيكون غرض المتكلّم و المخاطب متعلّقاً بها، لا بالموضوع و المحمول، ففي قوله: «زيد موجود» ليس الغرض إفهام زيدٍ و لا مفهومِ الموجود، بل إفهام كون زيدٍ موجودا أي الهوهويّة المُفهَمة بالهيئة، و في قوله: «زيدٌ في الدار» و «عمرو على السطح» يكون الغرض إفهام الكون الرابط.
و بالجملة: بعد كون المعاني الحرفيّة هي المهمّ في التفهيم و التفهّم لا معنى لكونها مغفولاً عنها و آلة للحاظ غيرها، بل هي منظورٌ فيها و ألفاظها آلات للحاظ معانيها كالأسماء، لكن لمّا كانت معانيها على نحوٍ لا يمكن أن تتعقّل إلاّ بتبع الغير يكون إفهامها تبعيّاً لا استقلاليّاً، و فرق واضح بين تبعيّة شي‌ءٍ لشي‌ء في التعقّل و التحقّق و كونه مغفولاً عنه و آلة للحاظ الغير.
و بالتأمّل فيما ذكرنا يتّضح ما في دعوى عدم الإخبار عنها و بها، فإنّ المراد به إن كان عدم الإخبار عنها و بها على وزان المعاني الاسميّة بحيث تقع مبتدأ مستقلاً و خبراً كذلك، فلا شبهة فيه، لكن الإخبار عن الشي‌ء أعمّ من ذلك، و إن كان المراد به عدم الإخبار بقولٍ مطلق، كما يقال: المعدوم المطلق لا يخبر عنه، فهو واضح الفساد ضرورة عدم المانع العقلي عنه و شهادة الوجدان بالخبر عنها و بها في التراكيب الكلاميّة، لكن تبعاً للمعاني الاسميّة، فقوله: «ضربت زيداً في الدار يوم الجمعة» و «وُلد لعمروٍ مولود ساعة [كذا]» يكون الغرض [منهما] إفهام حدوث الضرب منه في محلّ كذا و يوم كذا و حدوث ولادة ابن عمرو ساعة كذا، و يفهم من مثلهما هذا الغرض، و لا يكون إلاّ لكون الحدوث بالمعنى الحرفي يمكن أن يخبر عنه و به، فيصحّ تقييد المعاني الحرفيّة و تعليقها و اشتراطها، فإنكار الواجب المشروط و مفهوم
الشرط و إرجاع القيود الكلاميّة - الظاهرة في الرجوع إلى الهيئة - إلى المادّة بدعوى عدم الإمكان«»ممّا لا ينبغي أن يُصغى إليه.
و قال فی التهذیب:
«الظاهر انها لا تفترق عن ألفاظ الإشارة و أخواتها في انها موضوعة لنفس الإشارة إلى المبهم المتعقب بصفة ترفع إبهامه فتفترق عما تقدم بالتفاوت في المشار إليه كما تتفرق أسماء الإشارة (على قولهم) و حروف الإشارة (على المختار) عن ضمائر الغيبة به أيضا نعم هنا احتمال آخر ربما يصعب تصوره و لا يبعد ان يكون هو المتبادر منها عند إطلاقها و هو ان يقال: انها موضوعة لإيجاد الإشارة إلى مبهم يتوقع رفع إبهامه بحيث يكون عملها امرين أحدهما أصل الإشارة و ثانيهما افهام المشار إليه المتوقع للتوصيف فيكون معنى الّذي و التي معنى مبهم مشار إليه بإيجاد الإشارة إليه فتكون الموصولات متضمنة للمعنى الحرفي و هذا و ان يصعب تصوره لكن بعد التصور يسهل تصديقه و يفترق عن أسماء الإشارة.»[2] (هذا) في غير من و ما و أي و اما فيها فالظاهر انها أسماء وضعت لعناوين مبهمة و الأمر سهل و اما ضمائر الخطاب و التكلم فليست للإشارة قطعا متصلها و منفصلها، بل الثاني موضوع لنفس المتكلم بهويته المعينة، كما ان الأول موضوع للمخاطب بهويته الشخصية و لجميع هذه مرادفات في جميع الألسنة تعطي معناها.
و اما حال الوضع من خصوص الموضوع له أو عمومه فما كان من سنخ المعاني الحرفية و منها الإشارة فانها بالحمل الشائع مما تتحصل و تتقوم بالمشير و المشار إليه و لا يمكن تعقلها بذاتها و لا يستقل وجودها في الخارج كما لا يمكن إحضارها في ذهن السامع كذلك، و قد عرفت انها بهذا المعنى هي الموضوع له لألفاظ الإشارة فعندئذ لا يجد الباحث ملجأ في مقام تحقيق وضعها الا القول بخصوص الموضوع له فيها، لامتناع الجامع الحرفي أي ما يكون ربطا و متدليا بالحمل الصناعي بين المعاني الحرفية لا ذهنا و لا خارجا كما تقدم.
و لا تقصر الموصولات عن ذلك إذ هي على كلا المعنيين من سنخ الحروف سواء قلنا بتضمنها معنى الحرف أم لا - لكن تفترق ضمائر التكلم و الخطاب عنها و عن أشباهها في كون مفادها معان اسمية مستقلة الا انهما متحدان حكما، إذ المتبادر منهما هو الهوية الشخصية لا مفهوم المتكلم أو المخاطب - فتحصل ان الموضوع له في الجميع خاص بحكم التبادر
(بقي هناك شي‌ء)
- و هو انه يقف الباحث عند تتبع كلمات القوم على كلمة دارجة بينهم و هي ان المعاني الحرفية آلات لملاحظة الغير و انها مغفول عنها في الذهن، و يترتب عليه امتناع وقوعها مخبرا عنها و بها، و على ذلك بنوا إنكار الواجب المشروط و مفهوم الشرط لامتناع تقييد معنى الهيئة و أرجعوا القيود كلها إلى المادة - هذا و في المبنى و ما رتب عليه نظر بل الدليل قائم على بطلانهما.
(اما) الأول فلأنك تجدان الغرض الأقصى في الجمل و القضايا ليس الا افهام المعاني الحرفية فكيف تكون مغفولا عنها - إذ مقصود المتكلم في أفق نفسه في تركيب القضايا اما إفادة الهوهوية بين الموضوع و المحمول أو الانتساب و الكون الرابط بين المعاني الاسمية على تفصيل قد عرفت من ان المقصد الأسى في مثل «زيد موجود» هو بيان الهوهوية لا افهام زيد و لا تفهيم موجود و قس عليه مثل «زيد في الدار» - و عليه فهي متوجه إليها البتة كالأسماء لكن لما كانت معانيها غير مستقلات في التعقل و الوجود يكون إفهاما تبعيا لا استقلاليا - و كم فرق بين كون شي‌ء مغفولا عنه و مرآة للحاظ غيره و بين تبعية شي‌ء لشي‌ء في التعقل و التحقق.
(اما) الثاني فيرد عليه بعد إبطال أصله، ان المراد من عدم وقوعها مخبرا عنها و بها، ان كان عدم وقوعها كذلك على وزان الأسماء، فمسلم و لكن الاخبار عنها و بها لا ينحصر في ذلك - و ان كان المراد عدم الاخبار عنها و بها بقول مطلق كالعدم المحض و المجهول المطلق حيث لا يتوجه إليهما القصد و لا يتعلق بهما الغرض، فهو قول كاذب بشهادة الوجدان و ضرورة العقل بإمكان الخبر بها و عنها في التراكيب الكلامية تبعا لأسمائها و ليس الغرض من قولنا: ضربت زيدا يوم الجمعة في السوق، الا افهام حدوث الضرب منا، في مكان كذا و وقت كذا. فهذه القيود قيود للمعنى الحرفي و هو النسبة الكلامية كما هو ظاهر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo