< قائمة الدروس

درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/12/09

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الفرع الرّابع: النتائج المعرفَوية والمنهجَوية المترتبة علي خصائص النصوص الدينيه التي مرّ الالماح اليها، ولاسيما معطيات المختار في هوية لغة الدين.
تتفرّع سلسلة من النتائج والمعطيات المعرِفَوية والمنهجَوية، علي الخصائص المذکورة ـ لاسيما من جهة النظرية المختارة في «الهوية الارتباطية الدلالية» للغة الدّين ـ طباقاً: مبادئَ ثانوية فرعية تارةً، و قواعد منهجية ثانيةً، وضوابط «حو ـ قواعدية» ثالثةً؛ والضوابط تنقسم علي ثلاثة أقسام: منها ما يلعب دوراً بنّاءاً في مقام تصنيع القواعد وتنسيقها، ومنها مايحمل دوراً خطيراً في مقام استخدام القواعد واستعمالها في فهم الدين واستنباط الشّريعة، ومنها مايستخدم کمقياس لاختبار صحة المعرفة الناتجة من استخدام تلک القواعد وعدم صحتها؛ فنقول:
تترتب نتائج مختلفة على الاعتقاد بكون النصوص الدينية وحيانيةً و لدنّيةً (أي من المنزَلات الماورائية والملهَمات الغيبية)، من بينها:
1. عِصمانيةُ المقولات المُدرَجة في النصوص الدينية وعدمُ قبولها للخطأ.
2. «فَوْ ـ بشريَّة» وإعجازية مضامين النصوص الدينية الخاصّة.
3. قدسيّة اللفظ للنصّ الديني کمعانيه، لأنّ الألفاظ و التراکيب البشرية لاتقدر أن تحمل المعارف الـ«فَوْ ـ بشريَّة» کماهي.
4. واقِعَويّـةُ مقولات التي جاءت في تلک النصوص، حيث لا يتلائم عدم الواقعية مع عدم قبولها للخطأ.
5. مرجعية النص الديني وحجيته الدينية (لزوم الاتّباع عنه) (لمفردة "الحجّية" استخدامات متنوعة، من جملتها: أ. الحجّية المعرفوية، و المراد منها إظهاره للواقع وتقنينه وإضفاؤه للوثاقة هو الحجّة، والحجّية المعرفية ليست قابلة للجعل والعزل. ب. الحجّية العقلائية أو الشرعية، والمراد منها المعذّرية والمنجّزية وأحيانا لزوم الإتباع الشرعي أو العقلائي؛ و يعبّر عن هذين النوعين من الحجّية بالحجّية الأصولية، و في هذه المقالة نحن نستعمل الحجّية في کلا المعنيين، بحسب المورد).
6. لزومُ الالتزام بالقواعد والضوابط الخاصّة في فهم النصوص الدينية، مضافاً إلى استعمال القواعد العامّة لفهم النصوص العرفية العقلائية، والامتناعُ من استخدام المناهج الاصطيادية والذوقية المؤداة الي التفسير بالرّأي.
7. لزوم حيازة مفسّر النصوص الدينية لصفات وصلاحيات أنفسية خاصة، اضافة الي انتحاله بالطاقات العلمية والعملية، التي ينبغي أن يکون کلّ من يريد تفهّم وتفهيم النصوص المحاورية العقلائية، مستوجداً لها؛ منها ما يأتي:
7: 1. التبصُّرُ بشأن الهوية القدسيّة والالٰهية لها.
7: 2. الطهارة والتقوى (الالتزام بالعلم والعقيدة الحاصلة عن الفهم).
7: 3. الرسوخ في العلم.
و غير ذلك من الصفات. (علي الطالب الراغب، الرجوع الي الرسالة المخصَّصة الّتي أعدّها في هذا الموضوع، الطالب السيد موسوي، باشرافي، لأخذ درجة ماجستر، في مؤسسة الامام الخميني التعليمية الدراسية بقم المقدسة).
کما أنّـه يترتب بعضُ النتائج المعرِفَويّة والمنهجَوية على وصف الهادوية أيضاً، منها ما يأتي:
1. حكائية القضايا المُدرَجةُ في النصوص الدينية وواقِعَويّتُها؛ لأنّها إن لم تكن كذلك فستمتنع الهداية.
2. عصمانيةُ النصوص القدسية وتنزّهُها عن الخطأ والإغراء والإغواء: «ما ضلَّ صاحبكم وما غوى»[1]
3. غائية الكشف عن مراد الماتن (وهو المبدأ تعالى في الحقيقة) لاستنطاق تلک النصوص واستفهامها.
4. امكانيةُ التفسير العيني المتعين للنصوص الماورائية، الكاشف عن مراد ماتنها المتعال.
5. حجيةُ دلالات النصوص المقدّسة شرعاً، لارتهان الهداية بها.
6. اتضاحُ اتجاهِ المسائل غيرِ التشريعية وغيرِ العَقائدية المطروحة في النصوص، لاسيما القرآن ووظيفَتِها وهي الهداية. (بتعبير آخر: انكشافُ علّةِ طرح مباحث من قبيل القصص والتَأريخ، وحتي القضايا العلمية... إلخ، في الآيات).
7. شموليةُ تعاليم النصوص الدينية علي ما يقتضي شأنها الهِدائيّ، وخلودُها مادام يحتاج البشر الي الهداية أيضاً، فهي أبدية.
8. لزومُ استعمال القواعد العقلائية في فهم النصوص المحاورية، أثناء تفسير النصوص الدينية أيضاً، لأنّ المخاطَب ومتعلَّق الهداية الدينية هم العقلاء، ولذا فقد تحدّث الله ورسوله معهم بلغة المحاورية العقلائية قطعاً.
وتترتبُ عليٰ «فطرَويّة التعاليم الدينيّة» التي تحملها النصوص القدسية، أيضاً آثار مختلفة، يمكن عرضُ مجملها بالبيان التالي:
1. نظراً إلى أنّ للفطرة وظيفتين أساسيتين: وظيفة إدراكية ووظيفة تحريكية، يمكن لفطرة الإنسان؛ سواءٌ في مجال الحكمة النظرية أو مجال الحكمة العملية، أو غيرهما؛ أن تكون معِينة له في علمه وعمله. فيمکن إدراك بعض التعاليم الدينية والمعارف القدسية بإمداد من الفطرة وبمعونةِ أصل «تطابق الشريعة والفطرة».
2. کما يمكن استخدامُ الفطرة كمقياسٍ لقياس وتنقيح مدى صحة وسُقم فهم الدّين من النصوص القدسية، ولتشخيص آفات المعرفة الناتجة عن البحث في تلک النصوص.
3. الملاحظة الأخرى(على علاقة بشروط وظروف مفسّر النصّ) التي يجدر ذكرها هنا، هي ضرورة أن يجهد المفسّرون من أجل عدم الابتعاد عن مدار الفطرة في مواجهة النصوص المقدّسة، وأن يتناولوا تلک النصوص, مع التأكيد على صرافة الإدراك، بأذهان غير مشوبة قدر المستطاع، لعلهم يتمكنون من نيل المعارف الناصعة من منبعي الوحياني والنبوي, بلا شائبة تُذكر.
وکما مرّ آنفاً: يعدُّ الانسجام «المحتوائي ـ المضموني» و«اللفظي ـ الصوري» للنصوص المقدّسة، جزءاً من النتائج المترتبة على خصوصية حِكمويتها وعقلانيتها؛ والمقصود من ذلك هو تحقّقُ التعاليم الدينية بصورة مدرسةٍ فكرية، والترابط والإعداد المتبادل بين أجزاء تلک النصوص؛ ولهذا، لزم عند التفسيرِ، النظرُ إلى هذه النصوص بنحوٍ مجموعي، حتى تُفهَم المرادات الإلهية والرسالية بشكل صائب وجامع، من خلال إرجاع متشابَهِها إلى مُحكَمها، وعامِّها إلىٰ خاصِّها ومطلَقِها أليٰ مُقيَّدها، ومُجمَلها إلى مُبيَّنها، ومنسوخِها إلى ناسِخِها، وهکذا. کما في العيون بإسناده عن الرضا (ع) قال: «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هُدِى إلى صراطٍ مستقيم؛ ثم قال (ع): انّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن و متشابهاً كمتشابه القرآن، فرُدّوا متشابهها إلى محكمها، و لا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا».
ومما تقتضي الحكمة الإلهية عدم استخدام المُرسِل الحکيم (سبحانه) في مقام بيان مراداته، وکذا رسوله الکريم(ص)، من اللغة البعيدة عن الطبع وغيرِ المتعارفة (وغير القابلة للفهم بل غير عامّة الفهم).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo