< قائمة الدروس

درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: القول الثّاني: وهوكون هذه الالفاظ حقيقة في المعاني المخصوصة
من قبل البعثة ومتزامنةً معها، وقد استعملها النبي(ص) ايضاً فيها، كاستعماله سائر الألفاظ المتداولة في محاوراته اليومية؛ وهذا هو المشهور عند الجمهور. وثبوت هذه النظرية علي الاطلاق وبعمومها مرتهن بثبوت جهات شتيٰ، ومنها ما يلي:
أ : ثبوت وجود هذه الماهيات في الشّرايع السّابقة.
ب : ثبوت وجود ها فيها طراً لابعضاً.
ت : ثبوت استعمال نفس اللالفاظ التي کانت تستعمل في الشّرايع السّابقة وصحفها في الشريعة الاسلامية التي نزلت باللغة العربية کلّها بلاتصرف شاسع.
ث : ثبوت استعمال هذه اللالفاظ في تلک المعاني في الشريعة الاسلامية بلسان الشارع بلاقرينة مفهمة.
ج : عدم استخدامها کاصطلاحات خاصّة دينية، بل استعمالها کمعاني عرفية لغوية.
قضية بعض الآيات مثل قوله تعالی: «... الصُّحُفِ الْأُولى...»[1] و «إِنَّ صَلاتي‌ وَ نُسُكي‌ وَ مَحْيايَ وَ مَماتي‌ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ»[2] ومثل قوله:«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»؛[3] وقوله تعالى:«وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى‌ كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ»؛[4] وقوله تعالى: «وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا؛ وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ وَ كانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا»؛[5] وقوله تعالى: «قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَني‌ نَبِيًّا؛ وَ جَعَلَني‌ مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصاني‌ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا».[6] وقوله تعالى: «نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً»[7] ومثل قوله:«وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»[8]، وجود الماهيات المذکورة في تلک الآيات في الشّرايع الماضية، لاسيما اذا علمنا أنّ بعض ما ورد، ورد في الآيات الأُوَل النازلة في اوائل البعثة و قبل تشريع بعض هذه المناسک في الشريعة الحديثة احياناً؛ مثل الآيات التالية التي نزلت في السور المكّية:
1 ـ «أَ رَأَيْتَ الَّذي يَنْهى؛ عَبْداً إِذا صَلَّى»؛[9]
2 ـ «فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى؛ وَ لكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى»؛[10]
3 ـ «قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ»؛[11]
4 ـ «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ؛ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ».[12]
فقد نزلت هذه الآيات في أوائل البعثة، مع أنّه علي بعض الاخبار الصلاة فرضت في ليلة المعراج وهي في العام العاشر من الهجرة النبوية، وقد ورد لفظة الصلاة في السور المكية قرابة 35 مرة.[13] وتکاد تکون التشريعات کلها في المدينة، ولکن هذه کلها، لاتثبت وجود کل ما جُعل في الشريعة الغرّاء، عيناً في تلک الشرايع قطّ؛ بل هناک شواهد تدلّ علي نسخ بعض ما کان في الشّرايع السّابقة من التکاليف، و وضعِ التکاليف الأخر، في الشريعة الجديدة، وهذا هو من حکمة بعثة المحمدية (ص) وخاتميتها.
اما ثبوت استعمال نفس اللالفاظ: فمحل للتامل؛ لانّ الانبياء کانوا کلهم من غير العرب فيتکلمون بلسان قومهم، فتُرجمت کلماتهم الي العربية ؛ علي أنّ تلک الالفاظ قد کانت تستعمل في غير المعاني الدالة علي المعاني النسکية، کما جاء في کتابه الحکيم: «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْليماً»؛[14] مثلاً.

و هذا من شواهد مؤيدة للزوم اطلاع المستنبط علي التاريخ!.
وامّا ثبوت استعمال هذه اللالفاظ في تلک المعاني، في الشريعة الاسلامية بلسان الشارع بلاقرينة مفهمة، فيدل عليه بعض ما مرّ من الآيات، فلاباس به.
واما الاخيرة: وهو عدم استخدامها کاصطلاحات دينية خاصّة اصلاً، بل استعمالها کمعان عرفية لغوية في تلک الماهيات؛ فيدفعه شواهد کثيرة التي مرً بعضها آنفاً.


[5] سوره مريم، آيه54ـ55.
[6] سوره مريم، آيه30ـ31.
[9] سوره علق، آيه9ـ10.
[10] سوره قيامت، آيه31ـ32.
[12] سوره كوثر، آيه1ـ2.
[13] ويؤيد ذلك أيضاً أنّ جعفر بن أبي طالب عرّف دين النبي لملك الحبشة بكلام مفصل وكان ذلك في العام الخامس من البعثة، و قد جاء في ثناياه: «أيها الملك، كنّا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام... وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ وعدّد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه به واتبعناه على ما جاء به من الله.». (السيرة النبوية : ج1، ص338)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo