< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المطر\ الأدلة
 قال المصنف: ورابعها ماء البئر والأشهر نجاسته بالملاقاة
 ماء البئر
 أولا: معنى البئر

 معنى "البئر" كباقي المعاني من المفاهيم التي يرجع فيها إلى العرف ، إذ لا توجد حقيقة شرعية للبئر ، بل ولا حتى متشرعيّة قطعا ، فالاشتغال بالإشكالات الواردة على تعريف "البئر" ، والردّ عليها ، مضيعة للوقت ، فإيكال الأمر إلى العرف أسلم ، لا سيما أنّه لم يثبت عرف جديد غير ما هو الموجود في عصر النبي - صلى الله عليه وآله - والأئمة - عليهم السلام - .
  ثمّ إنّ هناك بعض التعاريف أراد أصحابها ضبط المعنى العرفي من خلالها ، كما فعل ذلك المصنف - رحمه الله - في شرح الإرشاد ، حيث عرّف ماء البئر بأنّه ( مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبًا ، ولا يخرج عن مسمّاها عرفًا ) [1] .
  وقد أشكل على هذا التعريف "المحقق الثاني" في "جامع المقاصد" ، كما أنّ "صاحب المدارك" أشكل على كلام "المحقق الثاني" ، ولكنّك عرفت أنّه لا موقع لهذه الإشكالات ، لاسيما أنّه لم تُوجد حقيقة لُغوية مغايرة لما هو المفهوم لدى العرف ، ومرادنا من العرف عند الإطلاق هو العرف العام ، لا العرف الخاص ، إلا مع القرينة .
  والخلاصة أّن هناك ثلاث حالات :
  الأولى: ما علم منها أنّه من أفراد البئر ، فلا كلام حينئذٍ.
  الثانية: ما علم خروجه عن تحت أفرادها ، كما في الآبار غير النابعة في بلاد الشام ، والآبار الجارية تحت الأرض ، كما في المشهد المشرف الغروي على ما قيل .
  الثالثة: ما يشكّ في دخولها تحت أفرادها ، فتكون الشبهة مفهومية يدور أمرها بين الأقل ، والأكثر ، ومن المعلوم أن إجمال الخاص بالمخصص المنفصل الدائر أمره بين الأقل ، والأكثر لا يسرى إلى العام .
  وتوضيحه أنّه قد ثبت أنّ كلّ ماء قليل ينفعل بالملاقاة للنجاسة ، وثبت أيضًا بالمخصص المنفصل أنّ ماء الجاري ، وماء المطر ، وماء الحمام ، وماء البئر ، كما سيأتي قريبا - إن شاء الله تعالى - أنّه لا ينفعل بالملاقاة ، وإن كان قليلا .
  وعليه

، فإذا شكّ في دخول بعض الأفراد في مفهوم البئر ، فيشمله العموم السابق "كل ماء قليل ينفعل بالملاقاة" ، والله العلام .
 ثانيا: نجاسة البئر
 اعلم أنّه لا إشكال في تنجس ماء البئر بالتغير بالنجاسة ، قال "صاحب المدارك" : ( أجمع علماء كافة على نجاسة ماء البئر بتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة ... إلخ ) [2] .
  والانصاف أن نجاسته بالتغير أمر متسالم عليه بين الجميع ، قديما وحديثا ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه .
  مضافا للنصوص الكثيرة المتقدمة ، وإنما الخلاف بين الأعلام في نجاسته بالملاقاة ، والمشهور بين الأعلام المتقدمين النجاسةُ مطلقا ، سواء أكان ماء البئر قليلًا ، أم كثيرًا فيه أكرار عدة ، وعن جماعة من الأعلام نَقْل الإجماع على ذلك ، والمشهور بين المتأخرين القولُ بالطهارة مع دعوى بعضهم الإجماع عليه.
  وذهب "الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد البصروي" من المتقدمين إلى التفصيل ، والقول بعدم النجاسة إن كان كرًّا ، أو بها إن لم يكن كرًّا ، وقيل : وهو لازم لـ " العلّامة " ، لأنه يعتبر الكرية في مطلق الجاري ، والبئر من أنواعه .
  والإنصاف

أنه ليس لازما لـ "العلّامة" ، فإنّ للبئر أحكامًا كثيرة قد اختصت بها ، سواء أكان ماؤها قليلًا أم كثيرا ، للأخبار الواردة فيها .
  ومن هنا

حكم مشهور المتقدمين بعدم نجاسة الكر ، مع قولهم : إن البئر تنجس بالملاقاة ، أي وإن بلغت مائة كرّ ، وحكى المصنف - رحمه الله - في "الذكرى" عن "الجعفي" أنّه يعتبر فيها ذراعان في الأبعاد الثلاثة ، حتى لا ينجس .
  ولعل

مرجعه إلى الخلاف في مقدار الكر ، وأنّه إذا كان ماؤها كذلك ، فهو كرّ لا ينجس بالملاقاة ، وعليه ، فلا يكون تفصيلا في أصل المسألة .
  ثمّ إنّ القائلين بالطهارة اختلفوا في وجوب النزح لوقوع النجاسة المخصوصة ، أو استحبابه ، فالمشهور بينهم عدم الوجوب ، بل هو مستحب ، وذهب "العلّامة" في "المنتهى" إلى الوجوب تعبّدا ، لا لنجاسة ماء البئر ، ونسب إلى "الشيخ" في "التهذيب" ، ولكن كلام "الشيخ" في كتابيه "التهذيب" و"الاستبصار" لا يخلو من اضطراب ، وتشويش ، فراجع إن شئت .
  إذا عرفت ذلك فقد استُدل للقول بالطهارة بعدة أدلة :
 الدليل الأول: الإجماع المدعى من بعضهم
  ويرد عليه:
  أوًّلا: أنه معارض بالإجماع المدعى من بعض المتقدمين .
  ثانيا: أنه إجماع منقول بخبر واحد ، وقد عرفت ما فيه .
 الدليل الثاني: عموم الآيات الدالة على طهورية الماء المنزل من السماء ، بضميمة ما دلّ من الأخبار - وقد تقدمت - على أنّ مياه الأرض من السماء .
 ويرد عليه: مع قطع النظر عن دلالة الآيات على ذلك - أنّها عمومات مخصصة بما دل على نجاسة البئر ، على تقدير سلامته عن المعارض .
  الدليل الثالث:

ما ذكره بعضهم من استصحاب الطهارة
 ويرد عليه: أنّه لا مكان للأصل مع وجود الأمارة ، وقد عرفت أنّها حاكمة عليه ، فكيف يُستدل به مع وجود الأخبار الكثيرة في المسألة .
 الدليل الرابع ياتي
 
 
 


[1] - غاية المراد : كتاب الطهارة في المياه ص 65
[2] - مدارك الأحكام ج 1 ص 65

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo