الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/02/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ الأدلة
لا زال الكلام في ذكر الأدلة الواردة على نجاسة البئر بالملاقاة ومنها الروايات المستفيضة جدّا بل لا يبعد تواترها إجمالا المتضمنه للنزح ، وقد عمل بها الفقهاء ، وسيأتي نقلها إن شاء الله تعالى عند تعرض المصنف لمقدار النزح ، وهي ظاهرة في الإرشاد إلى النجاسة لاسيما أن بعضها دلّ على عدم جواز الوضوء إلا بعد النزح ، كما في صحيحة علي بن جعفر قال: ( سألته عن رجل ذبح شاة ، فاضطربت ، فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما ، هل يتوضأ من تلك البئر ، قال : ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوًا ، ثم يتوضأ منها ، لا بأس به ، قال : وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة ، فوقعت في بئر ، هل يصلح أن يتوضأ منها ، قال : ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها ... إلخ )
[1]
.
ويرد عليه:
أن الأمر بالنزح لا يدل على النجاسة ، بل يحتمل قويّا حمله على الاستحباب ، لبعض الأخبار الدالة على صحة الوضوء ، والصلاة قبل النزح ، كما في صحيحة أبي أسامة ، وأبي يوسف يعقوب بن عيثم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( إذا وقع في البئر الطير ، والدجاجة ، والفأرة ، فانزح منها سبع دلاء ، قلنا : فما تقول : في صلاتنا ، ووضوئنا ، وما أصاب ثيابنا ؟ فقال : لا بأس به ) [2] فيستفاد من صحة الوضوء ، والصلاة قبل النزح ، أن الأمر بالنزح إنما هو للتنزيه ، والاستحباب ، لا للإرشاد إلى النجاسة ، وإلا كيف صح الوضوء قبل النزح ؟! .
أن الأمر بالنزح لا يدل على النجاسة ، بل يحتمل قويّا حمله على الاستحباب ، لبعض الأخبار الدالة على صحة الوضوء ، والصلاة قبل النزح ، كما في صحيحة أبي أسامة ، وأبي يوسف يعقوب بن عيثم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( إذا وقع في البئر الطير ، والدجاجة ، والفأرة ، فانزح منها سبع دلاء ، قلنا : فما تقول : في صلاتنا ، ووضوئنا ، وما أصاب ثيابنا ؟ فقال : لا بأس به ) [2] فيستفاد من صحة الوضوء ، والصلاة قبل النزح ، أن الأمر بالنزح إنما هو للتنزيه ، والاستحباب ، لا للإرشاد إلى النجاسة ، وإلا كيف صح الوضوء قبل النزح ؟! .
أضف إلى ذلك أن الاختلاف الشديد الواقع في النزح مما لا يمكن توجيهه إلا بالحمل على الاستحباب مع أن بعضها وراد فيما ميتته طاهرة بالوزغ والعقرب ، وما فعلناه من الحمل على الاستحباب أفضل مما صنعه السيد محسن الحكيم - رحمه الله - في المستمسك ، حيث حمل الأمر بالنزح على الإرشاد إلى مرتبة ضعيفة من النجاسة لا تثبت لها أحكام النجاسة لاختصاص تلك الأحكام بالمرتبة القوبة ، ثم ذكر أن هذا هو الذي يساعده الجمع العرفي .
ويرد عليه: أن التفكيك في النجاسة من حيث ثبوت أحكام النجاسة لبعضها دون البعض الآخر أمر مستهجن شرعًا ، وعرفًا ، وكيف يكون الشيء نجسًا ، ولا ينجّس ، بل كيف يجتمع مع الطهارة ، فما ذكره - رحمه الله - بعيد عما يفهمه العرف .
ثمّ لو قطعنا النظر عما ذكرناه ، وقلنا: هي ظاهرة في نجاسة البئر إلا أن روايات الطهارة أظهر منها ، فنرفع اليد عنها ، لأن الظاهر لا يقاوم الأظهر ، ومنه يظهر لك الحال في كل الروايات المستدل بها على النجاسة ، فلو سلمنا ظهورها في ذلك ، إلا أن روايات الطهارة أظهر منها ، إن لم تكن نصًّا .
إن قلت: لا نسلّم أظهرية روايات الطهارة، بل روايات النجاسة معارضة لروايات الطهارة بحيث لا يمكن الجمع العرفي بينهما ، ففي هذه الحالة لا بد من الرجوع إلى باب المرجحات .
قلت: لا يخفى عليك أن روايات الطهارة موافقة للكتاب ، قال تعالى: ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) وقال أيضًا: ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) ، وقد تكلمنا بالتفصيل حول الآيتين الشريفتين عند قول المصنف سابقا ( الماء المطلق مطهر ما دام على أصل الخلقة ) ، فراجع ، وأيضًا روايات الطهارة مخالفة للعامة ، وهذا مرجع آخر حيث ذهبت العامة إلى نجاسة البئر بالملاقاة .
وتصبح النتيجة
أن روايات الطهارة هي المقدمة ، وعليها العمل .
أن روايات الطهارة هي المقدمة ، وعليها العمل .
إن قلت: إن الروايات الدالة على الطهارة مع كثرتها ، وصحتها ، وأظهريتها ، هي بمرأى ، ومسمع من المتقدمين ، ومع ذلك فقد أعرضوا عنها ، ولم يعتمدوا عليها في مقام الإفتاء ، وهذا يكشف عن وجود خلل فيها ، وهو يوجب وهنًا، ويسقطها عن الاعتبار .
قلت: قد عرفت أن إعراض مشهور المتقدمين لا يسقطها عن الاعتبار ، مضافا إلى عدم ثبوت الصغرى ، وهو إعراضهم عنها بل يحتمل أن يكون عدم عملهم بها من باب التعارض بينها ، وبين أخبار النجاسة ، مع ترجيحهم لأخبار النجاسة ، لكونها أكثر عددا .
ومما يدل على عدم إعراضهم عنها هو أن جماعة من المتقدمين عمل بها ، بل قد تصدى لتأويلها بعض من لم يعمل بها ، وهذا يدل على عدم وجود خلل فيها .
وعليه ،
فعدم عملهم بها يكون اجتهادا منهم ، واجتهادهم حجة على أنفسهم ، وليس حجة على من تأخّر عنهم .
فعدم عملهم بها يكون اجتهادا منهم ، واجتهادهم حجة على أنفسهم ، وليس حجة على من تأخّر عنهم .
والخلاصة إلى هنا ، أن أخبار الطهارة يتعيّن العمل بها ، ومما يؤيّد ترجيحها على أخبار النجاسة أنه من المستبعد جدًّا أن مقدار الكر من ماء البئر الخارج عنها لا ينجس بالملاقاة ، وماؤها ، وإن بلغ ألف كرّ ، ينجس بمجرّد الملاقاة ، مع اعتصامه بالمادة دونه ، بل من المستغرب جدًّا طهارته لو كان الخارج عنها كرًّا ، مع انقطاع النبع ، وخروجه عن مسمّى البئر ، ونجاسة ماء البئر ، لو كان ألف كرّ ، مع دوام النبع .
[1] المصدر السابق باب 21 من أبواب الماء المطلق ح1 .
[2] المصدر السابق باب 14 من أبواب الماء المطلق ح12 .