الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/02/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ تفصيل البصروي
وأمَّا التفصيل المحكي عن البصروي ، فقد يستدل له بعدة أخبار :
منها: موثقة عمّار ، ( قال : سئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن البئر يقع فيها زبيّل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : لا بأس ، إذا كان فيها ماء كثير )
[1]
، بناء على أن المراد من الكثرةِ الكثرةُ الشرعية لا العرفيّة .
ويرد عليه:
، أنه لم تثبت حقيقة شرعية للكثرة حتى تحمل على المقدار الشرعي ، وهو الكرّ ، بل لم تثبت لها حقيقة عند المتشرّعة أيضا ، وإنما هي باقية على معناها العرفي ، أي الماء الكثير الذي يزيد على الكرّ بأضعاف
، أنه لم تثبت حقيقة شرعية للكثرة حتى تحمل على المقدار الشرعي ، وهو الكرّ ، بل لم تثبت لها حقيقة عند المتشرّعة أيضا ، وإنما هي باقية على معناها العرفي ، أي الماء الكثير الذي يزيد على الكرّ بأضعاف
والسر
في اشتراط الكثرة العرفية هنا هو الحفاظ على البئر من التغير بـ (زبيّل) العذرة .
في اشتراط الكثرة العرفية هنا هو الحفاظ على البئر من التغير بـ (زبيّل) العذرة .
ومنها: رواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله - عليه السلام - ( قال : إذا كان الماء في الركي كرًّا لم ينجّسه شيء ، قلت : وكم الكر ، قال : ثلاثة أشبار ونصف ، عمقها في ثلاثة أشبار ، ونصف عرضها )
[2]
، وهذه الرواية ذكرناها سابقا عند الكلام عن تحديد الكرّ بالمساحة ، ويكفي ما فيها ، أنها ضعيفة السند ، بعدم وثاقة الحسن بن صالح الثوري ، وقد ذكرنا بعض الأمور المتعلقة بها فراجع .
ومنها: ما في الفقه الرضوي ، حيث قال - عليه السلام - : ( كل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ، ونصف في مثلها ، فسبيلها سبيل الجاري ، إلا أن يتغيّر لونها ، وطعمها ، ورائحتها )
[3]
ودلالتها مثل دلالة الرواية السابقة ، ولكنك عرفت ما في "الفقه الرضوي" ، فلا حاجة للإعادة .
وقد يستدل على انفعال ماء البئر ، إذا كان أقل من كرّ، بأدلّة انفعال ماء القليل بالملاقاة.
ويرد عليه:
أن النسبة بينها ، وبين أدلة طهارة ماء البئر ، وإن كانت العموم من وجه ، باعتبار أن أدلة انفعال ماء القليل مطلقة ، سواء أكان الماء ماء بئر أم غيره ، كما أن طهارة ماء البئر مطلقة ، سواء أكان الماء فيها قليلا أم كثيرًا ، ويجتمعان في ماء البئر القليل .
أن النسبة بينها ، وبين أدلة طهارة ماء البئر ، وإن كانت العموم من وجه ، باعتبار أن أدلة انفعال ماء القليل مطلقة ، سواء أكان الماء ماء بئر أم غيره ، كما أن طهارة ماء البئر مطلقة ، سواء أكان الماء فيها قليلا أم كثيرًا ، ويجتمعان في ماء البئر القليل .
والقاعدة في مثل هذه الصورة ، وإن كانت تقتضي الرجوع إلى مرجحات باب التعارض ، إلا أنه ذكرنا سابقا أن أدلة طهارة ماء البئر تقيّد أدلة انفعال ماء القليل ، لأنه لو قيدنا أدلة طهارة ماء البئر وخصصناها بالكثير للزم لَغوية ماء البئر ، وكان المدار حينئذٍ في الاعتصام على الكرية ، ولا خصوصية حينئذٍ لماء البئر .
وهذا بخلاف ما لو قيدنا أدلة انفعال ماء القليل ، فإنه لا يلزم منها إلغاء العنوان ، وغايته إخراج بعض الأفراد ، وهي ماء البئر ، عن تحت الإطلاق ، وهذه قاعدة سيَّالة تطبق على كل ما كان من هذا القبيل .
والخلاصة إلى هنا أن هذا التفصيل المحكي عن "البصروي" لم يكتب له التوفيق ، وأما المحكي عن "الجعفي" فلا مستند له ، ويمكن رجوعه إلى التفصيل المحكي عن البصروي .
كلام العلامة
وأما ما ذهب إليه العلامة في "المنتهى" من وجوب النزح ، مع قوله : بالطهارة ، فقد يستدل له بأن ظاهر الأمر يدل على الوجوب .
ويرد عليه: أنه إن
أراد الوجوب النفسي التعبدي ، ففي غير محله ، لأن ظاهر الأخبار المتقدمة أن النزح يطهر البئر ، لاسيما أن بعض الأخبار دل على عدم استعمال الماء في الوضوء إلا بعد النزح ، وإن
أراد الوجوب الشرطي ، أي عدم صحة استعمال مائه في الشرب والوضوء ، والاغتسال ، والتطهير من الخبث ، إلا بعد النزح ، فمرجع هذا الأمر إلى القول بالنجاسة ، وقد عرفت أنه قائل بالطهارة .
أراد الوجوب النفسي التعبدي ، ففي غير محله ، لأن ظاهر الأخبار المتقدمة أن النزح يطهر البئر ، لاسيما أن بعض الأخبار دل على عدم استعمال الماء في الوضوء إلا بعد النزح ، وإن
أراد الوجوب الشرطي ، أي عدم صحة استعمال مائه في الشرب والوضوء ، والاغتسال ، والتطهير من الخبث ، إلا بعد النزح ، فمرجع هذا الأمر إلى القول بالنجاسة ، وقد عرفت أنه قائل بالطهارة .
وعليه ، فالصحيح ، كما هو المشهور ، حمل الأمر بالنزح على الاستحباب ، أي استحباب النزح لأجل دفع القذارة الحاصلة من وقوع النجاسة فيها ، ومما يؤيد الحمل على الاستحباب أن الأخبار قد تضمنت النزح للطاهر ، فكيف يمكن الالتزام بالوجوب ؟! .
أضف إلى ذلك أن أخبار النزح مختلفة جدًّا في التقدير بالنسبة للنجاسة الواحدة ، كما في الفأرة الواقعة في البئر ، ففي بعض الأخبار خمس دلاء ، وفي آخر دلاء ، وفي ثالث ثلاث دلاء ، وفي رابع كلّها ، وكذلك في الكلب ، فإن الأخبار مختلفة جدًّا في تقدير النزح ، بوقوعه في البئر ، وستأتي هذه الأخبار كلها -إن شاء الله تعالى- عند التعرض لمقدار النزح .
وبالجملة
، فإن شدة الاختلاف في التقدير في النجاسة الواحدة ، وإن لم يدل على الاستحباب في المقدار التي اتفقت عليه ، إلا أنه مع ذلك يشعر بالاستحباب ، وعدم الاهتمام في أمر النزح بالنسبة للمعصوم - عليه السلام - ، وإلا لما حصل هذا الاختلاف الشديد ، والله العالم بحقائق أحكامه .
، فإن شدة الاختلاف في التقدير في النجاسة الواحدة ، وإن لم يدل على الاستحباب في المقدار التي اتفقت عليه ، إلا أنه مع ذلك يشعر بالاستحباب ، وعدم الاهتمام في أمر النزح بالنسبة للمعصوم - عليه السلام - ، وإلا لما حصل هذا الاختلاف الشديد ، والله العالم بحقائق أحكامه .
وطهره بنزح جميعه للمسكر
قد عرفت أن الأقوى طهارته ، وأن الأوامر الواردة في النزح محمولة على الاستحباب ، وإذا تنجس بالتغيّر فتطهيره كتطهير الجار المتنجس بالتغيّر ، نعم هنا يختص البئر بإمكان تطيره بالنزح حتى يزول التغيّر ، وهذا لا يشاركه فيه غيره من أقسام المياه .
ومن هنا
كان الأجدر بنا أن لا نتعرض للبحث عن بيان المقدرات لكلٍّ من النجاسات وما وقع فيها من الاختلاف ، لأنها مبنية على القول بالنجاسة بمجرّد الملاقاة ، وقد عرفت ضعفه ، ولا البحث عن تنقيح ما يتبع الماء في الطهارة من الآلات ، وحواشي البئر ، وغير ذلك من الأمور المبنية على القول بالنجاسة ، إلا أنه
لما كان المصنف - رحمه الله - قائلًا بالنجاسة ، وقد تعرض لبيان ما يجب نزحه لكلٍ من النجاسات ، رأينا من المناسب أن لا يخلو كتابنا من التعرض لذلك معرضين عن الإيجار المخل ، والإطناب المملّ ، متستمين التوفيق من الله تعالى.
كان الأجدر بنا أن لا نتعرض للبحث عن بيان المقدرات لكلٍّ من النجاسات وما وقع فيها من الاختلاف ، لأنها مبنية على القول بالنجاسة بمجرّد الملاقاة ، وقد عرفت ضعفه ، ولا البحث عن تنقيح ما يتبع الماء في الطهارة من الآلات ، وحواشي البئر ، وغير ذلك من الأمور المبنية على القول بالنجاسة ، إلا أنه
لما كان المصنف - رحمه الله - قائلًا بالنجاسة ، وقد تعرض لبيان ما يجب نزحه لكلٍ من النجاسات ، رأينا من المناسب أن لا يخلو كتابنا من التعرض لذلك معرضين عن الإيجار المخل ، والإطناب المملّ ، متستمين التوفيق من الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فهل ينحصر تطهير البئر المتنجس بالملاقاة بالنزح أم يمكن تطهيره بمطهر سائر المياه المتنجسة ؟
يأتي إن شاء الله
[1] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح15 .
[2] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق ح8 .
[3] مستدرك الوسائل باب 13 من أبواب المطلق ح3 .