الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/02/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ موت الفرس والبقر
وأمّا الفرس ، والبقر ، فقد استشكل "المحقق" في "المعتبر" إلحاقهما بالحمار ، وقرّب إلحاقهما بـ "ما لا نصّ فيه " .
وقال بعد أن ذكر الفرس، والبقر ، ونسب إلحاقهما إلى الثلاثة :(ونحن نطالبهم بدليل ذلك ، فإن احتجوا برواية "عمرو بن سعيد" ، قلنا : هي مقصورة على الجَمل ، والحمار والبغل ، فمن أين يلزم في البقرة والفرس؟! فإن قالوا : هي مثلها في العِظم ، طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل ، فمن أين عرفوه ؟! ، لا بد له من دليل ، ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور ، ولكان الجاموس كالجَمل ، وربما كان فرس في عِظم الجمل ) - إلى أن قال:- ( ومن المقلّدة من لو طالبته بدليل ذلك لادّعى الإجماع ، لوجوده في كتب الثلاثة ، وهو غلَط وجهالة إن لم يكن تجاهلا ، فالأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في قسم ما لم يتناوله نص على الخصوص)
[1]
.
أقول: ما ذكره متين ، إلا أنّ جعله الفرس والبقرة في قسم " ما لا نصّ فيه بالخصوص " فيه ما فيه ، لا سيما الفرس ، وذلك لأنّ صحيحة الفضلاء المتقدمة عن أبي عبد الله أو أبي جعفر - عليهما السلام - ( في البئر تقع فيها الدابة والفأرة والكلب والخنزير والطير فيموت ، قال : يخرج ، ثم ينزح من البئر دلاء ، ثم اشرب منه وتوضأ ) [2] ، تشمل الفرس ، والبقرة ، بل تشمل الحمار ، والبغل ، لأنّ الدابة على ما في القاموس ( ما دبّ من الحيوان ) ، وغلب على ما يركب ، وفي الصحاح ( أنّها اسم لكل ما يركب ) .
وعليه ، فالبقر ، وإن كان يركب نادرًا ، إلا أنّه مشمول في العموم في تعريف الصحاح لها، وحمْله على المتعارف تقييد له بلا مقيد، وقال الفيومي في مصباحه: ( وأما تخصيص الفرس ، والبغل بالدابة عند الإطلاق ، فعرف طارئ ، وتطلق الدابة على الذكر والأنثى .. إلخ )
[3]
.
إن قلت: أليس أهل اللغة لا يذكرون المعنى الحقيقي للفظ ، وإنما يذكرون موارد استعماله ، وهو أعم من الحقيقة والمجاز ؟! ، ثمّ لو سلمنا أن بعضهم يذكر المعنى الحقيقي له ، كالزمخشري ، وغيره ، إلا أن قول اللغوي ليس بحجة.
قلت: إنّ أكثر أهل اللغة إن لم يكن كلهم يذكرون استعمالها فيما يركب من الذوات ، فهو ، وإن لم يكن معنا حقيقيا ، إلا أنّه لا إشكال في تبادره من إطلاق لفظ الدابة ، ولا نحتاج حينئذٍ إلى إثبات المعنى الحقيقي .
وقول اللغوي إن أفاد الاطمئنان يكون حجة ، وفي الغالب يطمئن الإنسان من قولهم ، لا سيما إذا أجمعوا على معنى من المعاني ، أو ذهب إليه أكثرهم .
إن قلت: إنَّ صحيحة الفُضلاء ، وإن شملت الحمار ، والبغل ، والفرس ، والبقر ، بشمول الدابة لها ، إلّا أنّها مجملة لإجمال الدلاء ، فلا ينفع الاستدلال بها .
قلت: هذا الإشكال غير وارد ، لأنّ الجمع يصدق على أقلّ محتملاته ، فيُحمل عليه ، فإن كان هناك تسالم على أنّ الحمار يُنزَح له كرّ ، فيخرج عن تحت الصحيحة ، وإلّا فيكون داخلًا تحتها كغيره من الحيوانات المذكورة .
إن قلت: إن البقر ينزح له جميع البئر لدخوله في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، فإن فيها ( إن مات فيها ثور ونحوه) ، والبقر نحو الثور .
ولكن
قد يقال: إن نسخة الاستبصار خالية عنه،وهو مما يضعِف الاستدلال .
قد يقال: إن نسخة الاستبصار خالية عنه،وهو مما يضعِف الاستدلال .
ولكن
لو قطعنا النظر عن هذا الإشكال ، فلا تنافي بين صحيحة الفضلاء ، وهذه الصحيحة لإمكان تقييد الدابة في صحيحة الفضلاء بغير البقرة ، والله العالم بحقيقة أحكامه .
لو قطعنا النظر عن هذا الإشكال ، فلا تنافي بين صحيحة الفضلاء ، وهذه الصحيحة لإمكان تقييد الدابة في صحيحة الفضلاء بغير البقرة ، والله العالم بحقيقة أحكامه .
قال المصنف ( وسبعين دلوًا للإنسان )
في المدارك : (هذا مذهب الأصحاب ... إلخ ) ، وادّعى في الغنية الإجماع ، وكذا العلامة في المنتهى .
وفيه
، أنّ هذا الإجماع إن لم يصل إلى مرتبة التسالم بين الأعلام فلا قيمة له .
، أنّ هذا الإجماع إن لم يصل إلى مرتبة التسالم بين الأعلام فلا قيمة له .
والإنصاف
أن يُستدل لذلك بموثقة عمار الساباطي ( قال : سُئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن رجل ذبح طيرًا فوقع بدمه في البئر ، فقال : يَنزح منها دلاء ، هذا إذا كان ذكيًّا ، فهو هكذا ، وما سوى ذلك فما يقع في بئرِ الماء فيموت فيه ، فأكثره الإنسان ، يُنزح منها سبعون دلوًا ، وأقلّه العُصفور ، يُنزح منها دلو واحد
أن يُستدل لذلك بموثقة عمار الساباطي ( قال : سُئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن رجل ذبح طيرًا فوقع بدمه في البئر ، فقال : يَنزح منها دلاء ، هذا إذا كان ذكيًّا ، فهو هكذا ، وما سوى ذلك فما يقع في بئرِ الماء فيموت فيه ، فأكثره الإنسان ، يُنزح منها سبعون دلوًا ، وأقلّه العُصفور ، يُنزح منها دلو واحد
، وما سوى ذلك في ما بين هذين )
[4]
، وظاهر "المحقق" في "المعتبر" : اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها ، وفي "الذكرى" : ( للخبر المقبول بين الأصحاب ... إلخ ) .
وظاهر هذه الموثقة أنّ الحكم مخصوص بالموت في البئر ، حيث قال - عليه السلام - : (فيموت فيه )، لكنّ "الفاضل الأصبهاني" عمّم الحكم لـ ( وقوع ميت منه لم يغسل ، ولم يقدم الغسل إن وجب قتله ، فقتل لذلك) .ولكنّه
خلاف ظاهر الموثقة ، كما أنّه خلاف مشهور الأعلام ، إلا أنّه قد يقال : إن ظاهر الموثقة ، وإن كان كما ذكر ، ولكن ينزح له سبعون دلوًا إذا مات خارجها ثم أوقع فيها ، للجزم بأنّ الموت في البئر إمّا أنّه أشدّ أو مساوٍ للموت الخارج عنها .
خلاف ظاهر الموثقة ، كما أنّه خلاف مشهور الأعلام ، إلا أنّه قد يقال : إن ظاهر الموثقة ، وإن كان كما ذكر ، ولكن ينزح له سبعون دلوًا إذا مات خارجها ثم أوقع فيها ، للجزم بأنّ الموت في البئر إمّا أنّه أشدّ أو مساوٍ للموت الخارج عنها .
ولكن
مع ذلك يبقى في النفس شيء ، إذ ملاكات الأحكام ليست بأيدينا ، والمسألة تعبّدية ، فالجزم بذلك لا يخلو من مجازفة .
مع ذلك يبقى في النفس شيء ، إذ ملاكات الأحكام ليست بأيدينا ، والمسألة تعبّدية ، فالجزم بذلك لا يخلو من مجازفة .
ثمّ إنّه هناك بعض الأخبار تعارض موثقة عمار الساباطي تأتي
[1] - المعتبر باب الطهارة ص 14
[2] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 5
[3] - المصباح المنير ج 1 ص 188
[4] - الوسائل باب 21 من أبواب الماء المطلق ح2 .