الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/04/06
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء الاستنجاء\ أدلة الطهارة
كان الكلام بالنسبة لماء الاستنجاء هل هو طاهر أم نجس معفو عنه وكنا نستدل عليه
الدليل الثاني: قد استُدل لطهارة ماء الاستنجاء بالملازمة العرفيّة بين طهارة ملاقي الشيء ، وطهارته ، كالملازمة بين نجاسة الملاقي ، ونجاسته ، ولذا لم يُعهد عند العرف وجود نجس غير منجّس ، ألا ترى أنّهم لا يترددون في نجاسة الثوب الملاقي لشيء من النجاسات بعد علمهم بنجاسته ؟! .
والإنصاف أنّه لا يمكن إنكار الملازمة العرفية بين الملاقي والملاقى ، من حيث الطهارة ، والنجاسة ، وبهذه الدلالة الالتزامين اللفظية يخصّص عموم انفعال القيل ، بملاقاته للنجس ، بناء على ثبوت العموم ، أو الإطلاق الأحوالي .
الدليل الثالث: وقد استُدل صاحب "المدارك" للقول بالطهارة بالأخبار المتقدّمة ، وبنقل الإجماع عليه .
وفيه: أمّا الأخبار فقد عرفت أنّها لا يُستفاد منها ذلك ، وأمَّا الإجماع المنقول بخبر الواحد فقد عرفت أنّه يصلح للتأييد فقط ، مضافًا إلى أنّ كثيرًا من الأعلام لم يصرّحوا بالطهارة فكيف ينعقد الإجماع ، ثمّ لو سلم انعقاد إجماعهم على ذلك ، إلَّا أنّهم معلوم المدرَك ، أو محتمل المدركيّة ، فلا بدّ فيه من الرجوع إلى المدرَك .
ثمّ إنّك بعد أنّ عرفت أنّ القول بالطهارة هو الأقوى هل يجوز رفع الحدث ، والخبث به ؟ ، وهل يجوز شربه ، واستعماله في كلّ ما يشترط فيه الطهارة ، أم لا ؟ ، وقبل أن نذكر ما هو الصحيح من ذلك ، نقول:
إنّه اشترط في طهارة ماء الاستنجاء عدة أمور :
الأمر الأول: أن لا يتغيّر بأحد الأوصاف الثلاثة ، وهذا هو المشهور ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، قال المحقق الخونساري رحمه الله في "مشارق الشموس" : ( والظاهر أنّه إجماعي ، وإلّا لأمكن المناقشة ، إذ الروايات الدّالة على نجاسة المتغير عامّة ، وهذه الرواية خاصّة ) .
وفيه:
أولا: أنّ الإجماع المدّعى يصلح أن يكون للتأييد فقط ، لما عرفت .
ثانيا:
أنّ الروايات الواردة في المقام لا يبعد أن تكون منصرفة إلى جهة الملاقاة فقط ، بل التعليل في رواية "العِلل" عن يونس عن رجل عن العنزا عن الأحول المتقدّمة ظاهر جدًّا في الاختصاص بغير المتغيّر ، ولكنّ الرواية ضعيفة السند ، كما عرفت .
أنّ الروايات الواردة في المقام لا يبعد أن تكون منصرفة إلى جهة الملاقاة فقط ، بل التعليل في رواية "العِلل" عن يونس عن رجل عن العنزا عن الأحول المتقدّمة ظاهر جدًّا في الاختصاص بغير المتغيّر ، ولكنّ الرواية ضعيفة السند ، كما عرفت .
ثالثا: لو سلمنا إطلاق هذه الروايات ، وأنّها تشمل صورة التغيّر ، وعدمه ، إلّا أنّ النسبة بينها ، وبين الروايات الدّالة على نجاسة الماء المتغيّر ، عموم وخصوص من وجه ، لا كما ذكره الخونساري رحمه الله من كون الروايات الواردة في الاستنجاء أخصّ من تلك ، وذلك لما عرفت أنّ روايات المقام ، بناء على عمومها وبناء على شمولها لصورة التغيّر ، وعدمه ، والروايات الدّالة على نجاسة الماء المتغيّر تشمل صورة الماء المستعمل في الاستنجاء ، وغيره ، فيجتمعان في الماء المستَنجى به التغيّر .
ولا يخفى أنّ الترجيح للروايات الدّالة على نجاسة الماء المتغيّر ، وذلك لأنّ بعضها عام ، وأخبار الاستنجاء مطلقة ، والعام يقدم على الإطلاق ، كما عرفت وجهه في علم الأصول ، مضافًا إلى أنّه يوجد عندنا ماء لا يفسده التغيّر ، حتى الكرّ ، والجاري ، وماء المطر والله .
الأمر الثاني: أن لا تصل إليه نجاسة من خارج ، وذلك لأنّ مقتَضى الأدلّة هو طهارة ماء الاستنجاء من حيث هو ، فلا ينافيها نجاسته لو كان المحلّ متنجسًا بنجاسة أخرى ، إذ أنّ ماء الاستنجاء لا يزيد قوة على المياه الأخرى التي لم يُستنجَ بها، فإذا تنجّست هي فهو أيضًا كذلك .
الأمر الثالث: أن لا يخرج مع البول ، أو الغائط ، نجاسة أخرى ، مثل الدم خلافًا لجماعة حيث لم يشترطوا ذلك ، كالمحقق الخونساري رحمه الله مستدلًا بإطلاق اللفظ ، مع أنّ الغالب عدم انفكاك الغائط من شيء آخر ، من الدم والأجزاء غير المنهضمة من الغذاء ، والدود .
وفيه:
أوَّلًا: أنّ الروايات ليست مطلقة ، بل هي مهملة الإضافة إلى ذلك .
وثانيا: أنّ دعوى كون الغالب عدم انفكاك الغائط من شيء آخر ، كالدم ونحوه ، ممنوعة ، بل الغالب خالفه ، إذ حصول شيء ممّا ذكره إنّما يكون لعلّة ، أو مرض ، ومَن كان صحيح البدن لا يحصل له شيء من ذلك .
الأمر الرابع: خلوّ ماء الاستنجاء عن أجزاء النجاسة المتمايزة .
واعترض عليه صاحب "الجواهر" بأنّه لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلّة خلافه خصوصًا مع غلبة ذلك في الاستنجاء .
وفيه: أنّ الأخبار مهملة بالإضافة إلى ذلك ، وهي متعرضة لحكم الماء من حيث الملاقاة في المحلّ لا غير ، ولا تشمل الملاقاة في خارجه .
وعليه فهذه الأجزاء من الغائط بمنزلة النجاسة الخارجية ، فعموم انفعال الماء القليل يشملها .