الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/05/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ اشتباه المطلق بالنجس\ حكمه
الصورة الثالثة : بالنسبة الى الانائين المشتبهين فيما لو توضّأ بأحدهما ، ولم يصلّ بعده ، ثمّ غسل مواضع إصابة الماء الأوّل بالماء الثاني ، ثم توضّأ من الماء الثاني وصلّى بعده ، فهل يكتفي بذلك ، أم كان يجب عليه أن يهريق المائين ، ويتيمم .
ذكر جماعة من الأعلام ، منهم صاحب "الكفاية" ، أنّ التيمم هنا على طبق القاعدة ، وذلك للعلم التفصيلي بنجاسة بدن المتوضّئ عند أوّل آن إصابة الماء الثاني بدنه ، وذلك إمّا لنجاسة الماء الثاني ، أو لنجاسة الماء الأوّل حيث لا يكفي في التطهير من الإناء الثاني مجرد إصابة البدن،بل لا بدّ من الانفصال عن العضو حتّى يحصل التطهير.
وعليه : فبعد غسل الوضوء بالماء الثاني يُشكّ في طهارة بدنه فيُستصحب النجاسة المتيقّنة حال إصابة الماء الثاني .
ولا يعارضه استصحاب طهارته المعلومة إجمالًا إمّا قبل الغسل بالماء الثاني أو بعده ، وذلك للجهل بتاريخها ، وعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين فيها ، وهذا بخلاف النجاسة فإنّ تاريخها معلوم، وهو أوّل آن إصابة الماء الثاني بدنه .
وعليه : فإذا توضّأ بالإنائين بالكيفيّة التي ذكرناها وإن حصلت معها الطهارة الحدَثيّة إلّا أنّه يُبتلى بالنجاسة الخبَثيّة للاستصحاب كما عرفت ، وإذا دار الأمر بينهما فيقدّم الطهارة الخبثيّة ، ويتيمم ، لأنّ الطهارة الحدثيّة لها بدل ، وهو التيمم بخلاف الطهارة الخبثيّة ، فلا بدل لها .
هذا إذا كان التوضوء بالمائين القليلين ، كما هو مفروض المسألة ، وأمّا إذا كان كلّ من المائين كرًّا ، وكان أحدهما متنجّسًا ، فله حكم آخر ، قد نتعرض له - إن شاء الله تعالى - في مقام آخر .
هذا غاية ما ذهب إليه بعض الأعلام منهم صاحب الكفاية ، ولكن يرد عليه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين معلوم التاريخ ومجهوله ، فيتعارض الاستصحابان ، ويتساقطان ، ونرجع إلى قاعدة الطهارة .
وعليه : فيكون النصّ على خلاف القاعدة ، لأنّه يكون قد أحرز الطهارة الحدثيّة والخبثيّة ، فلا موجب للتيمم .
هذا ، وقد ذكر السيد أبو القاسم الخوئي أنّ النصّ هنا على طبق القاعدة ، وذلك للعلم الإجمالي بنجاسة بعض أعضاء المتوضّئ ، لأنّه بعد تطهير بعض الأعضاء يُعلم إجمالًا بنجاسة أحد العضوين ، إما العضو المطهّر لنجاسة الإناء الثاني ، أو العضو الذي لم يطهّر لنجاسة الإناء الأول ، ومقتضى هذا العلم الإجمالي وجوب غسل كلّ ما أصابه من المائين ، ومعه لا مجال لقاعدة الطهارة .
وفيه : أنّه أقصى ما فيه بعد تطهير الباقي يُشكّ في بقاء النجاسة ، فتُسصحب على نحو الاستصحاب الكلي من القسم الثاني ، ويعارضه استصحاب طهارته المعلوم إجمالًا ، إما قبل الغسل بالماء الثاني ، أو بعده ، وبعد التساقط يرجع إلى قاعدة الطهارة .
إن قلت : إنّ مقتضى العلم بالروايتين هو تعيّن التيمم حيث أمر بإهراق الإنائين جميعًا ، والتيمم ، وظاهر الأمر يقتضي التعيين .
قلت : إنّ الأمر وإن كان كذلك إلّا أنّه وارد في مقام توهم الحظر ، وهذا قرينة صارفة عن ظهوره في التعيين إلى التخيير بين الوضوء والتيمم .
وعليه : فيكون الأمر محمولًا على الرخصة في الفعل ، ولعلّ الوجه في حمله على الرخصة - مع أنّ الطهارة المائية ممكنة والطهارة الترابية في عرضها - هو أنّ تطهير الأعضاء ، وتطهير ما يترشّح عليه ماء الوضوء من مواضع بدنه ، وثيابه ، ممّا يتعسّر غالبًا فيكون فيه حرج نوعي على المكلّفين ، ثمّ إنّه لو التزمنا بنجاسة بدنه شرعًا بعد الوضوء الثاني فلا ينافيه إتيان الصلاة عقيبه من باب الاحتياط ، إذ يكفي في حسن الاحتياط مجرد احتمال طهارة بدنه ، وهذا الاحتمال موجود قطعا .
بقي شيء أخير في المقام ، وهو أنّه لو كان عنده ماء معلوم الطهارة ، فهل يصحّ أن يتوضّأ من المائين المشتبهين على الكيفيّة المتقدّمة .
والإنصاف أنّه يصحّ لما عرفت من أنّ الامتثال الإجمالي في عرض الامثال التفصيلي ، خلافا للميرزا النائيني، حيث ذكر أنّ مراتب الامتثال ، والإطاعة عند العقل أربعة :
المرتبة الأولى : الامتثال التفصيلي ، سواء كان بالعلم الوجداني ، أو بالطرق والأمارات والأصول المحرزة التي تقوم مقام العلم .
المرتبة الثاني : الامتثال الإجمالي ، كالاحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي .
المرتبة الثالثة : الامتثال الظني سواء في ذلك الظنّ الذي لم يقم دليل على اعتباره ، أو الظنّ المطلق عند انسداد باب العلم بناء على الحكومة .
المرتبة الرابعة : الامتثال الاحتمالي كما في الشبهات البدوية ، أو الشبهات المقرونة الإجمالي عند تعذر الامتثال الإجمالي أو الظن .
وعليه : فعند الشيخ النائيني هذه الأمور الأربعة مرتّبة ، فتكون المرتبة الثانية في طول المرتبة الأولى ، والثالثة في طول الثانية ، وهكذا .
ولكنّ الانصاف : ما ذكرناه ، وتوضيحه في علم الأصول ، والله العالم .