< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/06/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ الماء النجس\ استعماله في الطهارة\الصلاة به
 بقي عندنا دليل آخر لوجوب الاعادة لو توضأ بالماء النجس او كان الوضوء باطلا وحاصله
 أن لفظ الطهارة موضوع للمعنى النفس الأمري كجميع الألفاظ والعلم والظن خارجان عن موضوعها .
 وعليه: فإذا أمر الشارع المقدّس بالوضوء بالماء الطاهر فالمأمور به هو الوضوء بالماء الطاهر الواقعي ، فإذا لم يكن طاهرًا في الواقع فلم يأتِ بالمأمور به ، فلا بدّ من الإعادة ، أو القضاء ، سواء كان عدم إتيانه بالوضوء بالماء الطاهر الواقعي عن علم أو جهل أو نسيان .
  ومما ذكرنا يتضح لك بطلان ما ذهب إليه المحقق الخونساري في "مشارق الشموس" : من عدم الإعادة على الجاهل مطلقًا في الوقت وخارجه ، حيث استدل بأنّ الامتثال بالصلاة يحصل بمجرد الإتيان بتلك الأفعال المخصوصة مقترنًا بظنّ تحقّق شرائطها المعلومة كالطهارة .
  وعليه: فلو فرض أنّ المكلّف أتى وقت الظهر مثلًا بالصلاة ظانًّا ، أو جازمًا بحصور الطهارة الشرعيّة ، فقد أتى بالمأمور به ، فإذا ظهر بعد ذلك أن طهارته كانت فاسدة فلزوم الإعادة عليه سواء أكان في الوقت أم خارجه ، يحتاج إلى تكليف آخر ، إلى آخر ما ذكره .
 وفيه: إذا كانت طهارته فاسدة فلا يصدق أنّه أتى بالمأمور به ، فكيف تكون الصلاة صحيحة ، لأنّ الصحة منتزعة من انطباق المأتي به على المأمور به ، والفرض أنّ المأتي به لم ينطبق عليه ، لأنّ المأمور به هو الوضوء بالماء الطاهر ، وهذا ليس طاهرا ، وقد عرفت أنّ الظنّ ، والعلم ، خارجان عن موضوع الطهارة ، فلا بدّ حينئذٍ من الإعادة أو القضاء ، والله العالم بحقيقة أحكامه .
 قال المصنف: ( وفي إزالة الخبث، فيعيد إن علم قبله )
 أي يحرم استعمال الماء النجس في إزالة الخبث ، والمراد من الحرمة إما الحرمة التشريعية ، أو عدم الاعتداد بهذه الإزالة ؛ وأمّا الحرمة الذاتية ، فبعيدة كلّ البعد كما لا يخفى .
  وذكر صاحب الجواهر أن الحرمة الذاتية ممكنة أخذًا بحقيقة النهي .
 وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة ، فلا حاجة للإعادة . هذا فيما لو كان الماء النجس معلومًا بالتفصيل ، وأمّا لو كان مردّدًا بين إنائين ، فإذا غسلنا الثوب النجس بأحدهما فالأظهر بقاء النجاسة للأصل ، وأمّا إذا غسلنا الثوب بهما على نحو التعاقب فقد يُقال : بحصول الطهارة للثوب ، للقطع بزوال النجاسة السابقة ، وتنجّسه بالماء النجس غير معلوم ، لاحتمال غسله به أوّلا ، فلا يؤثر فيه نجاسة ؛ وعليه : يكون استصحاب الطهارة بلا معارض .
 ولكن الإنصاف: أنّه معارض باستصحاب النجاسة بعد الغسل بالمائين المشتبهين ، وذلك للعلم التفصيلي بنجاسة الثوب عند أول آنِ إصابة الماء الثاني له ، وذلك إمّا لنجاسة الماء الثاني ، أو لنجاسة الماء الأوّل ، حيث لا يكفي في التطهير من الإناء الثاني مجرد إصابة الثوب ، بل لا بدّ من انفصال الماء عن الثوب حتّى يحصل التطهير .
  وعليه: فبعد غسل الثوب بالماء الثاني يشك في طهارته فتُستصحب النجاسة المتيقّنة حال إصابة الماء الثاني .
  هذا على المبنى الصحيح ، من أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين معلوم التاريخ ، ومجهوله ، فيتعارضان الاستصحابان ويتساقطان ، ونرجع إلى قاعدة الطهارة .
  وأمّا على مبنى صاحب الكفاية ¬ فيجري استصحاب النجاسة فقط ، لأنّ تاريخها معلوم ، وهذا أوّل آنِ إصابة الماء الثاني للثوب ، ولا يعارضه استصحاب الطهارة المعلومة إجمالا ، إمّا قبل الغسل بالماء الثاني ، وإما بعده ، وذلك للجهل بتاريخها ، وعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيها .
 قال المصنف: ( ويقضي ، وإن جهل فلا )
 تفصيل الكلام في مسألة الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ، سواء أكان المكلّف عالِمًا أو ناسيا ، وإذا كان جاهلًا لا يعيد ، يأتي إن شاء الله تعالى في درس الواحد والعشرين عند قول الماتن : إذا صلى مع نجاسة بدنه أو ثوبه عالما عامدا ...إلخ .
 قال المصنف: ( ويجوز شربه للضرورة )
 لا إشكال في جواز الشرب للضرورة ،ويدلّ عليه مضافًا للتسالم بين الأعلام الآيات الشريفة ،
 منها: قوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
 ومنها: قوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } ، وغيرها من الآيات الشريفة .
  ويدلّ عليه قاعدة نفي الضرر ، وقاعدة نفي الحرج ، وأمّا الأخبار فكثيرة ، تأتي في محلّها إن شاء الله تعالى ، في باب الأطعمة والأشربة .
 قال المصنف: ( ولا يُشترط في التيمم عند اشتباه الآنية إهراقها على الأقرب )
 المعروف بين الأعلام منهم المصنّف هنا ، وفي "الذكرى" : عدم وجوب إراقة الإنائين المشتبهين بالنجاسة في جواز التيمم ، خلافًا لما عن "المقنعة" و"النهاية" ، وظاهر الصدوقين ، من اشتراط جواز التيمم بالإراقة حتّى يتحقق شرط التيمم ، وهو فقدان الماء .
  والإنصاف: أنّ الأمر بالإراقة في الموثّقتين السابقتين ، إنما هو للإرشاد إلى عدم الانتفاع بهما ، بناء على عدم التمكن من الطهارة المائية باستعمالهما
 ولقد أجاد المحقّق في "المعتبر" حيث قال : ( الأمر بالإراقة محتمل أن يكون كناية عن الحكم بالنجاسة ، لأن استبقاؤه قد يتعلق به غرض ، كالاستعمال في غير الطهارة ... ) .
 وقال صاحب المعالم: ( لهذا الكلام وجه لورود الأمر بالإراقة في إدخال اليد القذرة في الماء القليل ، وهو في عدّة أخبار ولا قائل ثَمَّ بالوجوب فيما نعلم ، والظاهر أنّ ذلك لفهمهم منها إرادة الحكم بالنجاسة على طريق الكناية ، والنكتة في هذه الكناية هي التفخيم في المنع على ما ذكره المحقّق .... ) .
  وبالجملة : فإنّ عدم وجدان الماء المعلق عليه وجوب التيمم في الآية الشريفة إنّما يُراد منه عدم التمكن من استعماله ولو شرعًا ، لأجل النجاسة ، فلا موجب حينئذٍ لإهراق الماء ، بل قد تحرم الإراقة عند خوف العطش ونحوه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo