< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ كفر الناصبي ونجاسته
 يبقى في المقام إشكال حاصله :
 أنَّ كثيراً من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، وبعده ، وأصحاب الجمل ، وصفين ، وكافة أهل الشام ، وأكثر أهل المدينة ، ومكة ، كانوا في أشدّ العَداوة لأمير المؤمنين وذريته ع ، مع أن مخالطتهم ومساورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلًا ، ولو سرّاً ، وكذلك الحال في بني أميَّة وأتباعهم ، وبني العباس وأتباعهم ، فكيف يُحكم بكفرهم ونجاستهم ، ولم يُعرف تجنّب الأئمة ع وأصحابهم عنهم ، بل الظاهر أنَّهم كانوا يتعاملون معهم معاملة المسلمين من حيث المباشرة ، وحمل هذه المعاشرة في الأزمنة الطويلة على التقيّة في غاية البعد .
 والجواب: هو ما ذكره الشيخ الأنصاري ، ونِعمَ الجواب ، حيث قال: ( أنَّ أغلب الأحكام الشرعية انتشرت في عصر الصادقَيْن ع ، فلا مانع من أن يكون كُفر النواصب منها ، فأصحاب الأئمة ع الذي كانوا يخالطون النواصب في دولة بني أميَّة لم يكونوا يعلمون هذا الحكم ، وأمَّا الأئمة ع فلم يُعلَم معاشرتهم مع النواصب والخوارج في غير مقام التقية ، والله العالم بحقائق أحكامه ) [1] .
 قال المصنف: ( والغَالِي )
 لا إشكال في كُفر الغُلاة إذا أُريد منهم : مَن يعتقد الربوبيَّة لأمير المؤمنين ع ، أو أحد الأئمة ع ، لأنَّه إنكار لله تعالى ، وإثبات لغيره ، فيكون كُفراً بالذات ، وكيف لا يكفر مَن يعتقد أنّ الشخص الخارجي بعوارضه المشخَّصة هو الرب القديم ؟! .
  نعم إذا اعترف بوجود ربٍّ آخر فهو مشرك وكافر .
  وأمَّا إذا أُريد منهم: مَن يعتقد حلول الله سبحانه وتعالى في الأئمة ع ، بأن يثبت اتحاده معهم ، وأنَّ الله متصوّر بصورتهم ، كما أنّه قد تتصور الملائكة والجنّ بصورة البشر ، فالنجاسة حينئذٍ مبتنية على أن إنكار الضروري كفر تعبّديّ كما تقدّم ، ولا شكّ أنّ مَن يعتقد كذلك فهو منكر لِمَا ثبت بالضرورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى أجلّ وأعظم من أن يصير بشراً يأكل ، وينام ، ويمشي في الأسواق ، ويتزوج ، ونحو ذلك .
  وأمّا إذا أريد من الغلو: تجاوز الحدّ في صفات الأنبياء والأئمة ع ، مثل أنَّهم خالِقون أو رازِقون ، أو لا يغفلِون ، أو لا يشغلهم شأن عن شأن ، فإنِ اعتقد أنّهم كذلك مع سلب هذه الصفات عن الله فلا إشكال في أنّه منكر للضروري لوضوح اختصاص هذه الصفات ، ونحوها ، بالله .
  وأمَّا إذا لم يسلبها عن الله: وإنما أثبتها لغيره ، حيث إنّ مجرد إثباتها للغير لا يستلزم سلبها عنه ، بل هو معترف بثبوتها لله جلّ شأنه ، وإنّما يثبتها للغير ، باعتبار كونه الواسطة ، فهذا لا إشكال فيه ، كما في نسبة الإماتة إلى عزرائيل ع ، ونسبة تقسيم الأرزاق إلى ميكائيل ع ، ونسبة إحياء الموتى إلى عيسى ع ، مع أنّ المُحي والمميت ومقسّم الأرزاق هو الله ، وعلى كلّ حال ، قد عرفت ما هو الدليل على نجاسة الغالي .
  وأمّا ما قدِ استُدل له : بما ورد في فارس بن حاتم القزويني [2] عن الهادي ع : ( من الأمر بتوقّي مساورته
  ففيه
 أوَّلًا: أنّه ضعيف السند بجبريل بن أحمد ، وموسى بن جعفر بن وهب ، فإنّهما غير موثّقين ، كما أنَّ عُروة الكاتب إلى أبي الحسن ع مشترك بين عدّة أشخاص .
 وثانياً: أنّه لم يعلم جهة غلوه .
 وثالثاً: أنّ النسخة الصحيحة : مشاورته بالشِين المعجمة ، لا بالسين المهملة ، فيكون خارجاً عن محلّ الكلام
 قال المصنف: ( والمُجسِّميّ )
 ذهب جماعة من الأعلام: منهم العلّامة في "المنتهى" و"التحرير" ، وظاهر "القواعد" ، والشيخ في "المبسوط" ، والمصنّف هنا : إلى كفر ، ونجاسة المجسِّمة ، مطلقاً ، أي بلا فرق بين المجسّمة حقيقةً ، وهم القائلون بكونه جسماً كالأجسام ، له يد ، ورِجْل ، وبين المجسّمة بالتسمية ، أي القائلين بأنّه جسم لا كالأجسام ، كما ورد : ( أنّه شيء لا كالأشياء ) ، فيسلب عنه كلّ ما هو من لوازم الجسمية ، من الحاجة والحدوث .
  وذهب بعضهم: إلى كفر ونجاسة خصوص المجسّمة بالحقيقة ، كما عن المصنّف في "البيان" ، والشهيد الثاني في "المسالك" ، ومَن تبعهما بإحسان ، وظاهرهما طهارة المجسّمة بالتسمية ، إذ لا موجب لنجاسة القائل بذلك ، حيث لم يعتقد بالتجسيم حقيقة ، وما اشتهر من نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم مراده ذلك .
  قال السيد المرتضى في الشافي: ( فأمَّا ما رُميَ به هشام بن الحكم ، من القول بالتجسيم ، فالظاهر من الحِكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه ، ولا ناقض لأصل ، ولا معترض على فرع ، وأنّه غلط في عبارة ، يُرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة ، وأكثر أصحابنا يقولون : إنّه أَورد ذلك على سبيل المعارَضة للمعتزلة ، فقال لهم : إذا قلتم : إنّ القديم تعالى شأنه شيء لا كالأشياء فقولوا : إنه جسم لا كالأجسام ) [3]
  والإنصاف: أنّه لا موجب للقول بكفر ونجاسة مَن يقول بالتجسيم بالتسمية فقط .


[1] - الشيخ الأنصاري كتاب الطهارة ص 358
[2] - راجع ترجمته في تنقيح المقال
[3] - الشريف المرتضى الشافي ج 1 ص 84

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo