< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ كفر ونجاسة المجسمة
 ما زال الكلام في المجسمة هل هم كفار ونجسون أم لا قلنا أن المجسمة على قسمين قسم يعتقدون حقيقة أن الله جسم وهناك قسم يعتقد أن الله جسم لكن ليس كالأجسام وذهب بعضهم إلى كفر ونجاسة خصوص المجسّمة بالحقيقة ، كما عن المصنّف ¬ في "البيان" ، والشهيد الثاني في "المسالك" ، ومَن تبعهما بإحسان ، وظاهرهما طهارة المجسّمة بالتسمية ، إذ لا موجب لنجاسة القائل بذلك ، حيث لم يعتقد بالتجسيم حقيقة ، وما اشتهر من نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم مراده ذلك .
 قال السيد المرتضى في الشافي: ( فأمَّا ما رُميَ به هشام بن الحكم ، من القول بالتجسيم ، فالظاهر من الحِكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه ، ولا ناقض لأصل ، ولا معترض على فرع ، وأنّه غلط في عبارة ، يُرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة ، وأكثر أصحابنا يقولون : إنّه أَورد ذلك على سبيل المعارَضة للمعتزلة ، فقال لهم : إذا قلتم : إنّ القديم تعالى شأنه شيء لا كالأشياء فقولوا : إنه جسم لا كالأجسام ) [1]
  والإنصاف : أنّه لا موجب للقول بكفر ونجاسة مَن يقول بالتجسيم بالتسمية فقط .
  وأمّا مَن يقول بالتجسيم حقيقةً فقدِ استُدل على كفره ونجاسته بعدّة أدلّة :
  منها: الإجماع ، وفي "الخلاف" :( وفيه أنّه إجماع منقول بخبر الواحد يصلح للتأييد فقط ، مضافاً إلى أنّه مدركي ، أو محتمل المدركيّة ، فلا يكون إجماعاً تعبديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم ع ).
  ومنها: أنّ القول بالتجسيم مستلزم لإنكار الضروري ، وهو القِدَم ، وعدم الحدوث ، وعدم الحاجة ، لأنّ من لوازم الجِسمية الحدوث والحاجة .
  وفيه: أنّ القائل بذلك لم يلتزم بهذا اللازم .
 والمدار في التكفير على التزامه به ، لا على الملازمة الواقعيّة .
 وبعبارة أخرى: المدار في إنكار الضروري على التصريح به ، وهم لم يصرحوا بإنكار القِدَم ، وعدم الحدوث ، وإنّما هذا لازم لقولهم : بالجسمية ، ولكنّهم لم يعترفوا بهذا اللزوم .
 إن قلت: إنّ إثبات الجِسمية لله تعالى في حدّ ذاته مخالف للضرورة ، فيلزم الكفر .
 قلت: إنّ عدم التجسيم ليس ضروريّاً في الدين ، لإيهام كثير من الآيات الشريفة ، والأخبار له ، كقوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقوله تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} ، ومن هنا جوّز كثير من المسلمين إمكان رؤية الله ، حيث إنّ عدم الرؤية ليس من ضروريات الدين ، كما أنّ عدم التجسيم ليس ضروريّاً وإنَّما الضروري هو القِدَم ، وعدم الحدوث ، وعدم الحاجة .
  ومن هنا ترى أنَّ كثيراً من العَوَام لا يستطيعون تنزيه الله ´ عن العلائق الجسمانيّة ، حيث يتصوّرون أنَّ الخالق للأرضين السبع ، والسموات السبع ، وما فيهما ، وما بينهما ، ليس جسماً ، وذلك لِقِصور باعِهم ، يعتقدون أنَّ المؤثِّر في هذا العالم كالأثر لا بدّ أن يكون جسماً ، ولذا لو قلت لهؤلاء الناس : إنَّ الله ´ يتكلم بلا لسان ، فيتخيلون أنّه شخص يتكلم بالإشارة ، وإذا قلت : إنَّه يرى بلا بصر ، فيتخيلون شخصاً أعمى ، وهكذا .
  وعلى العموم ، فإنّ هذا الدليل الذي ذكروه على كفر المجسِّمة ونجاستهم لم يُكتب له التوفيق .
  ومنها: عدّة من الأخبار :
 الخبر الأول: خبر ياسر الخادم ( قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا يقول : مَن شبَّه الله بخلقه فهو مشرك ، ومَن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر ) [2] ، بناء على أنّ التجسيم نوع من التشبيه .
  وفيه
 أوَّلًا: أنّه ضعيف بجهالة الصَقر بن دلف ، وعدم وثاقة ياسر الخادم .
 وثانياً: أنّ الشِرك ، والكفر ، لهما مراتب متعددة ، ليست كلّها توجب الكفر ، وإلَّا فالمرائي مشرك ، كما في كثير من الأخبار ، مع أنّه ليس كافراً قطعاً .
  ولا يبعد أن يكون المراد بالكفر هنا هو الكفر في الآخرة ، لا الدنيا ، أي حكمه في الآخرة حكم الكافر ، من التخليد في النار ، ونحو ذلك .
 الخبر الثاني: خبر داود بن القاسم قال: ( سمعت علي بن موسى الرضا ع يقول : مَن شبَّه الله بخلقه فهو مشرك ، ومَن وصفه بالمكان فهو كافر ، ومَن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب ...) [3]
 وهو ضعيف بجهالة السَعدآبادي ، وأمّا دلالته فكدلالة الخبر السابق ، والجواب هو الجواب .
 الخبر الثالث: خبر الحسين بن خالد عن الرضا ع- قال: ( مَن قال: بالتشبيه ، والجبر ، فهو كافر مشرك ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ) [4] .
 وفيه
 أوَّلًا: أنّه ضعيف بجهالة كلٍّ من أحمد بن هارون الفامي ، وعلي بن معبد .
 وثانياً: أنّ دلالته كدلالة الخبرَيْن السابقَيْن ، والجواب هو الجواب بعينه .
 والخلاصة إلى هنا: أنّ القول بالتجسيم وإن كان باطلًا بلا إشكال إلّا أنّه لا يستوجب الكفر ، ولا النجاسة ، بل المجسِّمة طاهرون ، كما ذهب إلى ذلك جماعة من الأعلام ، منهم المصنف في "الذكرى" ، والمحقِّق في "المعتبر" ، والعلَّامة في "التذكرة" ، والله العالم . بقي الكلام في بعض الطوائف - كالمجبِّرة ، والمفوِّضة ، والقائلين بوحدة الوجود ، والمخالفين للحق ، وبعض فرق الشيعة غير الإمامية يأتي


[1] - الشريف المرتضى الشافي ج 1 ص 84
[2] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتدّ ح1
[3] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتدّ ح16
[4] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتدّ ح5

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo