< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/01/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ عرق الجنب
 كان الكلام في عرق الجنب من حرام وقلنا أن هناك خلاف بين الأعلام
 أدلة النجاسة: ثمّ إنّه قدِ استُدل للقول بالنجاسة بعدّة أدلّة :
 منها: الإجماع المدّعى في الخلاف .
 وفيه: ما قد عرفته ، فلا حاجة للإعادة ، لا سيّما مع احتمال أن يكون المدرَك هو الروايات الموجودة في المقام ، ومع هذا الاحتمال لا يكون الإجماع تعبديّاً كاشفاً عن رأي الإمام ع .
 ومنها: ما ذكره المصنّف في "الذكرى" قال: ( روى محمّد بن همّام بإسناده إلى إدريس بن داود الكفرتوثي أنّه كان يقول بالوقف ، فدخل بسرّ من رأى ، في عهد أبي الحسن ع ، فأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرَق فيه الجنب ، أيُصلّى فيه ؟ فبينما هو قائم في طاقِ بابٍ ، لانتظاره ، إذ حرّكه أبو الحسن بمِقْرَعه ، وقال مبتدئاً : إن كان حلال فصلِّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلِّ فيه ) [1] .
 وفيه
 أوَّلًا: أنَّه ضعيف السند بالإرسال .
 وثانياً: أنَّ عدم جواز الصلاة فيه أعمّ من النجاسة ، لاحتمال أن يكون المنع من الصلاة هو العرَق نفسه وإن كان طاهراً ، نظير أجزاء ما لا يُؤكل لحمه ، حيث إنّها مانعة من الصلاة مع أنّها طاهرة .
 اللهمّ إلّا أن يُقال: بعدم القول بالفصل هنا ، إذ ليس أحد ممَّن قال بالطهارة منع من الصلاة فيه ، فالقول بحرمة الصلاة خاصّة ، دون باقي أحكام النجاسة ، إحداثُ قولٍ في المسألة .
 وفيه
 أوّلًا: أنّ عدم القول بالفصل ليس حجّة كما عرفت .
 وثانياً: نمنع دعوى عدم القول بالفصل ، لأنّه وإن كان لم يصرّح أحد ممَّن قال بالطهارة بعدم جواز الصلاة ، لكنّ جماعة - ممّن نُسِب إليهم : القول بالنجاسة - لم يصرّحوا بها ، بلِ اقتصروا على ذكر حرمة الصلاة إذا كانت الجنابة من حرام .
  وهذا ، إن لم يكن ظاهراً في إرادة حرمة الصلاة خاصّة ، كفضلات ما لا يُؤكل لحمه ، فلا أقلّ إنّه محتمل احتمالاً معتداً به .
 ومنها: ما في "البحار" نقلًا من كتاب "المناقب" ، لابن شهر آشوب ، من كتاب "المعتمد في الأصول" قال : قال علي بن مَهْزيار : ( وردت العسكر ، وأنا شاكّ في الإمامة ، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد يوم من الربيع ، إلّا أنّه صايف ، والناس عليهم ثياب الصيف ، وعلى أبي الحسن ع لبَابِيد ، وعلى فرسه تخفاف ، ولُبُود ، وقد عقد ذنب فرسه ، والناس يتعجبون منه ، ويقولون : ألَا ترَون إلى هذا المدني ، وما قد فعل بنفسه ! ، فقلت : لو كان إماماً ما فعل هذا ، فلمَّا خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت ، فلم يبقَ أحد إلّا ابتل ، ثم غرق بالمطر ، وعاد ع وهو سالم من جميعه ، فقلت في نفسي : يُوشَك أن يكون هو الإمام ، ثمّ قلت : أُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب ، فقلت : إن كشف وجهه فهو الإمام ، فلما قرب مني كشف وجهه ، ثمّ قال : إن كان عرق الجنب في الثوب ، وجنابته من حرام ، لا تجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس به ، فلم يبقَ في نفسي بعد ذلك شكّ ... ) [2] .
 وفيه
 أوَّلًا: أنّه ضعيف السند بالإرسال .
 وثانياً: أنّ دلالته كالسابق ، فما قلناه : هناك نقوله : هنا .
 ومنها: ما في "البحار" أيضاً : أنِّي وجدت في كتاب عتيق ، من مؤلّفات قدماء أصحابنا ، ولعلّه "مجموع الدعوات" ، لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، رواه عن أبي الفتح غازي بن محمّد الطريقي ، عن علي بن عبد الله الميموني ، عن محمّد بن علي بن معمّر ، عن علي بن مَهْزيار بن موسى الأهوازي ، عنه ع مثله ، وقال : ( إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام ) [3] .
 وفيه: أنّ دلالته كالخبرَيْن السابقَيْن ، كما أنّه ضعيف السند بجهالة أغلب رجاله ، بل علي بن عبد الله الميموني : ضعيف .
 ومنها: مرسل "المبسوط" ، حيث قال فيه : ( وإن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه ، على ما رواه بعض أصحابنا ) ، وهو ضعيف بالإرسال .
 ومنها: ما في "الفِقه الرَضَوي" : ( إن عرقت في ثوبك ، وأنت جُنُب ، وكانت الجنابة من حلال ، فتجوز الصلاة فيه ، وإن كانت حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يُغسل ) [4] .
 وهو ، وإن كان ظاهر الدلالة ، لقوله: حتّى يُغسل ، إلّا أنّك عرفت أنّ كتاب "الفِقه الرَضَوي" لم تُعلَم نسبته للإمام ع ، بل المطمأن : أنّه فتاوى لابن بابويه ، إلّا ما كان فيه بعنوان : روي ، فإنّه تكون رواية مرسلة .
 وقد تبين : أنّ هذه الأخبار ضعيفة سنداً ، ودلالةً .
 وأما القول: بأنّ عمل المشهور جابر لضعف السند فقد تقدّم جوابه ، وأنّ الأصحّ أنّه غير جابر .
  مضافاً : إلى عدم ثبوت الصغرى ، لِمَا ذكره ابن إدريس: من أنّ مَن ذهب إلى نجاسة عرق الجنب من الحرام في كتاب ذهب إلى طهارته في كتاب آخر .
 والإنصاف: هو القول بالطهارة ، لِقاعدة الطهارة التي لا يعارضها شيء .
 ويؤيّد ذلك: أنّ من المستبعد جدّاً نجاسة العرق الموجبة لتنجّس الملاقي ، مع اختفاء هذا الحكم إلى زمان الإمام الهادي ع ، إذ الروايات المتقدّمة مرجعها إلى روايتَيْن صادرتَيْن عن الإمام الهادي ع في مقام الإعجاز ، ولم يُرَ خبر يعضد هاتَيْن الروايتَيْن من النبي صلى الله عليه وآله ، والأئمة الأطهار ﭺ ، مع كثرة الرواة ، واللواط ، والزُناة ، وإقامة الحدود عليهم في تلك الأوقات ، لاسيّما مع فتوى المتأخرين بالطهارة .
 وبالجملة: خلت الأخبار الواردة عن أهل البيت ﭺ عن بيان هذا الحكم إلى زمان الإمام الهادي ع ، حيث ورد عنه هاتان الروايتان ، بناء على صحة السند ، ومع ذلك لم يتعرّض في هاتَيْن الروايتَيْن إلّا للمنع من الصلاة الذي هو أعمّ من النجاسة .
 إضف إلى ذلك: أنّ هناك جملة من الأخبار صرّحت بنفي البأس عن عرَق الجنب ، من غير تفصيل بين كونه من حرام أو حلال


[1] - الوسائل باب27 من أبواب النجاسات ح12
[2] - مستدرك الوسائل باب20 من أبواب النجاسات ح5
[3] - مستدرك الوسائل باب20 من أبواب النجاسات ح5
[4] - فقه الرضا ص4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo