< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/01/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ عرق الجنب
 كان الكلام في نجاسة عرق الجنب من الحرام وقلنا أن أدلة النجاسة ضعيفة وأن الإنصاف القول بالطهارة وأنّ هناك جملة من الأخبار صرّحت بنفي البأس عن عرَق الجنب ، من غير تفصيل بين كونه من حرام أو حلال
 منها: خبر علي بن حمزة قال سُئِل أبو عبد الله ع ، وأنا حاضر ، عن رجل أجنب في ثوبه ، فيعرق فيه ، فقال: ( ما أرى به بأساً ، قال : إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره ! ، قال : فقطّب أبو عبد الله ع في وجه الرجل ، فقال : إن أبيتم فشيء من ماء فانضحه به ) [1] .
  وقد يفهم من هذه الرواية نجاسة العرق من الجنب مطلقاً عند العامة ، حيث إنّ السائل لم يقتنع بإطلاق جواب الإمام ع بنفي البأس ، فبالغ في السؤال حتّى قطّب الإمام ع في وجهه ، ولا يخفى أنّ العرق من الجنابة - حراماً - لو كان نجساً لكان على الإمام ع بيانه ، ولم يكن وجه لِانزجار الإمام ع من مبالغة السائل ، بل كانت المبالغة في محلّها ، إلّا أنّ الرواية ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وبجهالة القاسم بن محمّد الجوهري .
 ومنها: صحيحة أبي بصير قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن القميص يعرَق فيه الرجل ، وهو جنب ، حتّى يبتلّ القميص ، فقال : لا بأس، وإن أحبّ أن يرشّه بالماء فَلْيفعل ) [2] .
 وهي صحيحة ، لأنّ شعيب الواقع في السند ، والرواي عنه حماد ، هو شعيب بن يعقوب العقرقوفي الثقة ، كذا غيرهما من الأخبار .
 وأمّا دعوى الانصراف في هذه الأخبار إلى الجنابة من حلال فعهدتها على مدّعيها ، لا سيّما وأنّ الجنابة من حرام ليست نادرة الوقوع .
 قال المصنف: ( والإبل جلّالة )
 ذهب جماعة من الأعلام إلى نجاسة عرق الإبل الجلّالة ، منهم الشيخ المفيد في "المقنعة" ، والشيخ الطوسي في "النهاية" ، والعلامة في "المنتهى" ، وصاحب "كشف اللثام" و"الحدائق" رحمهما الله ، بل في "الرياض": أنّه الأشهر بين القدماء ، وفي "الغُنية" و"المراسم": نسبته إلى أصحابنا .
 وبالمقابل ذهب آخرون : إلى الطهارة منهم سلّار ، وابن إدريس ، والمصنف هنا وفي "الذكرى" و"البيان" ، والعلّامة في "التحرير" ، بل نسب صاحب المدارك القول بالطهارة إلى سائر المتأخّرين .
 ومهما يكن ، فقدِ استَدل من ذهب إلى النجاسة بعدّة أخبار :
 منها: حسنة حفص بن البُخْتري عن أبي عبد الله ع قال: ( لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة ، وإن أصابك شيء من عرَقها فاغسله ) [3] .
 ومنها: صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال: ( لا تأكل اللحوم الجلّالة ، وإن أصابك من عرقها شيء فاغسله ) [4] .
 ومنها: مرسلة "الفقيه" : ( ونهى ع عن ركوب الجلّالة ، وشرب ألبانها ، وقال : إنّ أصابك شيء من عرَقها فاغسله ) [5]
 لكنّها ضعيفة بالإرسال .
 مضافاً: إلى أنّ دلالتها كدلالة صحيحة هشام قابلة للنقاش ، لأنّ ظاهرهما عدم اختصاص الحكم بالإبل ، مع أنّه لا خلاف في طهارة عرق سائر الحيوانات الجلّالة ، إلّا ما حُكي عن نزاهة ابن سعيد ، وخلافه لا يعتدّ به .
 وحملهما على العهد - أي إنّ المعهود خصوص الإبل الجلّالة - خلاف الظاهر ، لِعدم العهد في الروايتَيْن .
 أضف إلى ذلك: أنّ الحمل على العهد ليس بأَولى من صرف الأمر فيهما على الاستحباب ، للتسالم بين الأعلام على طهارة عرَق غير الإبل من الجلّال .
 بل قد يُقال: إنّ الأمر فيهما محمول على الاستحباب ، حتى بالنسبة للإبل ، لِوحدة السياق وإذا كان الأمر كذلك ، فتكون الروايتان قرينة على حمل الأمر في الحسنة على الاستحباب أيضاً .
 ويؤيِّده: ما دلّ على طهارة الإبل الجلّالة ، وطهارة سُؤْرها ، الملازم لِطهارة عرَقها .
 ويؤيِّده أيضاً: استبعاد الفرق بينها ، وبين سائر ما لا يؤكل لحمه ، سواء كان جلالًا ، أم لا .
 ويؤيّده كذلك: فحوى ما دلّ على حِلّ أكله بعد استبرائه المدّة ، من غير أمر بتطهير جسده لو كان قد عرَق .
  ودعوى : حصول الطهارة له تبعاً ، ممنوعة ، إذ أقصى ما يُستفاد : عود الحلّ بتلك المدّة ، لا طهارة بدنه من النجاسة العارضيّة ، وليس ذا من زوال العين ، المطهِّر للحيوان ، لِكون المفروض وجوده جافّاً .
 والإنصاف: أنَّ ما ذُكِر من الاستبعاد ، والمؤيِّدات ، لا يصلح أن يكون دليلًا شرعيّاً يعتمد عليه في مقام الاستدلال .
 ومن هنا ، يتعيّن الرجوع إلى القواعد الصحيحة :
 فنقول: إنّ الأمر ظاهر في الوجوب ، وحمله على الاستحباب ، في صحيحة هشام ، ومرسلة "الفقيه" بالنسبة إلى عرَق غير الإبل الجلّالة ، وإن كان صحيحاً ، لِلتسالم على طهارة عرَقها ، إلّا أنّ هذا الأمر بالنسبة لعرَق الإبل الجلّالة يبقى على ظاهره ، كما في قولك : اِغتسل للجمعة والجنابة ، فحمله على الاستحباب بالنسبة لغسل الجمعة للقرينة لا يؤثّر في بقاء ظهور الأمر في الوجوب بالنسبة للجنابة .
 


[1] - الوسائل باب27 من أبواب النجاسات ح4
[2] - الوسائل باب27 من أبواب النجاسات ح8
[3] - الوسائل باب15 من أبواب النجاسات ح2
[4] - الوسائل باب15 من أبواب النجاسات ح1
[5] - الوسائل باب27 من أبواب النجاسات ح6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo