< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ العصر في غير الكثير
 كان الكلام في الاستدلا على وجوب العصر وقلنا انه ينبغي التنبيه على عدة أمور
 الأمر الأول: بناء على وجوب العصر هل يتعدّد فيما لو تعدد الغسل ؟ .
 ذهب جماعة من الأعلام إلى وجوب العصر مرتين فيما يجب غسله كذلك ، منهم ابن إدريس في "السرائر" ، والمحقِّق في "المعتبر" ، والشهيد الثاني في "الروضة".
  وأما المصنِّف في "اللمعة" : فاكتفى بعصر واحد بين الغسلتَيْن .
  ويظهر من الشيخ الصدوق: الاكتفاء بعصر واحد بعد الغسلتين ، حيث قال: ( والثوب إذا أصابه البول غسل في ماء جارٍ مرة ، وإن غُسِل في ماء راكد فمرتَيْن ، ثمَّ يُعصِر ...) .
 ويظهر من خبر "دعائم الإسلام" المتقدِّم وجوب التعدد ، ولكنَّه ضعيف السند ، كما عرفت .
 نعم إن قلنا: بدخول العصر في مفهوم الغسل ، وأنَّه لا يتحقَّق بدونه وجب تعدده بتعدد الغسل ، بلا إشكال .
 ويظهر من إطلاق الأكثر الاكتفاء بالعصر مرّة واحدة ، ولكنِ اختُلف هل هو بين الغسلتين ، أو بعدهما ؟ .
  قد عرفت أنّ مختار المصنِّف في "اللمعة" هو بين الغسلتَيْن ، وهو يتناسب مع مَنْ ذهب إلى أنَّ الوجه في اعتبار العصر في أصل الغسل هو إزالة النجاسة الراسخة في الثوب ، إذ بناء على ذلك يتجه اعتباره بين الغسلتَيْن إذا حصت الإزالة في الغسلة الأولى .
  وأما إن قلنا: إنّ الوجه في اعتبار العصر في أصل الغسل هو نجاسة الماء بملاقاة الثوب اتجه حينئذٍ الاكتفاء بالعصر بعد الغسلتَيْن ، لحصول الغرض منه ، وانتفاء الفائدة في فعله قبل الغسلة الثانية ، لبقاء النجاسة مع العصر وبدونه إلَّا أن يُقال: بمنع نجاسة الغُسالة في الغسلة الثانية التي هي غسلة التطهير ، فيُكتَفى بالعصر حينئذٍ بين الغسلتين .
  وممَّن ذهب إلى الاكتفاء بالعصر بعد الغسلتين الشيخ الصدوق ، كما عرفت ، وصاحب الحدائق وصاحب المدارك .
  ومستند الشيخ الصدوق وصاحب الحدائق: هو ما في الفقه الرضوي المتقدِّم ، ولم يتضح لي مستند صاحب المدارك .
  ولا يخفى عليك أنَّ هذا البحث ساقط عندنا ، لعدم اعتبار العصر في الغسل ، إلَّا إذا توقَّف عليه إزالة النجاسة .
 الأمر الثاني: اعتبر العلَّامة في "النهاية" و"التحرير" - في طهارة الجسد ونحوه ، من الأجسام الصلبة - : دلكه .
 وقد يُستَدل لاعتبار الدلك بدليلَيْن :
 الأوَّل: ما ذكره العلامة في "المنتهى" ، من الاستظهار في إزالة النجاسة .
 وفيه: أنَّ موضوع الاستظهار هو الشكّ في زوال النجاسة ، ولا إشكال حينئذٍ في وجوب الدلك للتأكد من زوال النجاسة ، وهذا خارج عن محلّ الكلام .
  وأمَّا مع العلم بزوال النجاسة بدون الدلك فلا دليل على وجوب الاستظهار ، وأقصاها ما يقال في المقام : إنّه مستحب .
 الدليل الثاني: ما ورد من الأمر به في موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله ع ، حيث ورد في ذيلها : ( وقال - في قدح ، أو إناء ، يُشرَب فيه الخمر ، قال : يغسله ثلاث مرات ، وسُئِل : أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ، قال : لا يجزئه حتّى يدلّكه بيده ، ويغسله ثلاث مرات ) [1] .
 وجه الاستدلال في هذه الموثَّقة - لاعتبار الدلك في تطهير الأجسام الصلبة - : هو قوله لا يجزئه ، حتَّى يدلّكه ، بل إطلاق الأمر بغسله أوَّلًا - يغسله ثلاث مرات - ثمَّ الأمر بالدلك ثانياً تقتضي دخوله في مفهوم الغسل ، وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة .
 وفيه
 أوَّلًا: أنَّ الرواية واردة في خصوص إناء الخمر ، وقياس البول على الخمر في القدح قياس مع الفارق ، فإنَّه يمكن أن يكون الأمر بالدلك في الموثَّقة لخصوصية النجاسة المذكورة ، كما اختُصت بالغسل ثلاث مرات ، لا سيَّما أنَّ القدح الذي يكون من الخشب مَظنَّةٌ لعلوق بعض أجزاء الخمر به ، فتحتاج طهارته إلى الزيادة على مجرد الصبّ ، وربَّما كان الخمر أشدّ لُصوقاً بمحلّه من البول .
 وعليه: فقياس البول عليه في غير محلّه .
 وثانياً: أنَّ تأخير الأمر بالدلك عن الأمر بالغسل مطلقاً ليس من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بل هو مثله مثل سائر المخصصات والمقيّدات المنفصلة ، إذ كثيراً ما يكون الأمر بالشيء مطلقاً في صدر الرواية ، ثمَّ يأتي التخصيص ، أو التقييد في ذيلها ، أو في رواية أخرى ، وهذا ليس تأخيراً عن وقت الحاجة ، بل مقتضى ظاهر الموثَّقة أنَّ عطف الغسل على الدلك يقتضي المغايرة ، وخروج الدلك عن مفهوم الغسل .
 وثالثاً: مع التنزّل عن كل ما ذكرناه ، والتسليم بدلالة الموثَّقة على اعتبار الدلك في تطهير الأجسام الصلبة ، إلَّا أنَّ هذه الموثَّقة معارَضة بما وراه عمَّار نفسه عن أبي عبد الله ع ( قال سُئِل عن الكُوز والإناء يكون قذراً ، كيف يُغسَل ؟ ، وكم مرّة يُغسَل ؟ قال : يُغسَل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرَّك فيه ، ثمَّ يفرغ منه ، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ ذلك ، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمَّ يفرغ منه ، وقد طهر... ) [2] .
  وهي موثّقة ، كما أنّها ظاهرة جدّاً في عدم اعتبار الدلك ، كالأخبار الآمرة بالصبّ على الجسد من البول ، كما في حسنة الحسين ابن أبي العلاء قال : ( سألت أبا عبد الله ع عن البول يصيب الجسد ، قال : صُبّ عليه الماء مرتَيْن ، فإنَّما هو ماء ... ) [3] .
  وهي واضحة جدّاً في عدم اعتبار الدلك ، لا سيَّما أنَّها علّلت كفاية الصبّ في التطهير من البول بأنَّه ماء ، أي إزالة البول ، أمر سهل ، لا يحتاج إلى شيء غير الماء .
 والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا ريب في عدم وجوب الدلك ، والله العالم .
 


[1] - الوسائل باب51 من أبواب النجاسات ح1
[2] - الوسائل باب53 من أبواب النجاسات ح1
[3] - الوسائل باب1 من أبواب النجاسات ح31

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo