الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/02/27
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ ولوغ الكلب
منها: ما ورد في "الفِقه الرضَوي": ( إنْ ولغ الكلب في الماء ، أو شرب منه ، أُهريق الماء ، وغُسِل الإناء ثلاث مرات : مرَّة بالتراب ، ومرتَيْن بالماء ، ثمَّ يجفف )
[1]
.
وفيه: ما عرفت من عدم كون ما في "الفِقه الرضوي" رواية ، بل هو فتاوى لابن بابويه ¬ ، نعم يصلح أن يكون مؤيِّداً .
ثمَّ إنَّه يُستفاد من صحيحة البَقْبَاق أنَّ الغسلة الأُولى هي بالتراب .
وأمَّا ما ذهب إليه الشيح المفيد في "المقنعة " - من أنَّ الغسلة بالتراب هي الوسطى - فلا دليل له ، إلَّا الإطلاق في الرضَوي المتقدِّم ، حيث لم تقيَّد الغسلة الأُولى بكونها بالتراب ، ولكنَّك عرفت أنَّه ليس رواية ، وعلى فرض كونه دليلًا وحجة ، إلَّا أنَّ هذا الإطلاق مقيَّد بما في صحيحة البَقْبَاق .
وأمَّا ما حُكِي عن ابن الجنيد - من إيجابه السبع مرات - فقد يُستَدل له بأمرَيْن :
وفيه
أوَّلًا: أنَّه ضعيف جدّاً ، إذلم يَرِد من طرقنا .
وثانياً: مع قطع النظر عن ذلك ، فإنَّه معارَض بنبويَيْن آخرَيْن: ( إن وَلَغ الكلب في إناء أحدكم فلْيغسله ثلاث مرات )
[3]
مع زيادة في أحدهما : ( أو خمساً أو سبعاً )
[4]
ولا بدَّ من الحمل على الندب ، لعدم جواز التخيير بين الأقلّ والأكثر .
الأمر الثاني: موثَّقة عمَّار عن الصادق ع ( في الإناء يُشرب فيه النبيذ ، فقال ع: تغسلُه سبع مرات ، وكذلك الكلب ) .
وفيه
أوَّلًا: أنَّ الغسل سبعاً في النبيذ للاستحباب ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ففي الكلب أيضاً كذلك ، لأنَّ الحكم المجعول للكلب هو نفسه المجعول للنبيذ ، فلا يمكن أن يختلف .
وثانياً: أنَّ صحيحة البقباق أخصُّ منه مطلقاً ، لاختصاصها بصورة التنجّس بالولوغ ، والموثَّقة أعمّ من ذلك ، ومقتضى القاعدة : هي تقييد الموثِّقة بها .
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه ابن الجنيد ليس بتام .
ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على بعض الأمور :
الأوَّل: المشهور بين الأعلام شهرة كادت تبلغ الإجماع قصر الحكم على الولوغ الذي هو الشرب ممَّا في الإناء بطرف لسانه ، فلا يتعدّى منه إلى غيره ، من مباشرة باقي أعضائه ، غير اللطع الذي هو لحس الإناء الخالي من الماء ، لمساواته للولوغ ، أو أَولويَّته منه ، هذا هو المشهور بين الأعلام .
وهناك بعض الأقوال :
منها: ما عن الأردبيلي في "مجمع البرهان" ، من منع التعدية إلى مباشرة لسانه أيضاً ، بما لا يسمَّى وُلُوغاً ، حتَّى اللطع ، ووافقه السيد أبو القاسم الخوئي .
منها: ما عن العلَّامة في "النهاية" ، من إلحاق اللعاب - لو حصل بغير الولوغ -بالولوغ ، مستدلًا عليه بأنَّ المقصود قلع اللعاب ، من غير اعتبار السبب ، ثمَّ قال : ( وهل يجري عرَقه ، وساير رطوباته ، وأجزائه ، وفضلاته ، مجرى لعابه ؟ : إشكال ، الأقرب ذلك ، لأنَّ فمه أنظف من غيره ، ولهذا كانت نكهته أطيب من غيره من الحيوانات ، لكثرة لَهْثِه )
ومنها: ما عن الصَدُوقَيْن ، والشيخ المفيد ، والنراقي ، وصاحب الحدائق ، من التسوية بين الولوغ ، وبين مباشرة باقي أعضاء الكلب .
أقول: إنَّ مستند الحكم في المقام هو صحيحة البَقْبَاق المتقدِّمة التي موضوعها فضل الكلب الذي يصدق بالولوغ ، واللطع ، والشرب منه ، كما لو كان مقطوع اللسان ، أو ممنوعاً من تحريك لسانه .
وبالجملة: كلّ ما يصدق عليه الشرب منه ، هذا هو الإنصاف .
وأمَّا دعوى: "الانصراف إلى كون شربه على وجه يصدق عليه اسم الولوغ ، باعتبار أنَّه المتعارف في شرب الكلب" غير مقبولة ، لأنَّ هذا الانصراف منشؤه غلبة الوجود ، وهو لا يضرُّ بالإطلاق .
وعليه ، فلا يصحُّ التعدِّي إلى اللعاب ، وإلى باقي أعضاء الكلب ، لأنَّ هذا الحكم تعبديّ ، لا يصحُّ التخطِّي عن مورد النص ، إلَّا مع القطع بالملاك ، وعدم مدخليَّة خصوصيات المورد في الحكم ، ومَن أين يحصل لنا العلم بالملاك ؟! .
وأمَّا مستند الصَدُوقَيْن ، والنراقي ، وصاحب الحدائق ، والشيخ المفيد - من التسوية بين الولوغ ، وباقي أعضائه - هو ما ذكره والد الصَدوق في "الرسالة" ، والتي هي عين عبارة "الفِقه الرضَوي" : ( إن وقع كلب في الماء أو شرب منه .... ).
ولكنَّك عرفت أنَّ ما في "الفِقه الرضَوي" هو فتاوى لابن بابويه ، فليس رواية ، حتَّى يستدلَّ به ، إلَّا ما كان بعنوان رُوي ، ومع ذلك يكون مرسلًا .
الأمر الثاني: صرَّح الصَدُوقان بوجوب تجفيف الإناء بعد الغسلات ، وكذا فعل الشيخ المفيد ، ووافقهم بعض الأعلام المتأخرين.
[1] - المستدرك باب43 من أبواب النجاسات ح1
[2] - كنز العمَّال 5/89 .
[3] - حاشية ابن مالك على صحيح مسلم 1/162
[4] - سنن البيهقي 1/240 .