< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ ولوغ الكلب
 كان الكلام في الأمر السابع
 وقد واستدل صاحب الحدائق على اشتراط الطهارة: بالحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله : ( جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) [1]
 فقال: ( فإنَّه شامل للطهارة الحدثيَّة ، والخبثيَّة ، والطهور هو الطاهر المطهِّر ، فيجب الحكم هنا بطهارة التراب ، وإن غفل عنه الأصحاب في هذا الباب ) .
 أقول: إنَّ هذا الحديث ، وإن استفاض نقله ، وورد بعدَّة طُرقٍ ، إلَّا أنَّ هذه الطرق كلَّها ضعيفة ، إلَّا ما رواه الشيخ الصدوق في "المجالس" عن إسماعيل الجعفي عن الباقر عن الرسول صلى الله عليه وآله ، فإنَّ الطريق حسن .
 ثمَّ إنَّ المستفاد من هذا الحديث هو أنّ الله سبحانه وتعالى جعل الأرض في حدِّ ذاتها ، كالماء ، طهوراً ، فلا يُستفاد منها الاشتراط .
 أضف إلى ذلك : أنَّه لا يبعد ظهوره في إرادة الطهارة من الحديث ، فلا يشمل ما نحن فيه ، والله العالم .
 الأمر الثاني: هل يسقط التعفير إذا غسل بالماء الكثير ، أم لا ؟ .
 المعروف بين الأعلام: عدم السقوط ، منهم المحقِّق في "المعتبر" ، والعلَّامة في "المنتهى" ، والمصنِّف في "الذكرى" ، والشهيد الثاني في "الروض" ، و"المسالك" ، والمحقِّق الثاني في "جامع المقاصد" ، والمحقِّق الهمداني ، والسيد الحكيم في "المستمسك" ، وغيرهم من الأعلام خلافاً للعلَّامة في "النهاية" ، ومحتمل "المختلف" و"الخلاف" .
 وقد يُستَدلّ لعدم السقوط: بإطلاق صحيح البَقْبَاق ، إذ الغسل بالتراب فيه يشمل ما لو كان الغسل بالماء القليل ، أو الكثير .
 ولا يعارضه عموم ذيل مرسلة الكاهلي المتقدِّمة كلُّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر ، وكذا لا يعارضه إطلاق مرسلة "المختلف" المتقدِّمة أيضاً أنَّ هذا لا يصيب شيئاً إلَّا وطهَّره .
 وجه توهم المعارضة: أنَّ النسبة بينهما وبين صحيح البَقْبَاق عموم وخصوص من وجه ، لاختصاص مرسلة الكاهلي بماء المطر ، ولكنَّها عامَّة لإصابة كلِّ متنجِّس ، سواء أكان المتنجِّس إناء الولوغ ، أم غيره .
 وأمَّا صحيحة البَقْبَاق: فموردها إناء الولوغ ، ولكنَّها مطلقة من حيث تطهيره بالماء القليل أو الكثير .
 وهكذا الحال في مرسلة "المختلف" : فإنَّ موردها ماء الغدران الطاهر في الكثير ، وتدلَّ على طهارة كلّ متنجِّس ، سواء أكان المتنجِّس إناء الولوغ ، أم غيره .
 وأمَّا صحيحة البقباق : فقد عرفت حالها .
 وبالجملة: فيجتمعان في غسل إناء الولوغ بالمطر ، وماء الكثير ، وبعد التساقط لا دليل حينئذٍ على اعتبار التعفير .
 ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا معارضة بينهما .
 أمَّا أوَّلًا: فَلِضَعف المرسلتَيْن سنداً ، كما تقدَّم .
 وثانياً: مع قطع النظر عن ذلك ، فإنَّ ظاهر المرسلتَيْن هو كفاية الصبِّ ، وعدم اعتبار التعدُّد ، والانفصال ، في الغسل ، أي ناظرتان إلى طهارة ما مِن شأنه التطهير بالغسل ، فكما لا تشملان النجاسة العينيَّة ، كما لو أصابتا جلد الميتة ، فإنَّه يبقى على نجاسته ، وكذا المتنجِّسات التي لا تزول عنها عين النجاسة بالإصابة ، فإنَّها تبقى على نجاستها ، كذلك لا تشملان ما يحتاج إلى التعفير الذي هو بمنزلة إزالة العين .
 وممَّا ذكرنا يتضح لك عدم صحَّة ما ذكره العلَّامة في "المختلف" على سقوط التعفير ، حيث ذكر أنَّه حال وقوع الإناء في الكرِّ لا يمكن القول بنجاسته حينئذٍ ، لِزوال عين النجاسة ، إذ التقدير : " ذلك والحكم بملاقاة الإناء للكرِّ ... " .
 وجه عدم صحة ما ذكره: يتضح ممَّا ذكرناه في الجواب الثاني عن المرسلتَيْن ، فلاحظ .
 الأمر التاسع: ذهب جماعة من الأعلام ، منهم المصنِّف هنا ، وفي "الذكرى" ، والشهيد الثاني ، والمحقِّق الكركي ، والعلَّامة في "المنتهى" ، إلى سقوط العدد إذا غسل بالكثير ، بل ذهب إلى ذلك كثير من متأخرِي المتأخرين ، خلافاً لبعضٍ ، كالشيخ في "الخلاف" ، و"المبسوط" ، والمحقِّق في "المعتبر" ، وصاحب الجواهر ، حيث ذهبوا إلى عدم سقوط العدد .
 وقد يُستدلّ لِمَن ذهب إلى السقوط: بإطلاق صحيحة البَقْبَاق ، حيث إنَّها ظاهرة بالاكتفاء بالغسل بالمرَّة الواحدة ، سواء أكان الغسل بالماء القليل أم الكثير .
 رفعنا اليد عن إطلاقها - بالنسبة للغسل بالماء القليل - لموثَّقة عمَّار الآتية الدَّالة على اعتبار ثلاث غسلات في تطهير الإناء إذا غسل بالقليل ، فهمنا تقييدها بالقلَّة ، من جهة اشتمالها على الصبِّ الظاهر في القليل ، وأمَّا الغسل بالماء الكثير فيبقى على إطلاقه ، إذ لا مقيَّد له .
  نعم ، بناء على اشتمال صحيحة البَقْبَاق على كلمة "مرَّتَيْن" ، بعد قوله : "ثمَّ بالماء" ، فقد يُقال حينئذٍ : بظهورها في اعتبار العدد مطلقاً .
 ولكن فيه
 أوَّلًا: أنَّ هذه الزيادة لم تثبت ، كما تقدَّم .
 وثانياً: - بناء على ثبوت هذه الزيادة - ذهب جماعة من الأعلام إلى انصراف هذا الإطلاق إلى إرادة الغسل بالماء القليل ، لكونه هو الغالب في مكان صدور الإطلاق .
 ولكن الإنصاف - بناء على ثبوت هذه الزيادة -: منع الانصراف ، لأنَّه ناشِئ من غلبة الوجود ، ومثله لا يضرُّ بالإطلاق .
 وثالثا: قيل - بناء على ثبوت الزيادة - : إنَّ مرسلة الكاهلي ، وكذا مرسلة العلَّامة في "المختلف" المتقدِّمتان تدلان على سقوط التعدُّد ، والنسبة بينهما وبين صحيحة البقباق هي العموم والخصوص من وجه ، فيجتمعان في غسل إناء الولوغ بالمطر والماء الكثير ، وبما أنَّ مرسلة الكاهلي دالَّة بالعموم ، وصحيحة البقباق بالإطلاق ، فتُقدَّم المرسلة ، لِمَا عرفت في الأصول أنَّ العام رافع لموضوع الإطلاق .
  ومقتضى ذلك سقوط العدد ، ولكن الذي يهوِّن الخطب أنَّ المرسلتَيْن ضعيفتا السند ، كما أنَّ الصحيحة لم يثبت اشتمالها على تلك الزيادة .
  والخلاصة إلى هنا: سقوط العدد في الغسل بالماء الكثير ، إلَّا أنَّه لا بدَّ من تقديم التعفير بالتراب أوَّلًا ، وإلَّا لم يحصل له شيء من الغسل ، والله العالم .
 


[1] - الوسائل باب6 من أبواب الماء المطلق ح5

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo