الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/03/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ الخمر
وأمَّا الإناء من الخمر: فذهب جمع من الأعلام إلى وجوب غسله سبع مرات ، منهم الشيخ المفيد ، وسلَّار ، والمصنِّف في أكثر كتبه ، والمحقِّق الكركي ، والشيخ في "المبسوط" ، وغيرهم من بعض المتأخرين .
وذهب المحقِّق في بعض كتبه: إلى الاكتفاء بالثلاث ، وكذا العلَّامة في بعض كتبه ، والشيخ في "النهاية" ، والمحقِّق الهمداني ، والسيد محسن الحكيم ، وصاحب الحدائق ، والسيد أبو القاسم الخوئي.
وعن جماعة من الأعلام: الاكتفاء بالمرَّة الواحدة ، منهم المحقِّق في "المعتبر" ، والعلَّامة في أكثر كتبه ، والشهيد الثاني في "الروض" ، وصاحب المعالم والمدارك.
أمَّا مَن ذهب إلى وجوب السبع فقدِ استدل: بموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله ع ( أنَّه سأله عن الإناء ، يُشرَب فيه النبيذ ، فقال : تغسله سبع مرات ، وكذلك الكلب )
[1]
وأمَّا مَن ذهب إلى اعتبار الثلاث: فقد حمل هذه الموثَّقة على الاستحباب ، وذلك لموثَّقة عمَّار الأخرى عن أبي عبد الله ع ، حيث ورد في الذيل ( وقال في قدح ، أو إناء يشرب فيه الخمر : قال : تغسله ثلاث مرات ، سُئِل يجزيه أن يصيب فيه الماء ؟ ، قال : لا يجزيه حتَّى يدلِّكه بيده ، ويغسله ثلاث مرات )
[2]
فإنَّ مقتضى الجمع العرفي حمل رواية السبع على الاستحباب .
إن قلت: إنَّ رواية الثلاث لا تدلَّ على عدم وجوب الزائد ، لأنَّ العدد لا مفهوم له فهو ساكت عما فوق الثلاث ، نفيا وإثباتا ، يعني لا يدلُّ على وجوبه ، ولا على عدم وجوبه ، ولا على استحبابه .
قلت: إنَّ الأمر ، وإن كان كذلك ، إلَّا أنَّه إذا كان في مقام التحديد فيدلّ على المفهوم حينئذٍ ، ورواية الثلاث واضحة كونها في مقام التحديد .
نعم ، لا تدلّ على لِحاظ العدد بالنسبة إلى الزائد على نحو بـ شرط بلا ، حتَّى يكون الزائد مضرّاً .
ومن هنا ، يتضح لك حمل رواية السبع على الاستحباب .
نعم ، يبقى الإشكال على رأي مَن ذهب إلى وجوب السبع ، ماذا يفعل برواية الثلاث ؟! ، وعلى أي شيء يحملها ؟! .
قال صاحب الحدائق: ( ويقرب عندي في وجه الجمع بين الخبرين المذكورين الحمل على اختلاف الأواني في قلع النجاسة المذكورة منها ، فمنه ما يحصل بالثلاث ، ومنه ما يتوقَّف على السبع ، وهو ، وإن كان أيضاً لا يخلو من تأمَّل ، إلَّا أنَّه في مقام الجمع لا بأس به ... )
وفيه: ما لا يخفى .
وأمَّا مَن ذهب إلى الاكتفاء بالمرَّة: فإنَّه ردَّ الموثَّقتَيْن بضعف السند ، واعتمد على ما دلَّ على الأمر بالغسل ، الحاصل بالمرَّة الواحدة .
وفيه: ما ذكرناه أنَّهما من نوع الموثَّقات المعمول بها ، فلا يضرّهما كون رجالهما من الفطحيَّة .
وأمَّا إطلاق الأخبار: الكثيرة الدَّالة على جواز استعمال أواني الخمر ، بعد غسلها ، المستفاد من هذا الإطلاق الاكتفاء بالمرة الواحدة .
ففيه أوَّلًا: أنَّه يحتمل احتمالًا معتدّاً به كونها في مقام بيان قَبول التطهير في الجملة ، وأنَّه لا يسقط استعمالها أصلًا بمباشره الخمر ، وليست في مقام البيان من هذه الجهة .
وثانياً: مع قطع النظر عن ذلك ، والتسليم بالإطلاق ، إلَّا أنَّها مقيَّدة برواية الثلاث ، فلا إشكال في المقام ، ومن هنا يتعيَّن القول بالثلاث ، والله العالم .
قال المصنف: ( ويُغسَل الإناء من غير ذلك ثلاثاً ، يُصبُّ فيه الماء ، ثمَّ يُحرَّك ، ويفرغ ، وهكذا )
المشهور بين الأعلام أنَّه يجب غسل الإناء بالماء القليل إذا تنجَّس بسائر النجاسات التي منها البول ثلاث مرات ، منهم الشيخ في "الخلاف" ، وابن الجنيد في "مختصره" ، والمصنِّف هنا ، وفي "الذكرى" والمحقِّق الكركي والمحقِّق الهمداني والسيِّد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي وصاحب الحدائق
وبالمقابل ذهب بعض الأعلام إلى الاكتفاء بالمرَّة الواحدة ، منهم المحقِّق في "المعتبر" ، والمصنِّف في "البيان" والشهيد الثاني في "الروض" ، وصاحب المدارك ، حيث قال : ( والأصحّ الاكتفاء بالمرَّة المزيلة للعين في الجميع ، والاقتصار في التعدّد على نجاسة الثوب ، خاصَّة بالبول ... ) .
وهناك قول ثالث: ذهب إليه المصنِّف في اللمعة والألفيَّة ، وهو اعتبار المرَّتَيْن ، ومن هنا يتضح لك أنَّ المصنف له ثلاثة أقوال .
ومهما يكن ، فقدِ استُدل للقول بالثلاث: - وهو القول المشهور - بموثَّقة عمَّار المتقدِّمة عن أبي عبد الله ع: ( قال : سُئِل عن الكُوز والاناء ، يكون قذراً ، كيف يغسل ؟ ، وكم مرة يغسل ؟ قال : يغسل ثلاث مرات ، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ، ثمَّ يفرغ منه ، ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرك فيه ، ثمَّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرك فيه ، ثمَّ يفرغ منه ، وقد طهر ... )
[3]
[1] - الوسائل باب30 من أبواب الأشربة المحرمة ح2
[2] - الوسائل باب30 من أبواب الأشربة المحرمة ح1
[3] - الوسائل باب53 من أبواب النجاسات ح1