< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ النار
 لا زال الكلام في احتمالات صحيحة الحسن بن محبوب وقلنا أن هناك أربعة احتمالات وذكرنا ثلاثة
 أما الرابع: فذهب إليه صاحب المدارك ، وصاحب الحدائق ، قال في الحدائق: ( فإنَّ الظاهر أنَّ المراد منها هو أنَّ المستفاد من ظاهر السؤال هو أنَّ العَذِرَة تُحرق الجصَّ ، ويختلط رمادها به ، وغرض السائل معرفة حالها بعد الإحراق ، وأنَّها هل تبقى على النجاسة ، فيلزم تنجيس الجصَّ بها لِملاقاته لها بالرطوبة بالمزج بالماء وقت البناء ، أم لا ؟ .
  فخرج الجواب عنه ع: بأنَّها تطهر بالإحراق ، والاستحالة ، رماداً ، فليس على الجصِّ منها بأس ، وهو معنى واضح ، ودليل مُفْصِح لا غبار عليه ، وهذا المعنى ، وإن لم يُفصِح به لفظ الخبر ، إلَّا أنَّه هو المرجع من سياقه ...) .
 وبناء على هذا الاحتمال يكون الماء غير مؤثِّر في التطهير ، ويكون إسناد التطهير إلى النار حقيقة ، وإلى الماء مجازاً .
 والإنصاف: أنَّ الاحتمال الأوَّل ، والرابع ، بعيدان عن مساق الصحيحة ، وإن كان الاحتمال الأخير مظنوناً ، إلَّا أنَّه لا قرينة عليه من نفس الصحيحة .
 ومهما يكن ، فإن قلنا: بأنَّ الصحيحة مجملة ، فالأمر واضح ، وإن قلنا: إنَّها ظاهرة في كون النار من المطهِّرات ، إلَّا أنَّه لا يُستفاد منها أنَّها مطهِّرة تعبداً ، بل لكونها سبباً للاستحالة ، حيث أحالت العَذِرة ، وعظام الموتى ، رماداً .
  وأمَّا الأخبار الدَّالَّة على أنَّ العَجين المعجون بماء نَجِس فإنَّه يَطهُر بخبزه ، باعتبار أنَّ النار قد طهَّرته ، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى .
 والإنصاف - كما قلنا -: إنَّ المطهِّر حقيقة هي الاستحالة التي هي عبارة عن تبدُّل حقيقة الشيء ، وصورته النوعيَّة إلى صورة أخرى ، وعنوان الاستحالة ، وإن لم يقع موضوعاً لحكم المطهِّريَّة في الكتاب الكريم ، والسنة النبويَّة الشريفة ، وإنَّما وقع في بعض معاقد الإجماع المنقول بخبر الواحد الذي هو غير حجَّة ، إلَّا أنَّ الدليل على مطهِّريَّة الاستحالة هو أنَّ بالاستحالة يتحقّق موضوع جديد ، غير الموضوع المحكوم بنجاسته ، لأنَّ الأوَّل انعدم وزال ، والمستحال إليه موضوع آخر ، فإن كان المستحال إليه من الموضوعات الثابتة طهارتها بدليل اجتهادي فالطهارة واقعيَّة ، كما إذا استحال النجس إلى شاة ، أو جماد ، ونحو ذلك ، فهذه العناوين ثبتت طهارتها بدليل اجتهادي ، ومن هنا كانت الطهارة واقعيَّة .
 وأمَّا إن لم يكن المستحال إليه ممَّا ثبتت طهارته بدليل اجتهادي ، وكان مشكوك الحكم ، فتثبت طهارته بقاعدة الطهارة ، ويكون الحكم ظاهريّاً ، ولا مجال لدعوى حكومة الاستصحاب عليها ، باعتبار أنَّه أصل مُحرِز ، وهي أصل غير مُحرِز ، لامتناع جريانه في المقام ، لتعدُّد الموضوع عرفاً ، فعنوان العَذِرَة شيء ، والرماد أو الدخان المستحال إليه شيء آخر ، ويُشترط في الاستصحاب اتحاد القضيَّة المتيقنة والمشكوكة موضوعاً .
 والخلاصة: أنَّ النجاسة في موارد الاستحالة ترتفع بانعدام موضوعها ، وأمَّا المستحال إليه فهو موضوع آخر .
 وممَّا ذكرنا يتضح لك ما حُكيَ عن الشيخ في "المبسوط" من الحكم: بنجاسة دُخان الدُّهن النجس، حيث علَّله بأنَّه لا بدّ من تصاعد بعض أجزائه قبل إحالة النار لها بواسطة السخونة .
 وما ذكره أيضاً العلَّامة في "النهاية" من أنهَّ: ( لو استصحب الدُّخان شيئاً من أجزاء النجاسة ، باعتبار الحرارة المتقضية للصعود ، فهو نجس ، ولهذا نُهيَ عن الاستصباح بالدُّهن النجس تحت الظلال ، لعدم انفكاك ما يستحيل عن استصحاب أجزاء دهنية ، اكتسبت حرارة ، أوجبت ملاقاته الظلّ ).
 وفيه:
 أوَّلًا: أنَّنا نمنع عدم انفكاك ما يستحيل عن استصحابها .
 وثانياً: لو سلَّمنا عدم الانفكاك ، إلَّا أنَّه يُعفى عن مثل هذه الأجزاء ، للسيرة المحكيَّة على عدم توقّي الناس دُخان الأعيان النجسة .
 وأمَّا ما ذكره العلَّامة في "المنتهى" من: ( أنَّ البخار المتصاعد من ماء النجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ، وتقاطر ، حُكِمَ بنجاسته ، إلَّا أن يعلم تكوَّنه من الهواء ، كالقطرات الموجودة على طرف إناء ، في أسفله جمد نجس ، فإنَّها طاهرة )
 فهو في غير محلِّه ، لأنَّ البُخار المتصاعد من الماء النجس ، أو من البول ، هو شيء آخر عند العرف ، وصورة نوعية أخرى .
 ومن هنا حكمنا بطهارة البخار المتصاعد منهما ، للاستحالة ، فلا معنى للحكم بنجاسته ، لتعدُّد الموضوع عرفاً ، فلا يكون رفع اليد عن الحكم السابق من "نقض اليقين بالشك" ، بل يُحكم بطهارة البُخار ، لقاعدة الطهارة ، والله العالم .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo