< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ النار
 هذا كلّه في استحالة عين النجس ، وأمَّا استحالة المتنجِّس فقد ذهب بعض الأعلام إلى الحكم بنجاسة المستحال إليه ، لأنَّ موضوع النجاسة فيه ليس عنوان الخشب مثلًا ، وإنَّما هو الجسم ، ولم يزل بالاستحالة ، إلَّا أنَّ المشهور عدم الفرق بين استحالة عين النجس والمتنجس.
  قال في المعالم: ( إنَّ مورد الحديث ، كما علمت ، هو استحالة عين النجاسة ، وقد وقع في كلام أكثر الأصحاب فرض المسألة ، كما في النصّ ، وعمَّم بعضهم الحكم على وجه يتناول المتنجِّس أيضاً ، نظراً إلى أنَّ ثبوت ذلك في أعيان النجاسات يقتضي ثبوته في المتنجِّس بها بطريق أولى ، وهو جيِّد ... ) .
 أقول: أجاب الشيخ الأنصاري - في الأصول في مبحث الاستصحاب - عن إشكال الفرق بين استحالة عين النجس واستحالة المتنجس بقوله: (لم يُعلَم أنَّ النجاسة في المتنجِّسات محمولة على الصورة الجنسيَّة ، وهي الجسم ، وإنِ اشتُهر في الفتاوى ، ومعاقد الإجماعات ، أنَّ كل جسم لاقى نجساً ، مع رطوبة أحدهما ، فهو نجس ، إلَّا أنَّه لا يخفى على المتأمِّل أنَّ التعبير بالجسم لأداء عموم الحكم لجميع الأجسام ، من حيث سببيَّة الملاقاة ، وبتقرير آخر الحكم ثابت لأشخاص الجسم ، فلا ينافي ثبوته لكلّ واحد منها ، من حيث نوعه ، أو صنفه المتقوِّم به عند الملاقاة ، فقولهم : «كلّ جسم لاقى نجساً فهو نجس» ، لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة ، من غير تعرُّض للمحلّ الذي يقوّم به ، كما إذا قال القائل : إنَّ كلّ جسم له خاصيَّة ،وتأثير ، مع كون الخواصّ ، والتأثيرات من عوارض الأنواع ... )
 وحاصل جوابه: أنَّه لم يُعلم أنَّ الموضوع في المتنجِّسات هو الجسم ، وإن كان ذلك مشهوراً في كلمات الأعلام
 وإن شئت فقل: إنَّ عنوان الجسميَّة لم يرد في آية ، ولا رواية ، ولم يكن مَعقدَ إجماعٍ معتبر .
 وعليه ، فهو قاعدة متصيَّدة من الأدلَّة الخاصَّة ، الواردة في الموارد الخاصَّة ، مثل الثوب ، والبدن ، ونحوهما .
 وبالجملة ، فالموضوع في المتنجِّس هو الثوب المتنجِّس ، أو البدن المتنجِّس ، أو الأرض المنتنجِّسة ، وليس الجسم بعنوان كليّ ، فالعنوانين الخاصة لها دخالة في الحكم بالنجاسة ، ويكون حينئذٍ مثل الأعيان النجسة إذا زال العنوان زال الحكم .
 وفيه: إن تمَّ ما ذكره فهو جيد ، لا محيص عنه ، وإن لم يتمَّ ، كما هو الظاهر ، لورود الرواية في كون الشيء موضوعاً للحكم بالنجاسة ، كما في موثَّقة عمَّار الساباطي أنَّه سأل أبا عبد الله ع ( عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضَّأ من ذلك الإناء مراراً ، أوِ اغتسل منه ، أو غسَّل ثيابه - إلى أن قال ع - ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة ) [1]
 فقوله ع : "يغسل كلّ ما أصابه" ، أي : كلَّ شيء وجسم أصابه ذلك الماء ، فالموضوع حينئذٍ عامّ ، ولا دخالة للصور النوعيَّة فيه .
 والصحيح في الجواب أن يُقال: إنَّ المرجع في تشخيص موضوع الاستصحاب إن كان هو الأدلَّة الشرعيَّة فالتفرقة حينئذٍ بين استحالة عين النجس ، واستحالة المتنجِّس ، في محلِّها ، لصدق الموضوع بعد الاستحالة ، وهو الجسم ، فيكون مشمولًا لموثَّقة عمَّار المتقدِّمة .
 وأمَّا إن كان المرجع في تشخيص الموضوع في الاستصحاب هو العرف ، كما هو الصحيح ، وعليه جُلّ الأعلام لولا كلّهم فلا مورد للتفرقة حينئذٍ ، لأنَّه يلزم من الاستحالة التي هي تبدُّل صورة بصورة أخرى ، بحيث تكون الصورة الثانية عند العرف مغايرة للأُولى ، عدم جريان الاستحصاب حينئذٍ لتعدُّد الموضوع .
 والخلاصة: أنَّه لا فرق في الاستحالة بين عين النجس والمتنجِّس ، إذ في الصورتَيْن يرى العرف أنَّ المستحال إليه غير المستحيل ، فلم يتحد الموضوع بين القضية المتيقنة والمشكوكة
 الذي هو المناط في جريان الاستصحاب ، ولا أقلّ من الشكّ في بقاء الموضوع ، ومعه أيضاً لا يجري الاستصحاب ، فقاعدة الطهارة في المستحال إليه تكون محكمة .
 وممَّا ذكرنا تعرف حال كثير من الأمور التي اختلف الفقهاء في طهارتها ، أو بقائها على النجاسة ، وذلك للشكِّ في الاستحالة وعدمها ، كما في صيرورة الخشب المتنجِّس فحماً والطين المتنجِّس خزفاً ، أو آجُرّاً ، وسنتكلم عنه - إن شاء الله تعالى - عند تعرُّض المصنِّف له .
 قال المصنف: ( أو آجُرّاً ، أو خَزَفاً ، عند الشيخ )
 قد عرفت سابقاً: أنَّه لا فرق في الاستحالة بين النجاسات والمتنجِّسات ، ولكن وقع الكلام في بعض المتنجِّسات ، من حيث استحالتها ، وعدمه ، كما في صيرورة الطين المتنجِّس خَزَفاً ، أو آجُرّاً ، بالنار ، فقد حُكيَ عن جماعة من الأعلام القول : بالطهارة ، منهم الشيخ في "الخلاف" ، والعلَّامة في "النهاية" ، والمحقق الشيخ حسن في "المعالم" ، ومنهم المصنِّف أيضاً في "البيان" ، بل نُسِب هذا القول إلى أكثر الأعلام .
  وعن جماعة آخرى من الأعلام القول: بالنجاسة ، منهم الشهيد الثاني في "المسالك" و"الروضة" و"الروض" .
  وعن جماعة ثالثة التوقُّف في المسألة ، منهم المحقِّق في "المعتبر" ، وصاحب المدارك ، والعلَّامة في موضع من "المنتهى" .
  وقدِ استَدل الشيخ - القائل : بالطهارة - بالإجماع ، وبصحيحة الحسن بن محبوب المتقدِّمة .
  وفيه: أمَّا الإجماع ، فكيف يتحقَّق ، مع ذهاب كثير من الأعلام إلى النجاسة ؟! أضف إلى ذلك أنَّه إجماع منقول بخبر الواحد ، وقد عرفت حاله .
  وأمَّا صحيحة ابن محبوب: فقد عرفت المحتملات الكثيرة فيها مضافا إلى أنَّ الكلام فيها مبنيّ على ثبوت الاستحالة ، وأمَّا الكلام هنا فهو في صورة الشكّ فيها ، وإلَّا مع التسليم بالاستحالة فنقول : بالطهارة ، بلا إشكال .
  وأمَّا صاحب المعالم فقدِ استَدل للطهارة : بأصالتها ، بعد منعه قيام الدليل على بقاء حكم النجاسة ، بعد زوال عينها ، نظراً إلى أنَّ عمدة المستند فيه الإجماع ، وهو مفقود ، والاستصحاب لا يجري في مثل المقام ممَّا كان مدركه الإجماع .


[1] - الوسائل باب4 من أبواب الماء المطلق ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo